كل هذا وأكثر يكشفه الدكتور خالد المطرود، رئيس شبكة البوصلة الإعلامية، لوكالة "سبوتنيك" في هذا الحوار حول الجنوب السوري، حيث تتجه أنظار العالم اليوم، وحيث تدور أحداث حلقة جديدة من المواجهة بين الدولة السورية وحلفائها، وبين الإرهاب، ومواجهة أخرى بين القوى الدولية والإقليمية، لما لملف الجنوب السوري من ارتباطات بخريطة المنطقة القادمة، وبالمشاريع المعدة لمستقبلها.
سبوتنيك: تتحدث الأنباء عن عمليات عسكرية يقوم بها الجيش السوري شرقي درعا، تتضمن قصفا مدفعيا وغارات يشنها سلاح الجو، هل لا تزال احتمالات التسوية والمصالحة قائمة؟
د. المطرود: خلال أيام قليلة سيكون هناك الكثير من المفاجآت التي سيتم الاعلان عنها، فالذين يقاتلون الجيش معتقدين أنهم يحظون برعاية الأردن أو إسرائيل، فهموا أنهم باتوا أوراقا محروقة وأن اللعبة أكبر من درعا وأبعد من سوريا، هي لعبة إسرائيل التي تسعى للقيادة والريادة من خلال مشروع الشرق الأوسط، هؤلاء المسلحون عادوا إلى الدولة، ونحن قلنا لهم ابقوا في أماكنكم ليأتي الوقت المناسب لنسرق هذه العودة نصرا لدرعا ولسوريا وللجيش السوري، فالمصالحة الداخلية أصبحت شبه مكتملة وهي على الأبواب، فالمصالحة في درعا مرتبطة بتسوية إقليمية تعرقلت مؤقتا بسبب بعض الاستعصاءات المتعلقة بمصالح بعض الدول، واليوم فهم المسلحون أنهم غدوا وقودا، وأنه تم التخلي عنهم من قبل داعميهم، في حين بقيت الدولة السورية فاتحة باب التسويات لعودة كل مواطن تم تضليله إلى حضن الوطن، وخلال أيام قليلة "سنبدأ بنقل مباشر لاحتفالات درعا عبر التلفزيون السوري، وسيكون هناك بداية لتداعيات كبيرة على الأرض تحت عنوان المصالحات، ولدي معلومات تؤكد أن التسويات شبه منجزة والمصالحات شبه جاهزة.
سبوتنيك: هل من تفاصيل حول شروط هذه المصالحة؟
د. المطرود: إن دخول الجيش وبدء عملياته في الجنوب أفهم الجميع أن عجلة تحرير درعا لن تتوقف، لذلك الجميع اليوم يريدون العمل على التسوية، والتسوية الإقليمية ستنعكس على المصالحة الداخلية التي سيدخل الجيش السوري بموجبها ويبسط سيطرته على كامل أراضي المحافظة، وسيشارك في احتفال رفع العلم السوري مع أبناء درعا الشرفاء، وسيتم تسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة للجيش، ويبقى السلاح الفردي لمن يريد أن يغادر وبدون ذخائر، كما أن الدولة ستمنح مهلة لستة أشهر تسمح بالانضمام للتسوية لكل من لديه مشكلة قانونية، كالمتخلفين عن الخدمة العسكرية الإلزامية أم الاحتياطية، وبموجب المصالحة ستعود الحياة والخدمات، ومحافظة درعا استعدت لمتطلبات المرحلة القادمة واستنفرت كل كوادرها لاستعادة دورة الحياة في كل منطقة يتم تحريرها من الإرهابيين، وبموجب المصالحة ستدخل قوى الأمن الداخلي إلى هذه المناطق وسيعيد الجيش السوري انتشاره على الحدود كاملة وسيتم فتح معبر نصيب الحدودي مع الأردن في مرحلة لاحقة.
سبوتنيك: المصالحة والتسوية شبه منجزة، فلماذا يحشد الجيش السوري في الجنوب، وخاصة أنه صد هناك هجوما كبيرا للإرهابيين مؤخرا؟
سبوتنيك: تشي المواقف الدولية بأهمية كبرى لمعركة جنوب سوريا، أين تتجلى هذه الأهمية؟
د. المطرود: لمعركة الجنوب السوري أهمية كبرى، فبناء على نتائجها سيتم رسم مستقبل المنطقة بأسرها، في المرحلة القادمة، مصير الجنوب السوري مرتبط بمشروع أمريكي إسرائيلي كبير، له علاقة بما يرتب لـ "صفقة القرن"، وهناك حسابات كبرى يتم العمل عليها لكن قد تأخذ فترة زمنية، فالولايات المتحدة تريد تأمين المنطقة الجنوبية بحماية روسيا وضمانتها، كي لا يكون هناك تشويش على "صفقة القرن" التي تتضمن إعطاء إسرائيل القيادة والريادة بناتج العملية السياسية على حساب الشعب الفلسطيني،
وإعطاء الأخير دولة في غزة بمساحة 350 كيلومترا يضاف اليها 720 كيلومترا من سيناء، تعوض عنها مصر بـ 720 كيلومترا من صحراء النقب، ويبقى من الضفة 12 بالمئة فقط، وتصبح القدس عاصمة للكيان الإسرائيلي، أما الأردن فله ترتيب سياسي آخر، يتضمن نهاية العرش الهاشمي في الاردن ليكون له في السنوات المقبلة عرشا في جزء من السعودية بعد تقسيمها، ومع إعادة ترتيب المنطقة بعد انتهاء الحرب في سوريا، والأردن الذي نعرفه سيكون بموجب هذه الصفقة وطنا بديلا للفلسطينيين.
الولايات المتحدة وإسرائيل تعتقدان أنهما ستسيطران من خلال هذا المخطط على المنطقة وعلى مقدراتها وثرواتها، وهما في الحقيقة غير قادرتين على منع روسيا من بسط نفوذها، كما أن محور المقاومة هو صاحب الكلمة العليا إقليميا، وله الكلمة العليا دوليا من خلال تنسيق مواقفه مع روسيا والصين، من خلال مجموعتي بريكس وشنغهاي.
سبوتنيك: يقوم الجيش السوري بعملية عسكرية شرقي السويداء ضد تنظيم "داعش" (المحظور في روسيا)، وشرقي درعا ضد مقاتلي "النصرة"، ماذا عن الريف الغربي لدرعا والحدود مع الجولان السوري المحتل؟
إسرائيل متخوفة من نتائج الحرب في سوريا بعد فشلها الذريع في هذه الحرب، فهي أرادت من خلال الحرب على سوريا ضرب محور المقاومة، فانتصرت سوريا وانتصر محور المقاومة، وأرادت ضرب حزب الله فانتصر حزب الله وتحول من قوة لبنانية داخلية إلى قوة إقليمية، بمعنى آخر كان الإسرائيلي يعمل من خلال الحرب السورية من أجل أمنه، واليوم بدأ يتحدث بلغة تأمين وجوده، وهذا لن يتم بالقوة العسكرية وإنما بالتسويات وأعتقد أن وجود روسيا كحليف للدولة الوطنية السورية وكقطب عالمي، أصبح هو الضامن لأي تسوية.
فيما عدا ذلك هناك نقطة استعصاء تتعلق بإسرائيل، فهي تفتح علاقات اقتصادية مع الصين وتمتن علاقتها بروسيا، وعلينا ألا ننسى أن لروسيا مليون ومئتي ألف مستوطن من أصل روسي في فلسطين المحتلة، إضافة إلى أن روسيا تعمل وفق القوانين الدولية ولا يعنيها الحق التاريخي لا للعرب ولا لليهود، وإنما يعنيها العمل على إحلال السلام وفق القرارات الأممية.
إسرائيل تعلم أن روسيا تقف إلى جانب سوريا بكل ما تملك من قدرات وأسلحة ومتطورة ودعم سياسي في سبيل القضاء على الإرهاب وتحرير الأرض السورية من الفصائل والجماعات المتطرفة، ولكن الجانب الروسي ليس في وارد مواجهة إسرائيل ومع هذا تم إبلاغ إسرائيل من قبل روسيا أن الجيش السوري سيتقدم لاستعادة أراضيه من الإرهابيين وأن كل من سيقدم الدعم للإرهاب سيعامل معاملة الإرهابي.
الإسرائيلي يعلم أيضا أن ما حشده الجيش السوري من قوات في الجنوب لم تشهد المنطقة الجنوبية حشدا مماثلا له باستثناء حرب تشرين/ أكتوبر التحريرية 1973 لذلك هو يعلم أن أمامه خياران، أما دخول الجيش السوري من خلال المصالحة والتسوية وحيدا للسيطرة على أراضيه وحدوده، وأما دخوله مع حلفائه في حال فشل التسوية، الأمر الذي تعمل الولايات المتحدة وإسرائيل على تلافيه، بهدف تقليل الخسائر، وبالتالي إن تقديم الدعم الإسرائيلي للإرهابيين سيؤدي إلى خسائر إسرائيلية فادحة، لأن الجيش حينها لن يكون وحده بل سيكون معه حلفاؤه. وهذا ما تم إبلاغ الإسرائيليين به، وأي منطقة سيدخلها الجيش مع حلفائه لن يكون هناك أحد قادر على إخراجهم منها دون قرار من القيادة السورية.
سبوتنيك: ماذا عن التحذيرات الأمريكية الأخيرة لسوريا وروسيا حول الأعمال العسكرية في الجنوب السوري، هل هي تهديدات جدية أم مجرد محاولة يائسة؟
د. المطرود: الأمريكي يعلم أن مشروعه للشرق الأوسط من البوابة السورية قد فشل، فهو أراد الانفراد بالسيطرة والسيادة على الشرق الأوسط، ولكن نتائج الحرب في سوريا أوصلته إلى القناعة بأن لا مكان له في الشرق الأوسط إلا من خلال تقاسم النفوذ والشراكة مع الدول المنتصرة في الحرب السورية وعلى رأسها الاتحاد الروسي ثم الصين ثم محور المقاومة، وبالتالي هو اليوم يسعى لتخفيف خسائره من خلال السعي لضمان أمن إسرائيل، وهذا ما كان يضغط باتجاهه من خلال المباحثات حول التسوية التي كان مقررا التباحث حولها قبل عيد الفطر عندما دعت المملكة الأردنية لاجتماع على مستوى وزراء الخارجية لكل من روسيا والولايات المتحدة والأردن، وقد تم تأجيل الاجتماع بسبب الأحداث التي شهدها الأردن مؤخرا، قبل أن يتم إلغاء الاجتماع بعدما طرحت دمشق خلال قمة سوتشي بين الرئيسين السوري والروسي، فكرة إخراج جميع القوى الأجنبية وخاصة التي لم تدخل بشكل شرعي وبموافقة الدولة الوطنية السورية، بما فيها تفكيك قاعدة التنف كشرط لإخراج القوات الحليفة من الجنوب كمرحلة أولى، وهو ما أكده وزير الخارجية السوري وليد المعلم في مؤتمره الصحفي الأخير عندما قال: لا تصدقوا أي اتفاق لا يتضمن خروج القوات الأمريكية من التنف.
سبوتنيك: في حال فشل المصالحة وانطلاق عملية عسكرية شاملة، هل يمكن لتدخل أطراف خارجية كإسرائيل مثلا أن يؤدي إلى انزلاق الأمور لمواجهة معها، وإن لم يتم التوصل لتسوية تتضمن تفكيك قاعدة التنف، هل سيقوم الجيش السوري بتفكيكها بالقوة؟
بالمقابل الدولة السورية تعلم أن التسويات قادمة لا محالة، ولكن هذه التسويات تحتاج أوراق قوة ومن هذه الأوراق "تنشيط العشائر لتشكيل مقاومة شعبية تتولى استنزاف القوات الأمريكية، والولايات المتحدة الامريكية تعلم معنى ذلك وتخشاه، لأنها جربت هذا النوع من الاستنزاف في العراق، كما تخشاه إسرائيل التي في جنوب لبنان.
لقد عمل المجتمع الدولي خلال سبع سنوات ونصف من الحرب على سوريا، على حصر هذه الحرب ضمن المساحة السورية، لأن أي انتشار للحرب خارج سوريا سيشمل إسرائيل وهذا ما تتهرب منه إسرائيل وتخافه أمريكا، كما سيشمل 9 قواعد أمريكية في الخليج، وسيشمل كل حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، وخاصة أن إيران اليوم أصبحت قوة إقليمية على مستوى الخليج تستطيع إغلاق مضيق هرمز وتحول الخليج إلى منطقة عسكرية.