فرنسا التي اقترحت تقديم خط قروض يضمنه النفط مقابل عودة إيران للاتفاق النووي، اصطدمت بالشرط الذي وضعته طهران للعودة للاتفاق المتمثل في الحصول على 15 مليار دولار مقابل مبيعات النفط في 4 أشهر.
ونقلت قناة "العالم" الإيرانية عن مصدر مسؤول قوله إن "إيران ترفض تسلم 15 مليار دولار كقرض، وإنما مقابل بيع نفطها"، مؤكدا أن إيران ستعلن عن إجراءات الخطوة الثالثة لخفض تعهداتها في وقت قريب.
شرط إيراني
وأضاف المصدر "إيران أنهت إجراءات الخطوة الثالثة لخفض تعهداتها وستعلن عنها في وقت قريب"، مؤكدا على أن "ماكرون يسعى لترتيب لقاء بين روحاني وترامب لكن طهران ترفض وتشترط العودة الكاملة للاتفاق النووي".
وأكد نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، في وقت سابق اليوم الأربعاء، أن بلادة لن تعود للالتزام بالاتفاق النووي إلا إذا حصلت على 15 مليار دولار من مبيعات النفط في 4 أشهر.
وقال عراقجي "موقفنا بشأن العودة إلى التنفيذ الكامل لخطة العمل المشتركة الشاملة تعتمد على تلقي 15 مليار دولار في أربعة أشهر. وإلا، فإن عملية خفض الالتزامات ستستمر"، وفقاً لوكالة "فارس".
كما استبعد الرئيس الإيراني، حسن روحاني، في وقت سابق، التوصل إلى توافق مع أوروبا اليوم أو غدا، بشأن الاتفاق النووي.
وذكر روحاني، خلال اجتماع الحكومة، اليوم الأربعاء، أن خطوات إيران الجديدة لتقليص التزاماتها النووية "ستسرع" أنشطتها النووية، كما أعلن الرئيس الإيراني، بحسب وكالة "فارس"، أن بلاده ستمنح الاتحاد الأوروبي مهلة شهرين آخرين لإنقاذ الاتفاق النووي.
وأضاف: "سنعلن عن الخطوة الثالثة لإيران، في إطار خفض التزاماتها النووية إزاء عدم وفاء الأطراف الأوروبية بالتزاماتها في الاتفاق النووي، التي تتضمن محتوى مهما جدا وتضفي على أنشطة منظمة الطاقة الذرية الايرانية تسارعا مميزا.
قالت الدكتورة سيلين جريزي، الأكاديمية الفرنسية والباحثة في العلوم الجيوسياسية، إن "رفض إيران للمقترح الفرنسي كان متوقعًا، فطهران ليست بحاجة إلى مساعدات، وهي لا تريد أن تظهر للعالم وللشعب الإيراني أنها تتقبل أي نفقات من دول خارجية".
وأضافت في تصريحات لـ"سبوتنيك"، أن "إيران تتعامل بالمثل مع القوى الأوروبية والأمريكية، وتريد أن تفرض وجودها طالما أنها تعرف كيف يمكنها لي الذراع الأوروبية والأمريكية".
وتابعت: "إيران تعي تمامًا أن أوروبا بقيادة فرنسا دشنت آلية الإنستكس للمقايضة بهدف تجنب العقوبات الأمريكية، لكن في الوقت نفسه لم يكن هناك أية مقترحات جدية من جانب أوروبا أو فرنسا".
واستطردت: "طهران تريد أن ترسل رسالة قوية للعالم أنها لا تقبل بالمساعدات، ولا بحلول الطوارئ، بل تقبل بحلول جذرية للوضع الراهن".
وبشأن إمكانية تأمين هذا المبلغ الكبير لإيران، في حال تمت الموافقة على شروط طهران، قالت جريزي إن "فرنسا طالما طرحت هذه الأموال، فهناك طريقة لتأمينها أو إيجاد بديل لها، لكن باريس كانت تعلم جيدًا قبل تقديم مقترحها الأخير أن إيران لن تقبل بذلك".
اعتبارات جيوسياسية
ومضت قائلة: "فرنسا حاولت بتلك الخطوة، أن تظهر للخارج بأنها تقوم بدورها في المسائل السياسية والدبلوماسية، لمحاولة خفض التصعيد والتوتر الذي لن يطال إيران فقط، بكل الدول المجاورة لها".
وتريد فرنسا أيضًا – والكلام لايزال على لسان الأكاديمية الفرنسية- أن ترسل للعالم رسالة مفاداها أنها تحاول حلحلة الموضوع، وأن تكون طرفًا وسطًا معتدلًا لإنقاذ التوتر.
وبشأن إمكانية قبول إيران لمثل هذه المبادرات، تابعت: "أوروبا وعلى رأسها فرنسا تعي تمامًا أن إيران لن تقبل بأنصاف حلول في الوقت الحالي، حيث بات الوضع ماء وجه سياسي، خصوصا وأن إيران لا تعتبر نفسها دولة عادية، بل امبراطورية، وتتعامل بالند، خصوصا وأنها مدعومة من دول كبرى مثل روسيا والصين".
وعن سيناريوهات المرحلة المقبلة بعد رفض إيران العرض الفرنسي، ترى الدكتورة سيلين، إن "أوروبا لا تثق في إيران وكذلك طهران لا تثق فيهم، لكن الأهداف الجيوسياسية والعلاقات الاقتصادية والعسكرية أكبر من ذلك، وستشهد الأيام المقبلة – لن أقول مفاجآت- بل مقترحات تنتظرها إيران تحديدًا بعد أن باتت اللاعب الأكبر في المعادلة النووية".
من جانبه قال رامي الخليفة العلي، الباحث في الفلسفة السياسية في جامعة "باريس 10"، إن "فرنسا والجانب الأوروبي لن يقبلوا بالشروط الإيرانية، لأن هذا يرسخ لقاعدة أن طهران تلتزم بالاتفاق النووي مقابل تعويضات مالية من الاتحاد الأوروبي".
وأضاف في تصريحات لـ "سبوتنيك"، أن "الاتحاد الأوروبي يريد حقًا أن يساعد طهران لتخطي الصعوبات الاقتصادية التي تعانيها بسبب العقوبات الأمريكية، لكن في نفس الوقت لا تريد أن يدفع أموالًا لإيران".
الاتحاد الأوروبي – والكلام لايزال على لسان الخليفة- يريد أن يسٌمح لإيران بتصدير نفطها، أو تمرير بعض العمليات التجارية مع أوروبا، لكن هذا السقف لا يمكن تحقيقه على الأقل أوروبيًا.
وعن مستقبل المبادرة الفرنسية، قال: "إذا أصرت طهران على موقفها وشروطها، فهذا سيجهض بالطبع المقترح الفرنسي، لكن أعتقد أن إيران بحاجة إلى تلك الأموال، لذا ستكون مرنة في التعامل مع الاتحاد الأوروبي".
وبسؤاله عن من يدفع تلك الأموال، أجاب بالقول: "الاتحاد الأوروبي سيدفع وتحديدا ألمانيا وفرنسا، بما أن لديهما مصلحة في الإبقاء على الاتفاق النووي، وفي تمرير العلاقات التجارية مع الجانب الإيراني".
وكثف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الأسابيع الأخيرة جهوده، محاولاً إقناع الولايات المتحدة تخفيف العقوبات التي تشلّ الاقتصاد الإيراني.
واقترحت فرنسا تقديم خطوط ائتمان بحوالي 15 مليار دولار لإيران حتى نهاية العام بضمان إيرادات نفط في مقابل عودة طهران إلى الامتثال الكامل للاتفاق النووي المبرم في 2015، لكنه عرض متوقف على عدم معارضة واشنطن له، وفقا لـ"رويترز".
وتستمد إيران 80% من مواردها بالعملات الأجنبية من مبيعات النفط أو المشتقات النفطية، وتُسبب إعادة العقوبات عزلاً شبه كامل لطهران عن النظام المالي الدولي وتخسرها تقريباً كل زبائنها للنفط.
وأمس الثلاثاء، رفض الرئيس الإيراني حسن روحاني إجراء مفاوضات ثنائية مع الولايات المتحدة وحذر من أن بلاده ستبدأ بالتخلي عن بعض التزاماتها في المجال النووي، ما لم يحصل خرق في المحادثات مع الأوروبيين خلال اليومين المقبلين.