قال الكاتب والمحلل السياسي التونسي، نزار مقني إن الغنوشي أراد من خلال هذه الكلمة القول إن حركة النهضة هي أقوى طرف سياسي في البلاد وأنها ستكون في الحكم وتتحكم فيه طوال 10 سنوات قادمة، وأنها أصبحت عصية على التعامل الأمنى معها، لافتا لـ"سبوتنيك" إلى أن حركة النهضة تسعى لإعداد برنامج اقتصادي واجتماعي لتونس حتى سنة 2030، وهو ما يؤشر إلى أن الحركة تسعى لإعداد استراتيجية كاملة للحكم.
وأشار مقني إلى أن حديث الغنوشي عن خيار التوافق كخيار استراتيجي، يؤشر إلى أن الحركة بدأت تعد العدة لتغيير تحالفاتها من نداء تونس إلى التحالف مع الترويكا جديدة تتكون من النهضة ومشروع تونس والكتلة الجديدة بالبرلمان المساندة لرئيس الحكومة يوسف الشاهد، والذي من المنتظر أن يعلن عن مشروع سياسي جديد.
وفيما يتعلق بحديث رئيس حركة النهضة عن مسار العدالة الانتقالية؛ قال الكاتب الصحفي التونسي:
الغنوشي أراد مسك العصا من الوسط فاقترح قانونا جديدا للمصالحة الوطنية، ولعب على أنغام المصالحة الوطنية دون تشفي والتي تطالب بها أحزاب جديدة ومنها مشروع تونس ونداء تونس وكتلة الائتلاف الوطني.
واعتبر مقني أن ما ذكره الغنوشي اليوم يعتبر رصاصة الرحمة لهيئة الحقيقة والكرامة التي سبق وصوت نواب الحركة في البرلمان ضد تمديد مهامها في البرلمان، إلا أنها مازالت فاعلة من خلال الإحالات الأخيرة على الدوائر المختصة في العدالة الانتقالية.
وقال الغنوشي اليوم إن النهضة تجدد تمسكها بإتمام مسار العدالة الانتقالية وتسوية كل الملفات العالقة حتى إنصاف الضحايا، ورد الاعتبار لهم كل ذلك في إطار السماحة والعفو، بما يعزز الوحدة الوطنية ويحقق المصالحة الوطنية الشاملة، وأعلن في المقابل رفض الحركة أن:"يظل مصير بعض الشهداء غامضا وجثثهم مخفية، ونرفض أن يرى الضحية جلاده متباهيا بماضي الاستبداد ممجدا له، ولكننا نرفض أيضا بقاء هذا الملف جرحا مفتوحا نازفا بشكل يقودنا إلى توريث الثارات والأحقاد".
واعتبر المحلل السياسي التونسي، أن الغنوشي قصد التأكيد على أن الإصلاحات الخاصة بقانون الحريات لن تمر بدون موافقة النهضة، مشيرا إلى أنه أراد أن يشير إلى أن الحفاظ على أدنى علاقة مع الرئيس السبسي ممكنة من خلال ثقب قانون الحريات الذي طرح للمناقشة في البرلمان.
ومن جانبه قال محمد اليوسفي، عضو المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين إن "خطاب الغنوشي في افتتاح الندوة السنوية لاطارات حركة النهضة التي تعد أضخم تجمع بعد المؤتمر الوطني للحزب تضمن رسائل بالجملة للداخل تونسيا والخارج بالنسبة لدول الجوار وخاصة للشركاء الدوليين من قبيل الاتحاد الاوربي والمؤسسات المالية المقرضة."
وأضاف اليوسفي في تصريح خاص لـ"سبوتنيك" أنه "من الواضح أن النهضة تتطلع إلى حكم تونس خلال العشرية المقبلة وخطاب الغنوشي هو يكاد يكون اعلان عن دخول في سباق انتخابي بشكل سابق لأوانه.. النهضة تحاول تقديم نفسها كعنصر استقرار سياسي في تونس وقوة لا غنى عنه لأي طرف كان محلي أو دولي يريد حكم البلاد أو التعاون معها اقتصاديا ودبلوماسيا".
وأشار اليوسفي إلى أن "خطاب الغنوشي أكد أن النهضة هي قطب الرحى في العملية السياسية وهي اليوم تستعد لاستعادة دورها الريادي في الساحة السياسية بعد فترة انتهجت فيها مقاربة تقوم على الانحاء في وجه العاصفة في أعقاب انتخابات 2014 وفوز نداء تونس والباجي قائد السبسي".
وتابع:
"أيضا من الواضح أن النهضة تسعى للتسويق لنفسها على أنها حزب يعد ضمانة للوحدة الوطنية والمصالحة التي ستلي مسار العدالة الانتقالية وفي هذا الإطار تأتي دعوة الغنوشي لسن عفو عن كل تورط خلال النظام السابق في جرائم ضد لحقوق الإنسان فقط بمجرد المصارحة والإعتذار يعني دون المحاسبة الجزائية والقانونية. وفي هذا الطرح السياسي المثير للجدل والمتناقض مع مواقف الحركة تجاه العدالة الانتقالية في السنوات الأولى التي تلت الثورة هناك رغبة جامحة لاستمالة قطاعات واسعة من المسؤولين الذين عملوا مع بن علي وهم اليوم يمثلون الدولة العميقة وبالتالي حزان انتخابي لا يستهان به".
وشدد على أن النهضة تقدم نفسها في ثوب الحزب الحاكم القوي الضامن لاستقرار الدولة والتجربة الديمقراطية، و"هنا يتنزل الاعلان عن تشكيل فريق خبراء من داخل الحزب ومن خارجه لإعداد رؤية اقتصادية واجتماعية تهم الإصلاحات الكبرى المنتظرة وهي ستمثل البرنامج الانتخابي المرتقب الحركة في انتخابات 2019"، بحسب اليوسفي.
وأضاف أنه "من الواضح أن النهضة اليوم هي المستفيد الأكبر من ضعف وتشتت قوى المعارضة و خاصة أفول غريمها حركة نداء تونس الحزب الذي مازال يتخبط في مشاكل جمة وهو ما يجعلها المرشح الأبرز لقيادة البلاد خلال المرحلة القادمة رغم حصيلة حكمها التي كانت دون المأمول من حيث المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية مع تعثر الإصلاحات الهيكلية والاستراتيجية الكبرى التي تعد ضرورية لإنعاش الدولة وتغيير واقع التونسيين المتأزم خاصة من ناحية المقدرة الشرائية والخدمات العمومية".