لكن قتالا عنيفا يدور وراء مشارف الميناء، بين مقاتلي "أنصار الله" (الحوثيين) والتحالف العسكري الذي تقوده السعودية منذ العام 2015، في ظل تزايد عدد القتلى وتفشي الجوع وسوء التغذية، في أزمة هي الأسوأ في العالم، وفقا لمجلة "فورين بوليسي".
وحظي وقف إطلاق النار الجزئي في الحديدة بحالة ارتياح دولية جماعية، إذ أعرب مراقبون عن أملهم في أن ترجع الحديدة مرة أخرى لتكون شريان الحياة للبلد الذي مزقته الحرب.
وبرغم ذلك تم شحن 619 و85 طنا فقط من الغذاء خلال الربع الأول من عام 2019، وهو رقم بعيد جدا عن الرقم 1.7 مليون طن من الأغذية التي دخلت عبر الميناء خلال الفترة ذاتها من عام 2016، وفقا لبرنامج الغذاء العالمي.
الحقيقة المرة هي أن وقف إطلاق النار في الحديدة جاء فقط بسبب الضغط العسكري من التحالف الذي تقوده السعودية. إذ أجبر احتمال حدوث هجوم التحالف على الحديدة، الحوثيين على الاختيار بين أمرين: إما إبرام اتفاق في الوقت الذي ما زالوا يحتفظون بسيطرة في المدينة، وبالتالي يمكنهم أن يستخدموها كورقة مساومة ـ وإما القيام بذلك لاحقًا، لكن بعد خسارتهم لها، وبالتالي سيكون لديهم نفوذ أقل بكثير، وفقا لتقرير صحيفة "فورين بوليسي".
وبحسب التقرير فإن النصر العسكري في الحديدة سيمنح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الورقة الرابحة والضرورية التي يحتاجها لإعلان النصر والعودة إلى بلاده.
ذلك المسار تمت تجربته واختباره سابقا حيث سيشابه الإستراتيجية التي استخدمها الدبلوماسيون الأمريكيون لإنهاء الحرب الأهلية البوسنية في عام 1995.
إذ ساعدت الولايات المتحدة الجيشين، الكروات والبوسنيين المسلمين في تدمير قوات الصرب البوسنيين والاستيلاء على ما يقرب من نصف أراضيهم. ثم أثناء محادثات السلام في دايتون، أوهايو، قدم المبعوث الأمريكي ريتشارد هولبروك للجانبين اتفاقية لتقاسم السلطة.
وافق الصرب على مضض، مدركين أن التراجع يعني خسارة ما تبقى من أراضيهم أمام العدو الذي تدعمه الولايات المتحدة. استسلم الكروات والبوسنيين على مضض، لأن هولبروك هدد بسحب الدعم الأمريكي إذا لم يفعلوا ذلك.
ويضيف التقرير أنه من وحي تاريخ الحرب الأهلية، في اليمن وأماكن أخرى، بمقاربة بعكس المتوقع: ألا وهي زيادة دعم الولايات المتحدة للتحالف الذي تقوده السعودية، وتمكينه من السيطرة على الحديدة، ثم استخدام النفوذ الناجم عن ذلك لإجبار الطرفين على إنهاء القتال وتوقيع اتفاق تقاسم سلطة.
هذا السيناريو ليس منطقيا فحسب، بل إنه الحل الوحيد على المدى القريب الذي يمكن أن ينهي الحرب الأهلية، ويوقف القتل وينهي الوجود السعودي والإيراني في اليمن، وفقا للصحيفة.
وتقول الصحيفة إن الانتصار في الحديدة سيمكن السعوديين والإماراتيين من الإيحاء إلى منافسهم الإقليمي، إيران وشعوبهم أيضا، بأنهم أقوياء ويجب عدم استفزازهم. وفي الوقت نفسه، فإن فقدان الحوثيين المدينة لا بد وأن يقنعهم بأنهم لا يستطيعون الانتصار، وبأنهم في حال استمروا بالقتال، فقد يفقدون سيطرتهم على صنعاء وغيرها من المناطق التي سيطروا عليها منذ عام 2014.
وفي مقابل مساعدة واشنطن، سيتعين على التحالف قبول خطة سلام واقعية — خطة تلبي مطالب الحوثيين بإعادة توزيع الدوائر الداخلية، وتضع عملية لتشكيل حكومة جديدة مع ترتيبات مناسبة لتقاسم السلطة، وربما تنص على تغييرات في القيادة داخل الجانب الحكومي.
وبالنسبة للسعوديين، يمكن أن تحذرهم واشنطن من أنهم إذا عرقلوا عملية السلام، فإن الولايات المتحدة ستعلق كل المساعدات العسكرية — وليس فقط لعملياتهم في اليمن.
حيث يجب أن يقنعهم ذلك الإنذار بالتراجع بينما هم في المقدمة، لأسباب ليس أقلها أن عملياتهم في اليمن تعثرت وباتت تثير الكثير من الامتعاض الدولي.