عن رؤية الحكومة لتلك الاحتجاجات، وما الذي فعلته من أجل التهدئة، ومن قتل المحتجين وموقف الأحزاب والقوى السياسية من الشارع السوداني، إضافة إلى سيناريوهات الحل، كل ذلك تناوله بشارة جمعة، وزير الإعلام السوداني، والناطق باسم الحكومة، في حواره مع "سبوتنيك".
وإلى نص الحوار:
سبوتنيك: ما هي الأسباب، التي دفعت السودانيين للخروج للشارع والمطالبة بإسقاط النظام؟
ما يحدث لدينا من تظاهرات واحتجاجات لا يختلف كثيرا عما يحدث في الكثير من الدول سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي.
وكان الحصار وانفصال الجنوب أهم أسباب الوضع الحالي في السودان، وظل الحصار الجائر على السودان سنوات طويلة، لم تعرف بلادنا مثله في السابق ولا أتوقع مثله في المستقبل، كما أن انفصال الجنوب أضاف أعباء أخرى وأدخل الاقتصاد في مرحلة صعبة، وكاد أن ينهار فيها نظرا لصادرات البترول وغيرها من الموارد الطبيعية.
وبالإضافة لكل هذه التداعيات كانت الظروف الاقتصادية العالمية عاملا إضافيا على الأزمة السودانية، فالسودان كان يصدر الوقود ثم تحول للاستيراد، وهو ما أوجد لدينا مشكلة في العملة الصعبة، التي يتم استخدامها في عمليات الاستيراد وتوفير المدخلات واحتياجات البلاد.
والأحداث الأخيرة ناتجة عن عدم توفر الوقود والنقود بشكل كبير نظرا لزيادة الإنتاج بشكل كبير، هذا العام، وحجم التداول للنقد أو السيولة كان كبيرا، حيث تزرع السودان أكثر من 60 مليون فدان بما فيها من سلع استراتيجية كالقمح والقطن والسمسم، وزادت الاستثمارات في المجال الزراعي وكذلك إقبال المواطنين على هذا المجال.
سبوتنيك: إذا كانت الأسباب اقتصادية بحته كما قلتم… لماذا رفعت شعارات سياسية؟
هذا الاحتجاج كان طبيعيا ومنطقيا، لأن الحكومة لم تعالج هذه الاشكالات وسرعان مادخلت جهات كانت مترصده بالسودان، في قلب الاحتجاجات وحاولت استخدامها لتنفيذ أجنداتها السياسية، وهذه الفئات لديها ارتباطات مع جهات خارجية وداخلية وحاولت أن تنقض على الحكومة والدولة وترفع شعار إسقاط النظام، الذي لم يكن شعار المحتجين في البداية، حيث كانت المطالب تتعلق بالاحتياجات الأساسية للمواطن.
الأمور الآن تتجه نحو التهدئة، وفي طريقها للاستقرار، والتداعيات الاقتصادية ستنتهي تماما، وهناك عملية طباعة للعملة لمعالجة نقص السيولة وسيتم صرف مرتبات هذا الشهر بالعملة الجديدة فئة "100، 200، 500" المعلن عنها وستنتهي مشكلة العملة ما بين فبراير / شباط ومارس / أذار المقبلين.
ومشكلة الخبز تم حلها، وسوف نمضي قدما من أجل التفاوض والحوار لأنه المدخل الصحيح والسبيل الأمثل لحل القضايا وليس الاحتجاجات ومحاولة إثارة الفتن والكراهية والبغضاء لأن الدولة لا تحتاج لهذه الأمور في الوقت الراهن.
وزير الإعلام السوداني:
3 أزمات هي الوقود والنقود والقوت (الخبز) أشعلت أزمة الاحتجاجات، والمواطن السوداني فهم الدرس وعرف الدخلاء
المعارضة والحكومة مسؤولين عن الأزمة ويجب أن يكونا فاعلين في حل المشاكل لا تعقيدها، لقطع الطريق على من يحاول الاصطياد في الماء العكر، وهناك دول تقف وراء ما يحدث وتتجلى أدوارها فيما تمتلك من وسائط إعلام أو تقوم بإدارتها، ويمكننا القول إن تلك الوسائط الإعلامية واحدة من الوسائل الرئيسية وطرف أساسي فيما تمر به البلاد ويقفون موقف "الشامت"، وتتمثل رغبتهم الأساسية في حدوث فوضى في البلاد.
سبوتنيك: كيف تعاملتم إعلاميا مع الأزمة؟
تعاملنا مع الأزمة بكل وضوح وشفافية وأيضا تعاملت الحكومة بنفس المنطق، فلم نقلل من الاحتجاجات أو الأزمة ولم نغض الطرف بل قلنا وبكل وضوح إن الحكومة معترفة بأن هناك أزمة، وبالتالي تجري عمليات المعالجة من جانب الحكومة، ومن خرج من الشباب والمواطنين السودانيين كان لهم الحق في ذلك، وكان مطلبهم الأساسي طبيعي وحق مشروع وجميعنا اعترف بذلك.
لكن حينما دخلت القوى السياسية وحاولت استغلال الظروف والأوضاع وتنفث سمومها السياسية وتحاول تبرئة أجندتها عبر تلك الاحتجاجات البسيطة واستغلال الشباب، في هذا التوقيت أدركنا أن تلك الاحتجاجات أصبحت مسار تسلكه جهات دخيلة تريد التخريب والفوضى، والاحتجاجات في بدايتها لم تكن مخربة ولكن صاحبها التخريب بعد تدخل الجهات الدخيلة، ونحن مهمتنا إبراز ما هو موجود، والإعلام ليس مهمته صناعة الواقع بل يعكس لما يحدث لجميع الفئات.
سبوتنيك: تم ترديد أن هناك "جيش ظل" غير معروف يتبع الرئاسة مباشرة وهو من قام بقتل المتظاهرين…ما ردكم؟
هذا كلام ينم عن عدم مصداقية من يقوم بترديده، فليس هناك جيش أو قوة موازية قتلت الناس، هناك مؤتمرات صحفية تعقدها الحكومة وتوضح فيها ما يجرى على الأرض، وأيضا هناك لجنة تقصي حقائق وكل يبحث في مجال عمله، وستصدر كل لحنة تقريرها المختص بعمليات القتل والحرق وغيرها.
وفي اعتقادي أن الكثير مما يتم الترويج له يدخل في إطار التشويق الإعلامي وفي سبيل استغلال الظرف وتسجيل نقاط سياسية واستدرار التعاطف سواء إقليمي أو دولي من منظمات أو جهات، التي يمكنها توسيع رقعة الاحتجاجات وبالتالي تجريم الحكومة.
وزير الإعلام السوداني:
ليس هناك "جيش ظل" أو قوة موازية قتلت المتظاهرين
ولو ثبت عبر لجان تقصي الحقائق أن هناك جهة رسمية أو فرد رسمي ما، قتل شخص بريء سوف تتم محاكمته ولنا سوابق في هذا الأمر، العدالة لدينا راسخة ولن يفلت منها أي شخص يرتكب جرما ويثبت ذلك بالأدلة، وكشفنا في أحد المؤتمرات الصحفية وبعد تشريح الأطباء لجثث بعض المتوفين، تبين أن عمليات القتل تمت بسلاح وتقنية غير موجودة في السودان، كل هذه خيوط للوصول للحقيقة.
سبوتنيك: كانت هناك اتهامات من حكومات ومنظمات دولية للحكومة بانتهاك حقوق الإنسان… ما هو الوضع الآن بعد الاحتجاجات؟
ردود الفعل الدولية حتى الآن هي ردود موضوعية ومسؤولة، نحن نتعاون مع كل المنظمات الإقليمية والعالمية وبشكل خاص في مجال حقوق الإنسان، وهذا الكلام لا يحتاج إلى إملاءات من طرف بل هو مؤصل في الشعب السوداني من كل الجوانب، ونحن نعلم جيدا كيف نصون حقوق المواطنين ولدينا إرث كبير في إطار معالجة مثل هذه المشاكل، الموطن السوداني يتمتع بحرياته، لكن السياسيون دائما يحاولون إعطاء الأشياء أبعادا بخلاف أبعادها الحقيقية.
وزير الإعلام السوداني لـ"سبوتنيك": هذا الثلاثي أشعل المظاهرات https://t.co/T7LCUoZoRJ
— Maryam Ali (@MaryamA199308) January 22, 2019
سبوتنيك: هل استعنتم بقوى خارجية للسيطرة على الاحتجاجات؟
هذا الكلام عار عن الصحة وهي شائعات واتهامات جزافية لا تنم عن عقلية وموضوعية، بل هي في إطار جر الأمور وتدويلها وإدخال البلاد إلى واقع خلافا للواقع الحالي، فهم يتمنون حدوث "ربيع عربي" بالسودان" وتدمر البلاد، وكل ما يثار هو مماحكات سياسية وصراعات فكرية وأيديولوجية وأبعاد إقليمية ودولية في إطار أن السودان أصبح يلعب دورا كبيرا على المستوى الإقليمي وفي إطار السلام على المستوى الدولي وعلى مستوى القارة والوطن العربي والإسلامي.
وزير الإعلام السوداني:
هناك جهات خارجية تريد تدمير السودان
وبالتالي هم لا يريدون للسودان أن ينال هذا الرصيد والمكانة الرفيعة وتلك السمعة الطيبة، لذلك يحاولوا عدم إعطاء السودان فرصة للوصول لمثل هذه المراتب وأن يلعب هذا الدور الإقليمي رغم ظروفه الاقتصادية وحصاره لسنوات طويلة.
سبوتنيك: ماذا عن التعديلات الوزارية بعد الأزمة الحالية؟
كل هذا سابق لأوانه ولا يملي علينا طرف، لكن الظروف والمراحل المعنية هي التي ترجع إلى الدولة والدولة لها مؤسسات لا تعمل عشوائيا ولكن وفق الحاجة الملحة التي تتطلب إعادة ترتيب أوضاعها لمصلحة الشأن العام، ولا تعمل لمجرد ظروف عابرة وطارئة.
سبوتنيك: بعض قادة "الإخوان" أعلنوا عن عدم رضاهم عن التعامل الحكومي مع المظاهرات والبعض الآخر أعلن تخلية عن الرئيس…ما حقيقة ذلك؟
قد يكون من أعلنوا ذلك هم أفراد والأمر يتعلق بأشياء خاصة بهم وليسوا جماعات أو مؤسسات، لكن الواقع خلاف ذلك.
سبوتنيك: موقفكم من الحرب في اليمن…بعد تعالي الأصوات المطالبة بسحب الجيش؟
هذه الأمور تقدرها المؤسسات المعنية، التي خاضت التجربة والجهات ذات العلاقة بالجهات الخارجية.
سبوتنيك: وساطة رئيس جنوب السودان للسلام…هل ستظل على حالها بعد انتهاء الاحتجاجات؟
جنوب السودان انفصل سياسيا… السودان والجنوب شعب واحد ودولتين
وهذا ما أقرته القيادات على مستوى الدولة، وما قمنا به لإحلال السلام في الجنوب وما يقوم به الرئيس سلفاكير حاليا وهو واجب كل منا نحو الآخر، في إطار تكامل المسؤوليات المحلية والإقليمية والدولية في إطار أن تنعم تلك البلاد بالأمان والسلام وتبادل في المصالح والمواقف الوطنية.
والرئيس سلفاكير له دور كبير جدا وسيكون مؤثر على مستوى الإقليم القطري وعلى مستوى السلام من الداخل، وله علاقات ممتدة مع من كان معهم في فترات النضال الشعبية في الفترة السابقة عندما كان السودان موحدا، وفي رأيي أن سلفاكير يلعب دور أساسي فيما يتعلق بقضايا السودان وجنوب السودان مثل الديون العالقة والتي يمكن أن تحدث بها معالجات في إطار تفاهم بين الدولتين.
سبوتنيك: هل سيكون هناك حوار وطني جديد بعد انتهاء الأزمة الحالية؟
الحوار هو منهج وهو الخيار الأمثل والأفضل في كل مناحي الحياة، ليس للسودان وحده ولكن للعالم أجمع، وبالتالي الحوار الوطني الذي جرى في المرحلة السابقة ما زال الباب مفتوحا والوثيقة مفتوحة ومن أراد أن يضيف أو يطور فأهلا به، فلا خيار في مثل هذه الظروف سوى الحوار رغم كل الظروف من صراعات واختلافات وحروب.
نحن سنمضي قدما في اطار انفاذ كل لغة الحوار الوطني ضمن برنامج التحول الوطني المنشود وتغيير كل الأوضاع ونمضي جميعا، فنحن حكومة وفاق وطني في النسخة الثانية، في حكومة شعارها الأمل والعمل على أرض الواقع انتاجا وإنتاجية ولن نتوقف ولن نلتفت لأي شائعات أو أشياء مغرضة.
سبوتنيك: الصادق المهدي…هل سيكون أحد الوجوة في المشهد السياسي المقبل؟
الصادق المهدي من حكماء السودان وسياسي ضليع ومن القيادات البارزة ورقم لا يمكن تجاوزه وله مواقفه الوطنية وإسهاماته.
وقاد المهدي الحكومة السودانية مرتين، وعاد للبلاد وهو من الداعين للحوار وإن كان له مواقف مختلفة فنحن نحترم مواقفه، وقدومه إلى السودان إضافة وليست خصم، ونتوقع منه مبادرات ومواقف وأفكار وتصورات تحل أزمة البلاد وتقود القوى السياسية المتصارعة جميعها سواء كانت أحزاب أو حركات إلى الجلوس مرة أخرى وتخطي العقبات وإعلاء الشأن الوطني.
وزير الإعلام السوداني:
المهدي هو الشخص القادر على التمييز والتفريق ما بين والتداخلات الظاهرة في الأفق
وهو قادر على أن يكون لديه موقف وطني، وحزب الصادق المهدي هو حزب وطني عريق، ساهم كثيرا في استقرار البلاد ولا يمكن أن يكون عكس ذلك أو يعمل ضد البلاد.
أجرى الحوار/ أحمد عبد الوهاب