يشق أحمد طريقه في المقبرة التي تكدست فيه القبور وأحاطتها الأعشاب من كل حدب وصوب، ليضع غالون المياه على جانب وليبدأ نهار العمل بتنظيف شواهد القبور من غبار الحرب الدائرة في صنعاء ليقوم بعدها بسقاية الورود الموضوعة عليها، ليحصل مقابل ذلك على أجر مادي يعيل فيه أسرته.
"عادة ننتظر المواكب الجنائزية" فإذا لم يمت أحد نجول هنا بين القبور، هكذا علق صاحب الـ13 عاما في مقابلة صحفية مع "فرانس برس".
أحمد من بين ملايين الأطفال في اليمن الذين يكافحون من أجل متابعة تعليمهم، حيث أدت الحرب والفقر والمرض إلى جعل اليمن أفقر البلدان العربية، كما ويعتبر من بين المحظوظين الذين لم تغلق مدارسهم بسبب الحرب.
قصة أحمد لم تكن الوحيدة فياسر العربية البالغ من العمر 15 عاما، وجد نفسه يعمل في المقبرة بعد إصابة والده بجلطة دماغية ليتلاشى حلمه في ان يصبح طبيبا.
ياسر يصف يومه الروتيني قائلا " استيقظ، أذهب للمدرسة حتى الظهر، لأتوجه إلى المقبرة بعد الغذاء".
ويتابع قائلا: "إذا كان هناك قبر يحتاج للتنظيف، فسأنظفه، وأتأكد من أنه يوجد لدي مياه، من أجل أن أبيعها للأسر التي تأتي لزيارة القبور".
كما يقوم ياسر بالاهتمام بالأزهار المزروعة على جوانب القبور ليقوم بسقايتها بشكل دائم ودوري.
جحيم أطفال واقتصاد منهار
" الحرب التهمت كل شيء" بهذه الكلمات تحدث الضابط السابق في الجيش اليمني، محمد عتيقة، والذي يدير حاليا محل بقالة صغير، ليتتحدث عن محاولته لإبعاد مجموعة من الأطفال قد جاءت الى محله من أجل الخبز والحليب، حيث لم يكن يوجد ما يبيعه لهم.
وأضاف قائلا: "لا أريد الكثير. الخبز والشاي سيكونان كافيين، طالما أعيش حياة شريفة".
ويصادف يوم 26 آذار/مارس مرور 4 سنوات على بدء التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية وحلفائها ضد المتمردين في اليمن، مما أثار ما وصفته الأمم المتحدة بـ"أسوأ أزمة إنسانية في العالم".
في الوقت الذي يكون فيه الأطفال الأكثر عرضة للخطر في فوضى الحرب، حيث تواجه الفتيات الزواج القسري ويتم تجنيد الأطفال كمقاتلين، لتصف "اليونيسيف"، اليمن بأنها "جحيم حياة الأطفال" في عام 2018، حيث يحتاج ما نسبته 80 في المئة من الأطفال للمساعدة.
ليصبح اليمن كأكثر البلدان العربية في عمالة الأطفال، وفقا لمنظمة العمل الدولية، كما وتقدر الوكالة بأن حوالي مليوني طفل من أصل 7 مليون مؤهل لم يلتحقوا بالمدارس مع استمرار الحرب لعامها الخامس.
كما وخلفت الحرب إلى جانب العنف، دمارا اقتصاديا كبيرا ليتقلص الاقتصاد اليمني بنسبة 50 في المئة منذ العام 2015 وفقا للبنك الدولي.
لتنخفض قيمة العملة المحلية والقوة الشرائية، في الوقت الذي جاهد فيه البنك المركزي لدفع رواتب موظفي الدوائر الحكومية على الرغم من دعم المملكة العربية السعودية بأكثر من ملياري دولار.
الأمر الذي دفع العائلات للاعتماد على خيار توظيف أطفالها من أجل الحصول لو على بضع دولارات في الشهر.
بحسب تصنيف صادر عن الأمم المتحدة فإن ثلاثة أرباع سكان اليمن والبالغ عددهم 29 مليون نسمة لمساعدات إنسانية بالإضافة لوجود 10 ملايين على شفا مجاعة جماعية.
في الوقت الذي لا يتقاضى فيه المعلمون أجورهم في بعض المناطق منذ العام 2016، صرفت "اليونيسيف" حوالي 50 دولارا لحوالي 100000 معلم.