وذلك على الرغم من السير نحو الهدوء في بعض جبهات المواجهة الإقليمية والدولية الطاحنة ولو انفخضت فيها وتيرة المعارك الميدانية وخفت صوت أزيز الرصاص وأصوات المدافع لصالح المسار
اعتقدوا أنهم قد يغيرون من خلال منظومة حرب جديدة تسمى بـ "الناتو العربي" الذي ستكون مهمته الأساسية في المرحلة الأولة قيادة الأحداث والمتغيرات الجيوبوليتيكة في المنطقة في وقت تلغى فيه أدوار أحلاف ومنظمات وهيئات بالجملة وعلى رأسها جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي واللذان على أكثر تقدير سيلعبان دور المنظم التشريعي والسياسي لتحركات هذا الحلف في الوقت والزمان والمكان الذي سيتم إعلامهم به للموافقة وإعطائه الشرعية السياسية الكاملة للقيام بما لايتفق مع قرارات وشرائع المجتمع الدولي ، وأغلب الظن ستكون هذه المنظمة ذراع دولية جديدة مهمتها تقليم أظافر القوى القومية الصاعدة في المنطقة بعيداً عن الحاجة إلى إجتماعات هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي كونها ستعتبر شؤون داخلية بين دول المنطقة يمكنها أن تحلها بنفسها وفق ما ترتأيه هذه الدول وبكل تأكيد من خلال التشاور وطرح الحلول في الأوقات اللازمة مع مجلس الأمنوغيره من المنظمات المرتبطة والتي تدار من قبل نفس القوى المهيمنة.
اقرأ أيضا: ما أهداف إنشاء "الناتو العربي" في هذا التوقيت بالذات
هذه المنظومة الجديدة هي فعلاً منظومة حرب وجيش جديد بديل عن الجيوش البديلة التي فشلت مسبقاً في تحقيق المراد ولكنها تختلف عن ماقبلها بأنها أكثر قانونية وأكثر تقليدية كونها منظومة دول بعينها وليست مجموعات أو تنظيمات يقدم لها الدعم من خلف الستار السياسي والإنساني وغيرها من شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ، جزء من مهام هذه المنظومة قد تكمن فعلياً تهيئة المنطقة لصراعات طاحنة قد تؤدي ‘لى صراع دولي لامهرب منه في نهاية المطاف، و من هنا يتبين أن الإنتقال إلى خطوة جديدة للمواجهة من خلال تشكيل مايسمى يسمى بـ "تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي"، أي "الناتو العربي"،ينذر بمرحلة جديدة من الصعب معرفة كنهها وتقدير مايترتب عليها في المستقبل بالنظر إلى الأهداف المراد تحقيقها من قبل القوى القائمة على هذه الخطوة في مثل هذا التوقيت وهذه الظروف.
ستمتد مهام هذا الناتو إلى الحد من التمدد الروسي والإيراني المتشابكان تشابكاً متعدد الجوانب ومدعوماً بالإنتصارات السياسية والميدانية على جميع الجبهات، خصوصاً على الجبهة السورية، وصولاً إلى صعود محوري المقاومة ومكافة الإرهاب أمام المحور الأمريكي الغربي.بالمحصلة القوى الممانعة لن تقف مكتوفة الأيدي وستجد دعماً من روسيا ودعماً من إيران وقد يكون من تركيا أيضا في المرحلة المقبلة الآن، الجميع يحاول إستغلال الوقت لتحقيق كل ما يمكن أن يستطيع ريثما يتم الإنتهاء من عملية تشكيل الحلف الجديد لأنه يحتاج إلى وقت حتى يكون قيد العمل على الأرض فنرى أردوغان يحاول الإسراع بتتريك ما يستطيع من الأراضي السورية التي يحتلها، وإسرائيل تسرع لإشهار علاقتها السرية مع بعض دول المنطقة ، والولايات المتحدة تراوغ مع الروسي وتحفزه على سباق التسلح لوضعه في زاوية الإرهاق المستدام نتيجة هذا السباق ، وتتلاعب بالورقة السورية على مراجيح المنصات السياسية ومطبات التحركات الميدانية وإعادة نشر وتفعيل تنظيم داعش الإرهابي في نفس المناطق التي تم دحره منها ، ودول الخليج تسن خناجرها فرحاً لطعن ماتبقى من بعض الدول العربية وتتهجز لرفع سيفها المتلوم بوجه إيران مستقوية بمنظومة الحرب الإقليمية الجديدة بقيادة إسرائيلة ولكنهم كما العادة لايعلمون أي منقلب سينقلبون.
والاختصار الشديد لملامح المرحلة القادمة بناء على ماتقدم وما قديتأخر لحين يمكن أن نتصورها على النحو التالي:
للتو بدأت المواجهات الإستراتيجية وعمليات لي الأذرع وقض المضاجع والسلاح على جنب إلى حين؛
سورية أفضل من يتقن فن اللعب على حافة الهاوية وقد تعلن انتصارها في مدة قد لاتتعدى 6 أشهر وفق التقديرات، وهذا لايعني إنتهاء الحرب بصورتها الشاملة، فاما ينجح إتفاق سوتشي الثنائي حول إدلب ويترتب عليه تبعات سياسية إيجابية أو يفشل ويدخل الجيش العربي السوري إلى ميادين إدلب وحلب وشرق الفرات ليحسم الأزمة… في غضون ستة أشهر وهي مهلة أستانا المعتادة؛
ليبيا واليمن شكل جديد من المواجهات على خطوط المصالح الإستراتيجية الجيوإقتصادية؛
لبنان وفلسطين تبادل الضغط بالطرد المركزي مع إستمرار محاولات تمرير صفقة القرن؛
مصر والجزائر وتونس وبعض جيرانهم على موج البحر الذي قد يتجاوز حدوده من حين لآخر لإحداث رهبة رادعة في دواخلهم؛
الخليج بشكل عام سيف وخنجر يسن ليضرب بظهر الجميع وأولهم إيران وبصدر القضية الفلسطية لكن مصيره يرجع مكانه الطبيعي؛
تركيا على فوهة بركان لن يسمح أحد بإنفجاره سياساً وإقتصادياً وحتى عسكرياً وديموغرافيا ليبقى رحيل أردوغان خلال عام أمر شبه محتوم داخلياً ودولياً؛
تبقى الفترة المقبلة الفترة الأكثر حساسية في حياة منطقة الشرق الأوسط ، وتحديداً في سورية التي باتت مركز ثقل المنطقة نحو تحقيق الإستقرار من عدمه، وهذا يتوقف في حقيقة الأمر على مقدرة جميع الأطراف الإقليمية والدولية المتداخلة في الأزمة السورية على التوافق فيما بينها قبل الحديث أصلاً عن التوافق السوري السوري والمنعكسات الحقيقية اللاحقة لهذه التطورات هي الإنفجار الأخير في ولادة عالم متعدد الأقطاب وطمر عالم أحادي القطب إلى أجل غير مسمى وقد يكون مستدام.
(المقال يعبر عن رأي صاحبه)