هذا الأمر نتج عن فوضى وتطورات مقلقة في الشارع اللبناني من خلال ازدياد نشاط عملية تحويل الأموال من الليرة اللبنانية إلى الدولار الأمريكي في المصارف ومكاتب التحويل المنتشرة في مختلف المناطق اللبنانية لدرجة بلغت مستويات أصبحت تفرض على الصرافين والتجار التحوط من هذه المخاطر عبر تحويلها إلى عامة الناس.
وكشفت صحيفة "الأخبار" اللبنانية أن طلاب الجامعات الخاصة اكتشفوا بشكل مفاجئ قرار الجامعات بتحويل فواتير الأقساط والسكن الطلابي والمصاريف الأخرى إلى الدولار ما يحمل الطلاب مخاطر تقلبات سعر صرف الليرة إزاء الدولار بسبب الأزمة المالية التي يمر بها لبنان.
أخطر ما ينتظر لبنان في المستقبل
رغم التطمينات الصادرة عن السلطة السياسية اللبنانية والمصرف المركزي اللبناني على لسان حاكمه رياض سلامة بصمود الليرة اللبنانية التي بعيدة كل البعد عن الاهتزاز في الواقع اللبناني المتأزم اقتصاديا وماليا.
يتفاقم عجز ميزان المدفوعات اللبناني يوما بعد يوم حيث من المتوقع أن يصل إلى نحو 3.6 مليار دولار أمريكي خلال سنة واحدة ما سيؤدي إلى خسائر كبيرة في موجودات المصرف المركزي اللبناني بالعملات الأجنبية وهذا ما سينعكس سلبا على الاقتصاد اللبناني الذي سيصبح عاجزا عن تسديد ديونه الخارجية.
وفي الوضع الراهن مع العجز الموجود يضطر المصرف المركزي اللبناني إلى التدخل وتمويل العجز من احتياطاته الخاصة وباستمرار هذه الأزمة سيفقد المصرف المركزي تدريجيا قدرته على مواصلة التمويل وقد ينهار سعر الصرف أو يضطر إلى تخفيضه مرغما.
وبهذا الوضع يمكن استنتاج أن مواصلة تمويل العجوزات من قبل المصرف المركزي اللبناني سيضع لبنان في وضع لا يحسد عليه، وستتراجع خلاله العملات الأجنبية إلى مستويات قياسية.
"سيدر" الأمل القاتل للبنان
شكل "مؤتمر سيدر" الدولي الذي انعقد في 6 نيسان/ أبريل العام الماضي في العاصمة الفرنسية باريس، محاولة استنهاض جديدة للبنان بعد مؤتمرات دولية متعددة أبرزها مؤتمري باريس 1 و 2 و3 التي لم تكن على مستوى التوقعات خصوصا مع الأزمة السياسية اللبنانية وتأثرها بالحرب السورية ونزوح السوريين وغيرها من العوامل التي ساهمت بفشلها.
وبلغت القروض المالية الإجمالية من الدول المانحة خلال مؤتمر "سيدر" للبنان نحو 12 مليار دولار أمريكي على أن تكون النسبة الأكثر منها حوالي 9 مليار دولار أمريكي قروض ميسرة على مراحل، بالإضافة هبات مالية تصل قيمتها إلى نحو 860 مليون دولار أمريكي.
لكن وعود السلطة اللبنانية وشعارتها الإصلاحية ومحاولة تخفيض العجز اللبناني في الموازنة المقرة لن تنقذ لبنان من الأزمة بل ستكون جرعات مسكنة تتيح بقاء السلطة السياسية ومحاولتها إصلاح ما يمكن إصلاحه مع احتمالات بالفشل نتيجة الفساد والمحسوبيات المتفشية من جهة وإخماد الشارع اللبناني المعارض لكل السياسات المالية المتعاقبة منذ اتفاق الطائف إلى اليوم.
كما يرى خبراء اقتصاديون أن مشروع "سيدر" سيكلف لبنان باهظا من جراء التدفقات والقروض المالية غير المسيطر عليها التابعة للاستثمارات والتي تؤشر إلى أرقام ضخمة ستؤدي إلى زيادة الدين الخارجي اللبناني إلى نسبة أكثر من 213 % من مجمل الناتج المحلي.
فما هو مستقبل لبنان في حال هوت الليرة اللبنانية بعد سنوات طوال على صمودها والتي بقي خلالها 1509 ليرة مقابل دولار واحد عايشتها أجيال كاملة من اللبنانيين.
(المقال يعبر عن رأي كاتبه)