وأضاف في حواره مع "سبوتنيك"، أن الجنوح إلى ممارسة ثقافة الإقصاء تدفع البعض لرفض التحول الثاقفي المدروس، وأن الرفض في نظرهم هو السلوك المجدي للفوز بالسيطرة الكاملة على المشهد الديني والثقافي، أو قد يكون جراء مصالح فكرية حزبية تهدف إلى تحويل مسار اهتمام أفراد المجتمع نحوهم، وتوظيفها لصالح تلك الأغراض الحزبية… إلى نص الحوار.
رؤيتي لخطوات المملكة في رؤية 2030، هي رؤية كل منصف على وجه الأرض، فهذه الرؤية تعد نقلة نوعية، ليس لها مثيل في هذا العالم اليوم، ولم تأت هذه الرؤية إلا بعد دراسات وأبحاث عميقة، وبعد معرفة تجارب الدول الأخرى.
وأنا واثق، أنها رؤية ثاقبة سيستفيد منها شعب المملكة العربية السعودية والشعوب الأخرى، لما تحمله من قيم كبيرة، كثيرا ما تتساهل بها كثير من الأنظمة، إلا أن قادة الرؤية في هذه البلاد المباركة جعلوها من الأولويات، لأن وجودها يعني وجود الإنسان آمنا مستقرا في أي موطن على وجه الأرض.
فيما يتعلق بعملية الانفتاح الثقافي والاجتماعي في السعودية.. البعض يمتدح والبعض ينتقد.. فكيف ترى هذه المرحلة من وجهة نظركم؟
مظاهر التحول الثقافي والاجتماعي وأشكال الترفيه في السعودية، وجدت تلبية لحاجات بعض الفئات من أفراد المجتمع، خاصة من الشباب والعوائل الذين يتعاطون مع تلك الفعاليات، ويتفاعلون معها في جو من المرح وحب الحياة، وهذا أمر اعتيادي، ويحدث في المجتمعات البشرية، لكن ما يميز ذلك في المملكة أنه تم وفق مراسيم صدرت منظمة له، بحيث لا يتصادم مع ثوابت الدين الحنيف، ولا مع عادات وتقاليد مجتمعنا المحافظ.
أما ما نراه من الرفض التام لهذا التحول المدروس، فمرده إلى تجذر ثقافة الأحادية لدى الرافضين، والجنوح إلى ممارسة ثقافة الإقصاء، وهذا في نظرهم هو السلوك المجدي للفوز بالسيطرة الكاملة على المشهد الديني والثقافي، أو قد يكون جراء مصالح فكرية حزبية تهدف إلى تحويل مسار اهتمام أفراد المجتمع نحوهم، وتوظيفها لصالح تلك الأغراض الحزبية، مستغلين الثقافة السائدة والمتأصلة، من حيث التمسك التام بثوابت الدين ورفض كل ما يخدشها لدى المجتمعات العربية بشكل عام والمجتمع السعودي بشكل خاص، فقامت تلك التيارات الحزبية، وخاصة الطائفة السرورية من جماعة الإخوان الإرهابية، في تأليب الناس ومحاولة إيجاد موضع قدم لهم في مثل هذه الظروف.
فيما يتعلق بمواجهة الفكر الإرهابي وجماعات التكفير، ما هو دور السعودية في مواجهة تلك الجماعات؟
يعد الأمن حاجة إنسانية ملحة، ومطلبا فطريا لا تستقيم الحياة بدونه، ولا يستغني عنه فرد أو مجتمع، فالأمن هو أساس كل دولة وكيانها، وإذا كان الأمن على هذه الدرجة العالية من الأهمية، فإن ذلك يعني بالضرورة وجوب مواجهة ما يخل به.
وقامت المملكة بدور مشرف في مكافحة الغلو والتطرف والإرهاب، بكافة صوره وأشكاله الأمنية والفكرية، وعملت على تجفيف منابعه ومصادر تمويله، وسنت الأنظمة والقوانين التي تجرم من يمول الإرهاب والإرهابيين، أو يظهر التعاطف معهم.
وفيما يتعلق بالجانب الوقائي ، أطلقت السعودية حملات عديدة في جميع قطاعات الدولة التعليمية والأمنية، وأيضا من خلال منابر المساجد والدروس والمحاضرات والندوات الدينية، لزيادة الوعي العام لدى أفراد المجتمع عن خطورة الفكر الإرهابي والتحذير منه، وممن تولى كبره من الجماعات الإرهابية كجماعة الإخوان، وجماعة التكفير والهجرة، وجماعة التبليغ, وتنظيم القاعدة, والتنظيم الإرهابي "داعش" وغيرها.
أيضا من الجهود التي تذكر في هذا الصدد، أن السعودية ممثلة بوزارة الداخلية شكلت لجنة "المناصحة"، لمحاورة من انساقوا وراء تلك الأفكار الهدامة، وقد نتج عنها تراجع الكثير من المنظرين للفكر التكفيري المنحرف، ومن غرر بهم من الشباب، كما قدمت المملكة مبادرة في عهد خادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز، تضمنت عفوا عاما عن كل من يسلم نفسه ممن ينتمي إلى تلك الفئة الضالة.
واستمرارا للنهج السعودي في مكافحة الإرهاب، أعلن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن تشكيل تحالف إسلامي لمحاربة الإرهاب، تداعت له الدول الإسلامية حتى بلغ عددها (34) دولة، استشعارا من سموه بخطورة هذا الداء، وكي يكون شريكا للعالم في محاربته, بعد ما بات الإرهاب وباء فتاكا، وظاهرة خطيرة تضررت منه دول كثير.
كل تلك الأعمال وغيرها كثير مما يصعب حصره في مثل هذه العجالة، كانت تصب في مواجهة الفكر الإرهابي بكافة صوره وأشكاله، من كونه شر للجميع، ومن جانب آخر تؤكد المملكة بهذا المسلك، أن الدين الإسلامي بريء مما يقوم به الإرهابيون، وأن التسامح والتعايش وقبول الآخر بغض النظر عن دينه، وجنسه، وعرقه، ومذهبه، هو جوهر الدين الإسلامي الحنيف.
الالتزام وعدم الانحراف جانبان يحتاجان إلى الكثير من الجهد خاصة فيما يتعلق بدعم الوسطية، برأيك كيف يمكن الحفاظ على الجانبين معا؟
ليس هذا رأيي، بل هو الإسلام المنزل على نبي المسلمين محمد صلى الله عليه وسلم، وهو في كل مناحي الحياة حتى في الصناعة وغيرها، ويقول تعالى: { وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلً}، ويقول تعالى في الأكل والشرب { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ }، ويقول في النفقة: { وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ}، ويقول: { وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا}، ويقول في الصناعة: {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ}، عند صناعة الدروع، فلا تبالغ في المسار حتى يخرج من الناحية الأخرى، ولا يكن ضعيفا فلا يمسك، ويقول في شأن الأمة ودينها: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا}، والأمة الوسط هي العدل الخيار التي لا تجنح لا إلى غلو أو إلى انحلال، ولكن الأمة الإسلامية في الأزمنة المتأخرة قد ابتليت بداءين عضالين، ألا وهما: داء التهاون والتفريط، حتى ينحدر الإنسان في أعماله وأقواله، فيصل إلى الانسلاخ الكلي من ربقة الدين، وداء المبالغة والغلو حتى يصعد الإنسان في أعماله وأقواله فيصل إلى مرحلة الانحراف الفكري والعياذ بالله، فيدخل في قضايا التبديع والتفسيق والتكفير من غير علم ولا دليل، وإنما انسياق وراء الهوى واتباع لمن ادعوا ــ زورا ــ بأنهم علماء حتى يخرج من ربقة الدين أيضا.
ومع تعاقب العصور قد ينتاب الناس فترة يحتاجون فيها إلى تجديد معالم الدين لانقطاع الرسالة، لكننا ولله الحمد والمنة نحن المسلمون نملك إرثا عظيما تكون لنا من الموردين العذبين الصافيين، الكتاب والسنة، وما أجمع عليه علماء الأمة، لذلك فإن المحافظة على الالتزام وعدم الانحراف إنما تكون بالتزام العمل بما ورد في الكتاب والسنة، بفهم السلف، بعيدا عن المصطلحات المبتدعة، وإظهار عقيدة أهل السنة والجماعة المتمثلة في الوسطية، فمتى ما رجع الناس إلى هذا المنهج النبوي القويم السوي في الاعتقاد والعمل، وانحسرت البدع، واجتمع الناس بعد الفرقة على وحدة الكلمة والصف، والالتفاف حول الولاة ومؤازرة العلماء الذين عرف بقدرهم ومكانتهم، فإن ذلك كله بتوفيق الله كفيل بالمحافظة على الالتزام وعدم الانحراف بكافة صوره وأشكاله.
قضية تجديد الخطاب الديني تبدو قضية كبيرة والمصطلح يتضمن الكثير من التأويلات والتنظير. برأيك ما هي الآليات الدقيقة التي يجب أن تتبع تدريجيا؟
الخطاب الديني المنزل من عند الله تعالى لا يتغير ولا يتبدل، ولا يحتاج إلى تجديد، وإنما ينبغي النظر في تجديد الخطاب البشري، الذي عملت عليه أصابع العبث، وصور الإسلام بغير صورته الحقيقية، مما جعل أعداءه يتسلطون عليه وعلى أهله، ويصفونه بصفات منفرة، وهو منها براء.
ثانيا: من أهم الآليات التي أراها هي حل "إشكالية المصطلحات" ففهم المصطلح يحل كثيرا من الإشكالات، هناك مثالا على هذا وهو "تجديد الخطاب الديني" الناس فيه ــ سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين ــ ثلاث طوائف، طائفة تنادي به على أي وجه كان، وتراه هو الذي سيحل كل الإرهاب والكراهية ويزيل العنف، وطائفة ترفضه رفضا قاطعا، وتراه إلحادا وتغييرا للدين وقضاء على الهوية، والطائفة الثالثة بين هؤلاء وهؤلاء ، فهي تطالب بتحديد مصطلح "الخطاب الديني" وماذا يراد به ، فإذا تبين لهم المراد بهذا المصطلح وافقوا أو مانعوا.
كيف ترى دور الأزهر الشريف في الوقت الراهن؟
الأزهر من محاضن العلم، ودوره معروف، وتعاقب عليه علماء كبار على مر التاريخ الإسلامي، كان لهم الأثر الكبير في نشر العلم والمعرفة، ولا يزال الأزهر محل تقدير العالم الإسلامي، ونحن في وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد نلتقي مع الأشقاء في الأزهر في الرغبة الجادة من أجل التعاون البناء, لنشر الوسطية والاعتدال, ونبذ الغلو والتطرف والكراهية, بين شعوب المسلمين في كل مكان, ومع شعوب البشرية جمعاء.
لذا فإننا على ثقة كبيرة، بأن التعاون بيننا سيثمر بإذن الله الخير الكثير لصالح الإسلام والمسلمين، وسنعمل سويا للوقوف في وجه المتطرفين، الذين اختطفوا المنبر الدعوي ردحا من الزمن, وسيسوا الإسلام لأغراض السياسة, وامتطوا الإرهاب لتخويف الشعوب, وتدمير البلدان بكل صلافة وعداء، ونحن نعمل مع الأزهر على إعادة توجيه بوصلة العمل الإسلامي إلى وجهته الصحيحة, لنشر الإسلام الصحيح القائم على الوسطية والاعتدال.
نحن في المملكة العربية السعودية نقف ولله الحمد على صخرة ثابتة، لا تتدحرج قيد أنملة عن تعاليم الشريعة الغراء السمحة، فمنذ أن قامت هذه البلاد المباركة على يد المؤسس الملك عبدالعزيز ـــ طيب الله ثراه ــ وهي تغرف من زلال الدين الحنيف، وتنهل من معينه الصافي، مستقيمة على منهج قويم، بعيدا عن الغلو والجفاء، والإفراط والتفريط، والإرهاب والترهيب، والتطرف بكل أدواته وأشكاله وأجزائه وجماعاته واتجاهاته وتنظيماته، والانفتاح الثقافي المؤطر ضرورة من ضرورات التقدم والرقي، وليس فيه معارضة للشريعة، بل على الضد من ذلك، هو يبين محاسن الشريعة التي لا تمنع قبول ما عند غيرنا من الثقافات التي نفيد منها.
وإذا لم ننفتح على غيرنا سار الركب وبقينا متخلفين عنهم، وهذا خطأ شرعي وعقلي، فالأمم لم تزل تستفيد من بعضها، وحقيقة ثقافات الأمم هي نتيجة خبرات وتجارب، والشرع عندنا ــ نحن المسلمين ــ يحدد لنا ما هو جائز لنا وما هو ممنوع.
وقيادة هذا البلد تستشعر هذا دائما وتجعله نصب عينيها، ونحن نرى أبناءنا وبناتنا المبتعثين عادوا إليه بثقافات حصَّلوها ونقلوها، بعد أن أزالوا عنها ما يخالف ثوابتنا وينزع عنا هويتنا.
وما نراه من تشغيب حول الانفتاح الثقافي، يذكرنا بما كان الصحويون يحاولون أن ينشروه بيننا، باسم الغزو الفكري، حيث يرون كل تقدم غزوا فكريا، لتبقى بلاد المسلمين متخلفة فتسهل سيطرة الصحويين عليها ويؤدلجوها وفق عقولهم المتجمدة، وبعضها لها أهداف حزبية وتريد التشغيب على المملكة وهز مكانتها الريادية في العالم الإسلامي.
نعم، نحن لا ننكر أن هناك غزوا فكريا، يحاول البعض به القضاء على ديننا وشعبنا وهويتنا، لكننا لسنا مغفلين نتقبل كل ثقافة، وحكومتنا ليست غافلة عن هذا، بل هي تستشعره، وتقاومه، ونضع الخطط البديلة، ولكن ليس كل ما عند الشعوب الأخرى نريد نقله إلى مجتمعنا باطلا، والتهويل بهذا المصطلح لا يجوز، لأنه يمنع الأمة من الوصول إلى الخير، ويجعلها في ركب التخلف.
أجرى الحوار: محمد حميدة