في العراق والأردن وليبيا ومصر، وبعض الدول الأخرى ارتفع معدل الانتحار لأسباب متعددة، ضمنها الفقر والإحباط واليأس وضياع الأحلام وضيق الأفق، حسب ما أكده الخبراء والمسؤولون في تلك الدول.
الأردن
كما تسجل في الأردن حالة انتحار واحدة كل ثلاثة أيام، بحسب المراكز المختصة، فيما تشير الإحصائيات الرسمية الحكومية إلى تسجيل 80 حالة انتحار حتى نهاية يونيو/ حزيران 2018.
مديرية الأمن العام بالأردن أيضا كشفت عن أن حالات إنهاء الحياة تتزايد خلال السنوات الأخيرة في عموم المدن الأردنية، خاصة أنه في عام 2012، سجلت 86 حالة وارتفعت الحالات عام 2013 إلى 108، فيما بلغت عام 2014 مئة حالة، وازدادت عام 2015 إلى 113 حالة، و120 عام 2016 وارتفعت إلى 130 عام2017، وهو ما شكل المزيد من المخاوف الكبيرة لدى المراقبين والجهات المعنية.
من ناحيته يقول الكاتب الأردني غيث العضايلة، إن العوامل التي تدفع إلى الانتحار تتمحور في عاملين هما الاقتصادي والاجتماعي.
وأضاف في تصريحات خاصة إلى"سبوتنيك"، أن هذه العوامل تتدخل فيما بينها خاصة أن الوضع الاقتصادي يؤثر على الجانب الاجتماعي، ويؤدي في النهاية إلى اللجوء للهروب من ضغوط الحياة، ومنها أول حالة انتهار في الربيع العربي "البوعزيزي" في تونس.
ويوضح أن الجانب الاجتماعي يتمثل في عملية التفكك الأسري، إثر عمليات الانفتاح والاستقلالية التي يعيشها العالم العربي، بحيث أصبح الفرد مستقلا بذاته، وهي عمليات كلها تؤثر على الجوانب النفسية وتدفع الفرد للتفكير بمفرده ومواجهة أزماته بالطرق التي يراها مناسبة وقد يكون منها الهروب عبر الانتحار.
العراق
في العراق تتزايد حالات الانتحار من عام لأخر، وبحسب ما أعلنته مفوضية حقوق الانسان العراقية مؤخرا، فإن عدد حالات الانتحار في إحدى المحافظات العراقية بلغت 59 حالة في عام 2018.
وفي وقت سابق من العام الجاري أعلنت منظمة حقوقية في محافظة ديالى، أن المحافظة شهدت 53 حالة انتحار خلال 2018.
من ناحيته، قال القاضي أحمد الساعدي قاضي محكمة الأحوال الشخصية ببغداد، إن الدافع الرئيس وراء عملية الانتحار في العراق أو الوطن العربي هو الإحباط.
وأضاف في تصريحات خاصة إلى "سبوتنيك"، أن العراق يعيش حالة خاصة منذ سنوات طويلة، حيث يعاني الإرهاب والكبت والمنع، وسيطرة جماعات مسلحة على مناطق متعددة من العراق، وهو ما أثر على عملية التعبير عن الرأي والحرية، وكذلك ضياع الآمال والطموحات.
وتابع، أنه على الرغم من الاستقرار الأمني الكبير الذي يشهده العراق الآن، إلا أن حالة الإحباط مستمرة، في ظل وجود آلاف الشباب انقطعت آمالهم وأحلامهم، وهو المشهد الذي يؤكده عدم حصول آلاف الشباب الذين تخرجوا من الجامعات على وظائف أو فرصة عمل جيدة.
وأشار إلى أن عمليات الانتحار لم تقتصر على النسبة المتعلمة فقط، وإنما شملت الفئات غير المتعلمة ولها دوافعها المستقلة المتعلقة بالمحيط الاجتماعي، فضلا عن الاشتراك في ذات الأسباب العامة التي يعاني منها الجميع.
انتحار النساء
واستطرد، أن إقليم كردستان شهد عمليات متزايدة في السنوات الأخيرة، وأن تزايد نسب انتحار النساء في العراق، يعود أحد عواملها إلى سيطرة الجماعات الإرهابية، وما تعرضن له الفتيات من السبي والانتهاك والممارسات غير الأخلاقية والإجبار، وهي كلها دوافع تؤدي في بعض الحالات إلى الانتحار في ظل تفاوت قدرات الاحتمال بين المواطنين.
دور مؤسسات الدولة
وفيما يتعلق بدور الوزارات المعنية، أوضح أنها ليس لديها من البرامج والنشاطات التي تتعلق بالحد من ظاهرة معينة، خاصة في ظل معاناة المؤسسات والوزارات من الفساد، وهو ما يلقي بالمسؤولية على المؤسسات المدنية والجامعات ومراكز الأبحاث، بما يسهم في مواجهة العملية والحد منها في العراق وكافة الدول العربية.
مصر
وبحسب الإحصائية، بلغت حالات الانتحار 52 حالة انتحار في عام 2015 بينهم 36 حالة من الذكور و16 حالة من الإناث، وارتفع إلي 62 حالة في عام 2016 بينهم 51 ذكرا و11 امرأة، وارتفع إلى 69 حالة في عام 2017 بينهم 53 حالة بين الذكور مقابل 16 من الإناث.
وبحسب جهاز الإحصاء المصري، تركزت الحالات بشكل كبير بين المراهقين أقل من 20 سنة بعدد 80 حالة، يليهم الفئة العمرية أقل من 40 سنة بعدد 67 حالة انتحار.
القومي للبحوث الجنائية
من ناحيتها، قالت الدكتورة سوسن الفايد أستاذ علم النفس السياسي بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، إن الأسباب متعددة وتتلاحم مع بعضها البعض لتخلق المناخ المناسب للقيام بعملية الانتحار في النهاية.
وأضافت في تصريحات خاصة إلى "سبوتنيك"، أن الظروف تتناسب في المنطقة العربية بشكل عام، خاصة عدم وجود ثقافة العلاج من الأمراض النفسية، وكذلك الخلل في أزمة القيم ومعالجة الأزمات بشكل مادي بدلا عن الجانب المعنوي.
الميديا
تضيف الدكتورة سوسن، أن أحد أهم العوامل تأثيرا هو استخدام مواقع الميديا بشكل سلبي، خاصة في ظل توافر طرق الانتحار وشرحها، وسرد للأسباب التي تدفع الشباب في بعض البلدان الأخرى، وهو ما يخلق صورة داخل مخيلة الشباب أو الفتيات طوال الوقت عن الأمر، وفي حالة إصابة الشخص بالهلاوس أو الانفصام يظل الأمر يطارده بشكل كبير، ويصبح اقرب للوقوع في الانتحار تحت ضغوط كل هذه العوامل.
الفقر والبطالة
تعاني العديد من الدول العربية من ظروف الفقر والبطالة، إلا أن الطبيبة أوضحت أن الأمر لا يمكن إسناده إلى العاملين، خاصة أن العاملين موجودين من فترات تاريخية كبيرة لم يكن فيها الانتحار بهذا الشكل، إلا أن الظروف التي طرأت على المجتمعات والتطورات والتراكمات وعدم وجود ثقافة المواجهة دفعت بالشباب إلى الانتحار هربا من الواقع.
الإدمان
تقول سوسن أن الإدمان من أهم العوامل التي تدفع للانتحار، خاصة في ظل عدم وجود ثقافة مواجهة الإدمان، وهو الأمر الذي لابد أن تعمل عليه كافة المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، خاصة أن العديد من العوامل المجتمعية والنفسية قد تدفع إلى الإدمان.
ليبيا
تؤكد إحدى الباحثات بالمجتمع المدني، التي فضلت عدم ذكر اسمها، إن الشائع بين الأوساط الليبية أن أسباب الانتحار ترجع لعمليات الاضطراب النفسي، التي تصيب الشباب والفتيات في ليبيا، وبعض الشائعات التي تتعلق بالترويج لفكرة السحر.
وأكدت في تصريحات خاصة إلى "سبوتنيك" أن أحد أقاربها كان يعاني من اضرابات، وبعد جولات كثيرة في عيادات الأطباء لم يفصح التشخيص الطبي عن أي مرض عضوي، وفي إحدى المرات حاول شنق نفسه، إلا أنهم أنقذوه في اللحظات الأخيرة بعد نقله إلى المستشفى.
وتتابع "عمليات الانتحار انتشرت بشكل كبير بين الفتيات خاصة من سن 15 إلى 22، وأنه لا أساس علمي لما يقال بشأن السحر، وأن بعض الحالات المتعلقة بالشباب ترجح لتعاطي الحبوب المخدرة".
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، انتحرت فتاة تبلغ من العمر 15 عاما من مدينة العجيلات، وبحسب "بوابة أفريقيا" وجدت معلقة على شجرة زيتون بالقرب من منزلها و حبل أسود ملفوف حول رقبتها.
وقبل انتحارها، تحدثت عن كرهها للحياة، وعن ضيق الأحوال المعيشية وسوء المناخ العام في البلاد.
وفي أبريل/ نيسان 2017 شهدت مدينة البيضاء انتحار نحو 10 حالات منهم فتاة 14 عاما، وسيدة 40 عاما، وشابة 17 عاما، ، وفتاة 19 عاما، وسيدة متزوجة ولديها أطفال وتبلغ من العمر 58 عاما.
من ناحيته، قال عبد المنعم الزايدي، مدير المنظمة العربية لحقوق الإنسان، إن عمليات الانتحار أصبحت منتشرة بشكل كبير، إلا أنه لا توجد إحصائيات صادرة من وزارة الصحة أو الجهات ذات العلاقة بهذا الشأن حتى الآن، وأن هناك بعض الحالات التي سجلت لدى المنظمة هي حالات شنق، وهناك بعض الحالات لم تفصل في أسبابها الجهات المختصة.
وأضاف في تصريحات خاصة إلى "سبوتنيك" أن الأسباب تعود إلى الحالات النفسية بشكل كبير، وتراجع مستوى المعيشة في عموم البلاد، وأن ما يشاع حول السحر لا يمكن انكاره إلا أنه لا يمكن الربط بين السحر وكافة حالات الانتحار بشكل مباشر، وأن أحد الاسباب الرئيسية يتمثل في انتشار الحبوب المخدرة بين الشباب.
وبحسب أرقام منظمة الصحة العالمية التابعة لهيئة الأمم المتحدة يموت نحو 800 ألف شخص منتحرا كل عام، أي بمعدل شخص كل 40 ثانية، ويعتبر الانتحار أحد أهم الأسباب المؤدية إلى الوفاة في فئة الشباب بين 15 و29 سنة.
من ناحيته، قال أحمد حمزة مقرر اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا، إن عملية الانتحار أصبحت ظاهرة منتشرة في عموم ليبيا خاصة بالمنطقة الشرقيةـ وأن أهم العوامل تتعلق بالجانب الاجتماعي والاقتصادي والثقافي أيضا.