حققت الحلقات الأولى من فيلم "تشرنوبل" نجاحا ساحقا وحازت على تقييمات نقدية مرتفعة، حتى أن المسلسل بعد عرض حلقاته الأولى تصدر قائمة المسلسلات الأعلى تقييما على موقع "IMDB"، وذلك لما اتسم به من جودة فنية وعمق في تناول حادثة انفجار المفاعل النووي الشهيرة، فضلا عن زيادة ملحوظة في عدد الراغبين بزيارة ليس فقط منطقة تشرنوبل في أوكرانيا وإنما أيضا إلى المناطق المتضررة من بيلاروسيا.
أجرت وكالة "سبوتنيك" عددا من لقاءات مع خبراء ليكشفوا تفاصيل حول منطقة تشرنوبل المنكوبة.
المناطق المتضررة من بيلاروسيا:
قلة من الناس يعرفون أن المنطقة المنكوبة لا تقتصر على أوكرانيا فقط، فقد خلفت الانفجارات والحرائق سحابة قاتلة من الإشعاعات النووية التي امتدت إلى أرجاء أوكرانيا وبيلاروسيا وروسيا وألمانيا والسويد وأجزاء أخرى من أوروبا. وسارعت السلطات بعد الانفجار إلى إقامة منطقة عازلة محظورة حول المحطة بلغ قطرها ثلاثين كم.
وقال نائب مدير محمية بوليسكي للاشعاع البيئي مكسيم كودين لـوكالة "سبوتنيك": لقد زاد عدد السياح في منطقة بيلاروسيا بشكل ملحوظ. ففي شهر آذار / مارس الماضي، بلغ عدد الزار سبعة أشخاص، وفي شهر نيسان /أبريل الماضي 64 شخصا. إلا أن الأمر مختلف بالنسبة للرحلات السياحية المتوجهة إلى منطقة تشرنوبل، فيوميا يتوجه حوالي 400 إلى 500 شخص إلى المنطقة المحظورة."
وتابع بقوله:"تبلغ القدرة الاستيعابية القصوى للسياحة إلى مدينة تشرنوبل 10 مجموعات سياحية شهريا، ولدينا الآن حجوزات مسبقة لرحلات سياحية لشهري يونيو ويوليو."
ووفقا لكودين تم في تشرين الثاني / نوفمبر 2018 توقيع مرسوما يسمح لمكاتب الساحية والسفر تنظيم رحلات إلى محمية بوليسكي البيئية الإشعاعية.
وأوضح كودين أن الرحلة تتوجه إلى المناطق التي تحتوي على أقل نسبة من التلوث الإشعاعي، وقبل كل رحلة يقوم المرشد السياحي بتقديم مجموعة من التدابير، والتي في حال تم اتباعها فإن جرعات الإشعاع ستكون ضئيلة جدا.
زوار تشرنوبل
قام في الأول من حزيران / يونيو الجاري وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان بزيارة إلى منطقة تشرنوبل.
وكتبت السفيرة الفرنسية لدى أوكرانيا إيزابيل دومون في مدونتها على تويتر: "الوزير جان إيف لو دريان زار تشيرنوبيل للتأكد من الانتهاء من عمليات بناء الغلاف الخرساني الذي يغطي الآن المفاعل المدمر، بفضل حلول شركة الهندسة الفرنسية Groupe Bouygues و VINCI".
ومن جانبه أكد مدير مورد "ديسكوفر تشيرنوبيل" ليون ليبيج في صفحته على "الفيسبوك":"لقد زرت تشيرنوبيل حوالي 10 مرات في السنوات الخمس الماضية. خلال هذا الوقت كان عدد السياح يزداد كل عام. ويعود السبب في ذلك لانتهاء بناء الغلاف الخرساني الذي يغطي الآن المفاعل والعامل الثاني هو إطلاق المسلسل الأمريكي تشرنوبل."
كما أشار ليبيج إلى أن شركة HBO استخدمت بعض الصور ومقاطع الفيديو التي التقطها خلال زياراته إلى المنطقة المنكوبة، في بعض المشاهد من المسلسل.
وفيما يتعلق بمسألة الأمن وتقييم المخاطر، عبر ليبيج عن استيائه من أن شركات السفر غالباً ما تخفي المخاطر المتحتمة من زيارة تلك المنطقة وقال: "عادة تؤكد شركات السياحة والسفر أن جرعة الإشعاع التي يمكن أن يتلقاها السياح ليست أكثر من تلك التي يتلقاها شخص يسافر على متن طائرة متوجهة من كييف إلى نيويورك. وأن الجرعة المحتملة ليست خطيرة على الصحة. ولكن في الواقع في حال استنشق الشخص الغبار المشع فجأة أو ابتلعه ، فإن هذا ، بالطبع ، سيكون له تأثير سلبي على الصحة على المدى المتوسط أو الطويل. أشعر بالغضب لأن هذه الحقيقة يتم اخفائها. من المهم أن يعرف السياح الذين يرغبون بزيارة تشيرنوبيل المخاطر المحتملة مسبقا."
الأمن والسلامة
أوضح ألكساندر بوروفوي، عالم فيزياء نووي سوفييتي، والخبير في الحوادث الشديدة في المركز القومي لمعهد كورشاتوف للأبحاث، لوكالة "سبوتنيك" المخاطر والتدابير الواجب اتباعها عند زيارة تشيرنوبيل.
وقال بوروفوي: "لقد قضيت 23 عاما في تشيرنوبل، إذا كان لديك دليل سياحي جيد يعرف المكان، فزيارة المنطقة المنكوبة آمن تمامًا ولكن في حال قمت بزيارة المكان لوحدك ، بالطبع لن تتلقى أي جرعات مميتة، لكنك قد تتأثر بالاشعاعات. ولكن أهم مافي الأمر الامتناع عن دخول الغابات المحيطة بالمكان."
عند الحديث عن التدابير الوقائية، قال العالم: "من الضروري، أولاً وقبل كل شيء، أن يكون معك مقياس الجرعات. ثانيا، حاول ألا تلمس أي شيء إطلاقا. على سبيل المثال، قد يكون لحاء الشجرة ملوثا بالاشعاعات. عمومًا الأماكن التي تشكل خطورة قليلة جدا، وتقتصر على المناطق المحيطة بمحطة الطاقة النووية."
واختتم العالم بقوله:" تعاقب السلطات الأوكرانية الأشخاص الذين يقتحمون المنطقة المحظورة بشكل غير قانوني، ففي 9 يونيو / حزيران، أعلنت الدائرة الصحفية التابعة لدائرة حدود أوكرانيا احتجاز ثلاثة أشخاص حالوا اقتحام منطقة تشرنوبل وصادروا "ذخيرتهم" بالكامل."
يذكر أن حادث تشرنوبل وقع في نيسان/ أبريل 1986، عندما انفجر أحد المفاعلات الأربعة لمدينة تشرنوبل، التي كانت آنذاك تابعة للاتحاد السوفيتي، وأدى الانفجار مباشرة إلى مقتل 36 شخصا وإصابة نحو 2000 شخص، بينهم رجال إطفاء بعد تعرضهم للإشعاع، وتسبب الحادث، لاحقًا، في مقتل العشرات، بينما لا يزال عدد الضحايا غير دقيق، إذ يقدر البعض القتلى بالآلاف، كما تم إجلاء السكان من مدينتين و74 قرية.