ووسط عناد من البشير وحكومته، كانت الكلمة العليا للشعب وعزل الجيش رأس السلطة وتولى المجلس العسكري، وسط إصرار من الجماهير على البقاء معتصمين حتى تحقق الثورة مطالبها.
سبوتنيك: العودة إلى الوطن بعد سنوات المنفى الإجباري نتيجة معارضتك لحكم البشير…ما الذي تمثله بالنسبة لك؟
أنا معارض لكل الأنظمة الشمولية والدكتاتورية، وأؤمن بالنظام الديمقراطي التعددي القائم على القانون والدستور، وتلك هى مواقفي منذ كنت طالبا بالجامعة، ودخلنا السجون والمعتقلات منذ عهد عبود، وحتى قبل العشر سنوات الأخيرة في حكم البشير، وقد عملت فترة من الزمن قاضيا في المحاكم السودانية.
سبوتنيك: كانت لك واقعة شهيرة إبان حكم الرئيس السوداني عبود وأنت قاضيا…ما الذي حدث؟
حاربنا "نظام" الرئيس عبود، وقدنا ضده المظاهرات وقدمنا الكثير من المذكرات، وأثناء عملي بالقضاء كنت أناضل مع زملائي من أجل تفعيل القانون واستقلال القضاء، واضطررت في هذا الوقت أن أصدر أوامر بالقبض على الكثير من أركان "نظام" عبود، وبالفعل تم إلقاء القبض على عدد من الوزراء والمسؤولين الكبار في نظام عبود، لارتكابهم جرائم ضد المواطنين بالمخالفة للقانون وانتهاكات حقوق الإنسان، حتى قامت ثورة أكتوبر، ليسقط نظام عبود، وبعدها ترشحت للبرلمان وحصلت على العضوية عن دائرة "دنقلا"، وكنا نقاتل حتى الحكومات الحزبية التي ننتمي إليها من أجل الديمقراطية والنظام الديمقراطي.
سبوتنيك: انتهى حكم عبود وأتيتم بنظام جعفر النميري… لماذا كنت تعارض إذن؟
لم نكن نقدس حاكم، وكنا نقف ضد أي نظام شمولي، وهذا ما حدث أيضا في حكم النميري، ودخلت المعتقل لمدة 7 سنوات، وصدر ضدي حكم بالإعدام في تلك الفترة من عام 1976، ولم ينفذ الحكم ورحل النميري وخرجت من السجن، حتى جاء نظام الإنقاذ، عام 1989، برئاسة البشير، وظللت أحارب حكم البشير 21 عاما في الداخل، واعتقلت عدة مرات.
في العام 2009، هددني التابعين للبشير بالقتل، نتيجة تأييدي للمحكمة الجنائية الدولية، لأنني أرى فيها محكمة قانون موجهة ضد الطغاة الذين لا يمكن محاكمتهم في بلادهم نتيجة عدم وجود ديمقراطية وتغلغل الفساد، وعندما سرت في طريق تأييد المحكمة الجنائية، استدعاني رئيس جهاز الأمن وقتها، وهددني بالضرب بالرصاص، ولم أهتم بهذا الكلام لإيماني بأن القدر هو الذي يملك روحي، ولم أغادر السودان خوفا ولكن لأن الكثير من الأصدقاء نصحوني بترك السودان، لأنني لن أستطيع فعل شيء بالداخل نتيجة القهر والإستبداد والاعتقالات الكثيرة، وظللت طوال العشر سنوات الماضية أكشف جرائم الإنقاذ ضد السودانيين لكل دول العالم.
سبوتنيك: محاربتك لحكم البشير من الخارج…هل كانت تحت غطاء سياسي أم بشكل فردي؟
لم أكن بمفردي، وقمت وعدد من الوطنيين السودانيين بالخارج سنة 2010 بتأسيس كيان سياسي، وليس حزبي تحت مسمى "الجبهة الوطنية العريضة"، والتي تضم كل أطياف المجتمع وتقوم على مبادئ ثلاثة، وهي "إسقاط النظام- عدم الجلوس معه — مساءلة ومحاكمة كل من أجرم بحق الوطن والمواطن"، وكانت الجبهة هى المظلة لكل من يتبنون تلك المبادئ الثلاثة.
سبوتنيك: عندما خرج السودانيين إلى الشارع نهاية ديسمبر الماضي…هل توقعت رحيل البشير؟
كانت ثقتي كبيرة في الشعب على الدوام، وكنت أنتظر تلك الثورة في أي لحظة، وقامت الثورة على ذات المبادئ التي قامت عليها الجبهة الوطنية العريضة.
هذه الثورة في الشارع يقودها الشباب، نظرا لأن كل القيادات السياسية الرسمية كانت تحاور النظام، ولم تكن تؤمن بإسقاط النظام وإزالته، وكانت تتصالح مع الحكم وتصل في النهاية إلى منطقة وسطى، لكن الثورة جاءت من أجل إزاحة البشير وعدم التحاور معه والمحاسبة والمحاكمة، وكان للشباب حضوره القوي والمبدع، والذي تعامل مع التكنولوجيا بشكل كبير وأظهر معاناته وكل السودانيين من نظام "الإنقاذ".
سبوتنيك: أين موقع المرأة السودانية في تلك الثورة؟
في السابق كانت المرأة السودانية تشارك مشاركة هامشية أو لا تشارك، أما في في ثورة ديسمبر فهي قائدة، وأثبتت أن لديها مخزون نضالي وأنها أقوى إمرأة في المنطقة كلها، فكان الشباب من جانب والمرأة من جانب آخر، والنقطة الأخرى التي تميز الثورة الحالية هو أنها بدأت عكس كل الانتفاضات السابقة من الريف وليس من المدن الكبرى أو العاصمة، لذلك كان لها زخم لم يكن متوفرا في الثورات السابقة.
سبوتنيك: كل الثورات السودانية السابقة لم تتعد أيام أو أسبوعين على الأكثر…ما سبب صمود البشير 4 أشهر في وجه الثورة؟
حكم البشير "مؤدلج" و له فكر متطرف، لذا ظل يرتكب جرائمه دونما حساب ويقاتل عن نفسه بإستماته، وفي المقابل كان الشباب السوداني لديه إصرار بعدم التراجع حتى النهاية، وتحولت الثورة إلى كتلة غير قابلة للانكسار.
سبوتنيك: لدى الثوار تخوفات من سيناريوهات السطو على الثورة…كما حدث في دول الربيع العربي…ما رأيك؟
سبوتنيك: برأيكم…هل ستكون هناك تدخلات خارجية في القرارات التي يتخذها المجلس العسكري الانتقالي؟
الكثير من الدول العربية والإفريقية كانت تقدم دعما لنظام البشير ووقفت ضد المحكمة الجنائية الدولية، وأصدروا بيانات كثيرة كان يرفضها الشعب السوداني، حسابنا مع هؤلاء ليس الآن، عندما يسقط هذا النظام ويأتي الشعب السوداني عبر حكومته التي يرتضيها لمحاكمة الذين وقفوا ضد الشعب السوداني، لا نرفض رعاية الدول لمصالحها بشرط ألا يكون على حساب الشعب السوداني، وقلت في زيارات لدول عربية وغربية "ارفعوا أيديكم عن السودان"، نحن لا نمد يدنا ولا نطلب صدقة من أحد، ولا ننظر لما في يد الآخرين، نحن نريد دولة سودانية توظف ما لديها توظيفا صحيحا قائم على قيم الطهارة والوطنية.
سبوتنيك: كيف ستتعامل الثورة مع قضايا داخلية وأخرى خارجية؟
التعامل مع القضايا الداخلية والخارجية سيكون وفق دستور انتقالي وضعناه منذ سنوات عديدة، ونشرناه على كل وسائط الإعلام، والمجلس الانتقالي من أجل هيكلة الدولة على نظام فيدرالي معين من أجل توزيع عادل للثروة والسلطة، وإعادة بناء الأجهزة الأمنية والقوات النظامية، ولا يجب إن يكون للجهاز الأمني سلطة جمع المعلومات فقط "استخباراتي"، ولا تكون له أي سلطة تنفيذية ولا يحمل سلاح لأنه ليس جهة قتالية.
من يريد السلطة خارج إطار الاعتصام والثورة الشعبية، هذا مكانه مزبلة التاريخ، السلطة لا تعطى أساسا لمن يتطلع إليها، المعتصمون هم من يختاروا من يتولى السلطة الانتقالية، والثورة لن تتآكل أو تنتهي حتى تحقق جميع أهدافها ومن يرددون هذا الكلام إنما يريدون أن يجدوا لأنفسهم موقعا مع "العسكر".
سبوتنيك: ماذا ستفعلون مع قوات الدعم السريع التي كانت تتبع البشير بشكل مباشر؟
نحن مع قوات مسلحة واحدة، كل من يحمل السلاح ينبغي أن يكون جزء منها، وأن يكون هذا الجيش قومي وطني موحد، ويمثل الأمة السودانية بجميع أطيافها.
سبوتنيك: وما هو موقفكم من القوات التي تحارب في اليمن من سنوات؟
موقفنا واضح بأننا لا نصدر عساكرنا ليحاربوا قضايا الآخرين، هى عملية ارتزاق لا يقبلها الجيش السوداني، ولماذا نحارب إخوتنا في اليمن، اليمنيون لديهم قضية يعرفونها جيدا، هم أجدر الناس للمحاربة عن قضيتهم، كان يجب علينا أن نصلح بين الأطراف، ولا نكون خائنين نحارب هذا على حساب الآخر، البشير أرسل هؤلاء لليمن كمرتزقة للحصول على المال، لا يمكن أن يباع الدم السوداني بالمال، الحرب في اليمن تثير ألمنا وحزننا لأنها حرب بين أشقاء، وكما أننا لا نريد تدخل الآخرين في شأننا الداخلي، كذلك يجب علينا عدم التدخل في شؤون الآخرين.
سبوتنيك: من وراء محاولات فض الاعتصام من أمام قيادة الجيش؟
سبوتنيك: وماذا عن قوانين التسامح والعفو والسلام المجتمعي؟
يجب أن تقام العدالة والقصاص لكل من ارتكب جرم في حق الشعب، ثم يقرر المواطنون بعدها ما يريدون.
سبوتنيك: موقفكم من حزب المؤتمر الوطني والأحزاب التي شاركته الحكم؟
نحن نتحدث عن محاسبة رموز النظام ومدى استفادتهم من وراء وجودهم في مناصبهم، وليس جماهير الشعب السوداني التي أيدت هذا أو ذاك، وليس هناك عقاب جماعي لكل من ينتمي للمؤتمر الوطني.
سبوتنيك: ما هي رسالتك للمعتصمين أمام قيادة الجيش؟
استمروا في ثورتكم حتى النهاية ولا تتراجعوا عنها حتى تحقق أهدافها كاملة، ولا مجال لنا سوى النصر وهو خيارنا الوحيد.
أجرى الحوار أحمد عبد الوهاب