والخميس الماضي، اتفقت أنقرة مع واشنطن، على وقف عمليتها في شمال سوريا ضد وحدات حماية الشعب الكردية مقابل انسحاب الوحدات من المنطقة الحدودية، وقال الرئيس التركي إن العملية ستتواصل إذا انتهت مهلة الـ 120 ساعة دون التزام الولايات المتحدة بوعدها.
وتنتهي الهدنة التركية، اليوم الثلاثاء الساعة 19:00 ت غ، الأمر الذي يطرح تساؤلا مفاده: "هل تستكمل أنقرة عمليتها العسكرية أم ينجح المجتمع الدولي في تمديد المهلة مرة أخرى؟".
ويجري الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان مباحثات، اليوم، في منتجع سوتشي الروسي تتناول الأوضاع في شمالي شرقي سوريا في ضوء التطورات الميدانية الأخيرة.
تهديدات تركية
وأكد الرئيس التركي أن تركيا ستمضي في عمليتها العسكرية بشمال شرق سوريا "بإصرار" بعد انقضاء وقف لإطلاق النار في وقت لاحق اليوم إن لم تف واشنطن بوعودها لها.
وتوصل الجانبان الأمريكي والتركي لاتفاق لوقف إطلاق النار، يتضمن مهلة 120 ساعة لانسحاب المسلحين الأكراد من المناطق المحاذية للحدود التركية.
فيما أكد وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أن عملية "نبع السلام" العسكرية سوف تستأنف في حال لم تنسحب وحدات حماية الشعب الكردية من المنطقة الحدودية.
إصرار تركي
جواد كوك، المحلل السياسي التركي، قال إن "الحكومة التركية مصرة على التحرك مرة أخرى واستكمال عملية نبع السلام، حتى إخراج وحدات حماية الشعب الكردية، وقوات قسد".
وأضاف في تصريحات لـ "سبوتنيك"، أن "الساعات القادمة ستكشف أكثر عن النوايا التركية في هذا الأمر، خصوصًا وأن موقف أنقرة دائمًا يتغير في اللحظات الأخيرة".
وتابع: "المعلومات غير واضحة الآن، قد تكون أكثر وضوحًا في الساعات القليلة القادمة، لكن بشكل عام، يبدو أن القوات التركية تستعد للتحرك، والجيش التركي ينتظر أوامر الرئاسة ورئاسة الأركان لاستئناف العملية مرة أخرى".
ومضى قائلًا: "التصريحات التركية بشأن قرب انتهاء المهلة، رسالة تهديد للأكراد لاستكمال الانسحاب، الحكومة التركية تتمنى أن تخرج قوات قسد دونما الدخول في عملية عسكرية جديدة، لكن في حال رفضت الخروج، قد يكون هناك تحركًا جديدًا لنبع السلام في سوريا".
وبشأن السيناريوهات الأخرى، قال المحلل السياسي التركي، إن "هناك عدة احتمالات أخرى، منها أن أنقرة قد تضطر إلى وقف العملية العسكرية برمتها، بعد إطلاق أمريكا لتهديداتها، وهذا ما تعودنا عليه صراحة".
ضغط عسكري متوقع
بدوره قال الدكتور أسامة دنورة، المحلل السياسي والاستراتيجي والعضو السابق في الوفد الحكومي السوري المفاوض في جنيف، إن "الحديث عن استئناف العملية العسكرية التركية في شمال سوريا بعد انتهاء المهلة لمحددة، يتوقف إلى حد بعيد على قمة أردوغان مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين".
وأضاف في تصريحات لـ "سبوتنيك"، أن "أنقرة بات تدرك أن مطالب الحد الأقصى المتعلقة بإجراء تغيير ديموغرافي، أو إزاحة الأكراد وإحلال اللاجئين مكانهم قسرًا، للسيطرة على حدود ما أسمتها بالمنطقة الآمنة، مطالب عسيرة التحقيق، وتكاد تكون مستحيلة".
وتابع: "هذه المطالب التركية صعبة في ظل الرفض الروسي والإيراني بمعطياته السياسية واحتمالاته الميدانية، إضافة إلى الصدام العسكري مع الجيش العربي السوري، وردود الفعل القاسية وعقوبات المجتمع الدولي، فضلًا عن سيناريوهات الحرب طويلة الأمد والغرق في مستنقع الاستنزاف العسكري والسياسي".
وبشأن الموقف التركي المتوقع، قال دنورة: "سيكون أردوغان متصلبًا جدًا في مطالب الحد الأدنى، المتعلقة بتفكيك قسد، وإزالة البنى العسكرية غير الدولانية من شريط من شريط جغرافي ذو عمق كاف، وسياسًا وصولًا إلى إزالة الحالة الانفصالية المعلنة من جانب واحد، وهي الإدارة الذاتية".
ومضى قائلًا: "لذلك فالأمر يتعلق من الجانب الآخر بنجاح سوريا وروسيا بتفكيك الحالة الانعزالية السياسية والعسكرية لسحب ذرائع العدوان التركية، والضغط العسكري التركي متوقع لرفع السقوف التفاوضية وتحصيل مطالب الحد الأدنى سابقة الذكر".
ترتيبات قسد
واستطرد المحلل السياسي السوري قائلًا: "إن قيام قسد بحل نفسها وسحب سلاحها، وايجاد ترتيب من قبيل الاندماج بأحد التشكيلات العسكرية السورية (ربما الفيلق الخامس الذي يضم قوى المتطوعين وقوى الدفاع الوطني) يسحب بشكل شبه نهائي الذرائع التركية، وإلا فإن مشهد التصعيد يتجه نحو الاستمرار".
وتابع: "قد يبدو الحديث عن ترتيبات رقابية متعددة الأطراف لمراقبة خلو المنطقة الحدودية من قوات قسد أمرًا مطروحًا بعد الحديث الروسي عن إمكانية النظر في إنشاء منطقة آمنة بترتيبات روسية - تركية مشتركة، وطبعًا الشرط الروسي الدائم هو احترام السيادة السورية وموافقة الدولة السورية، وهذا يعني أن روسيا ستحاول أن تخطو باستعادة التواصل السوري - التركي خطوة جديدة إلى الأمام".
وأنهى السياسي السوري حديثه قائلًا: "بصورة عامة تبدو الصورة الراسخة للتفاهم النهائي على ترتيب المنطقة بحاجة إلى وقت لكي تتبلور بصورة مقنعة، وحتى نضوج هذه المعادلات والتفاهمات تبدو احتمالات التصعيد الموضعي والمدروس والموجه لأهداف سياسية واردة أكثر بكثير من احتمالات التصعيد الشامل، من جانبٍ آخر فإن الواقعية السياسية تجعل من اللقاء الروسي - التركي فرصة ضرورية للجميع لتحصيل الأرضية المشتركة اللازمة لضبط الميدان والبناء عليها لحل نهائي".
مشاورات روسية تركية
وأعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن الوضع في سوريا أصبح حادا الآن، والجميع يرون هذا ويفهمونه، وبالتالي فإن المشاورات بين روسيا الاتحادية وتركيا بشأن هذه المسألة مطلوبة بشدة.
وتعقد المفاوضات بين قادة البلدين، اليوم الثلاثاء، في مقر رئيس روسيا الاتحادية في سوتشي.
وقال بوتين: "الوضع في المنطقة حاد للغاية، ونحن نرى كل شيء، ونحن نفهم، وأعتقد أن اجتماعنا اليوم، ومشاوراتنا مطلوبة للغاية. أريد أن أعرب عن الأمل في أن مستوى العلاقات الروسية التركية الذي تم تحقيقه أخيرا، سيلعب دوره في حل جميع القضايا المعقدة التي نشأت في المنطقة اليوم، وسوف يتيح لنا بالعثور على إجابات عن كل شيء، وحتى الأسئلة المعقدة جدا في صالح كل من تركيا وروسيا، وجميع دول المنطقة".
وكان قد أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن أنقرة ترغب في تعزيز تعاونها الوثيق مع روسيا، مشيرا إلى أنه سيناقش خلال زيارتـه إلى روسيا، اليوم الثلاثاء، مواضيع متعلقة بالوضع في شمال شرق سوريا واللجنة الدستورية السورية.
وقال أردوغان في تصريحات صحفية قبل مغادرته إلى مدينة سوتشي الروسية: "سأبحث مع الرئيس بوتين تطورات الوضع في سوريا والقضايا الإقليمية والعلاقات الثنائية بين البلدين"، مؤكدا: "روسيا وتركيا تعملان من أجل وحدة الأراضي السورية".
تهديدات أمريكية
وأعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، الاثنين، أن الرئيس دونالد ترامب مستعد للقيام بعمل عسكري ضد تركيا إذا لزم الأمر، لكن واشنطن تفضل "السلام على الحرب".
وقال بومبيو في مقابلة مع قناة "سي إن بي سي": "نحن نفضل السلام على الحرب. ولكن إذا... سيكون من الضروري العمل العسكري، فيجب أن تعرفوا أن الرئيس ترامب مستعد تماما لاتخاذ مثل هذا الإجراء".
وتسود حالة من الترقب مع اقتراب انقضاء الـ120 ساعة بموجب الاتفاق التركي الأمريكي، إذ أكدت وزارة الدفاع التركية أنها تتابع عن كثب خروج الأكراد من المنطقة الآمنة بسوريا مشيرة إلى أنه حتى الآن خرجت 125 عربة.
وأطلق الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في التاسع من تشرين الأول/أكتوبر الجاري عملية عسكرية تحت مسمى "نبع السلام" شمال شرقي سوريا "لتطهير هذه الأراضي من الإرهابيين" في إشارة إلى "وحدات حماية الشعب" الكردية، التي تعتبرها أنقرة ذراعا لـ"حزب العمال الكردستاني" المصنف لديها ككيان إرهابي، وتنشط ضمن "قوات سوريا الديمقراطية" التي دعمتها الولايات المتحدة في إطار حملة محاربة تنظيم "داعش" (الإرهابي المحظور في روسيا ودول أخرى)، وتأمين عودة اللاجئين السوريين الذين تستضيفهم تركيا إلى بلادهم.