واعتبرت الغمري "وسام بوشكين" هو وسام على صدرها، خاصة وأنه يأتي بقرار رئاسي من الرئيس فلاديمير بوتين، شخصيا، مما يمنح الجائزة ثقلا.
وحول حصولها على وسام بوشكين، وأثر الترجمة على الحركة الثقافية، وحركة الترجمة في روسيا، حاليا، مقارنة بفترة الاتحاد السوفييتي السابق، وقضايا ثقافية أخرى... أجرت "سبوتنيك" حوارا مع الدكتورة، مكارم الغمري، أستاذ الأدب الروسي وعميد كلية الألسن الأسبق.
ماذا يعني لكِ التكريم الأخير من روسيا ومنحك وسام "بوشكين" من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؟
يأتي هذا التكريم تقديرا للجهد المتواضع الذي قدمته خلال عشرات السنين، من خلال التدريس وإعداد أجيال من المتخصصين في اللغة والأدب الروسيين، والإشراف على الرسائل والكتابة عن الأدب الروسي والثقافة الروسية وترجمة بعض أعمال أدباء روسيا الكبار.
هذه ليست المرة الأولى لتكريمك من روسيا فهل هناك اختلاف بين التكريمين؟
التكريم الأخير كان في الكرملين، بما له من هيبة، وكان هذا الوسام مميزا جدا لصدور قرار المنح بمرسوم رئاسي ولتسلمي الجائزة من يد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، شخصيا، وهو ما أعطى للجائزة ثقلا.
وما هو شعورك بعد حصولك على تلك الجائزة المهمة؟
سعدت جدا بأن الوسام يحمل اسم شاعري المفضل "ألكسندر بوشكين"، أمير الشعراء الروس وشمس الأدب الروسي، وقد قمت لسنوات طويلة بترجمة أعماله الشعرية والكتابة عنه في العديد من كتبي، ومن بين مؤلفاتي والتي تناولت فيها أعماله، كتاب "بوشكين عند نافورة الدموع " وقد نفد الكتاب من السوق.
ولماذا اخترتي هذا الشاعر تحديدا؟
الحقيقة أن الشاعر "ألكسندر بوشكين" يعتبر بداية البدايات في كل شئ بالنسبة للأدب الروسي، لأن من عنده يبدأ التنوع الأدبي، والتراجيديا التاريخية، ومن عنده تبدأ القصة النفسية، كما أنه مجدد اللغة الروسية الأدبية، وبالرغم من مرور 220 سنة على ميلاد بوشكين، فمازال يحتل قمة الشعر الروسي، لذا يعتبر أديب النبع المتجدد، كما أنه الماضي والحاضر معا، حيث استطاع أن يتبوأ هذه المكانة الكبيرة على مر العصور، وعلى الرغم من أنه توفي في عمر الشباب، لكنه تمكن من تقديم إنتاج أدبي غزير وثري ومتنوع جدا.
إلى أي حد تعتبرينه نبعا أدبيا متجددا؟
وهل له ارتباط حقيقي بالثقافة العربية؟
بوشكين له تسع قصائد معروفة، منها "قبسات من القرآن"، وكتب وقصص شعرية تستوحي الكثير من مفردات الشرق العربي والثقافة الإسلامية.
يوجد لك دراسة تسمى "مؤثرات عربية وإسلامية في الأدب الروسي"، فما هي النقاط التي أثر فيها العرب والإسلام على الأدب الروسي؟
عملية التأثير بين الثقافتين العربية والروسية هي عملية قديمة فالتأثير متبادل بين الحضارتين، وقد تناولت في هذا الكتاب بالتفصيل تطبيقا على النصوص الأدبية، كيف انعكس هذا التأثير من خلال أربعة من كبار الأدباء الروس، وهم ألكسندر بوشكين وميخائيل ليرمنتوف، والأخير يعد أحد أهم الشعراء بعد بوشكين، والأديب ليو تولستوي، وإيفان بونين، وهو أول أديب روسي يحصل على جائزة نوبل في الأدب، وهو من الشعراء الذين تأثروا بالثقافة العربية والحضارة الإسلامية، وزار عدة بلاد عربية من ضمنها مصر وله قصائد عن الحضارة المصرية القديمة.
ووجدت من خلال دراستي لهؤلاء الأدباء كنماذج متأثرة بالثقافة العربية والحضارة الإسلامية والتراث الروحي الإسلامي، أن التأثير كبير جدا بين الثقافتين العربية والروسية، وفي فترة بوشكين بعد ما كتب مجموعة قصائده عن محاكاة القرآن، ظهر على منوالها العديد من القصائد التي تحاكي القرآن الكريم وتستلهم معانيه وتستلهم سيرة الرسول (عليه الصلاة والسلام) من قبل العديد من الأدباء الروس.
وماذا عن تولستوي في رأيكم؟
ما هو العمل الذي تقوم به الدكتورة مكارم حاليا وتتمنى خروجه للنور قريبا؟
أقوم الآن بتأليف أكثر من كتاب، فهناك كتاب شارفت علي الانتهاء منه بقيت صفحات معدودة فقط ويتناول الكتاب بعض الشواهد والتغيرات التي حدثت في الأدب الروسي في الفترة السوفييتية الماضية من خلال التوقف عند تحليل بعض نماذج النصوص والأعمال الأدبية.
كيف يتأثر الأدب بالسياسة وما مدى هذا التأثير إن وجد؟
في الفترة السوفييتية تأثر الأدب تأثرا كبيرا بالسياسة، فالأدب الروسي تاريخيا كان له دور مؤثر والكلمة الأدبية مؤثرة علي الوجدان، ولها دور قيادي ومحفز في المجتمع، وكان الأدباء أيام بوشكين وحتى قبله يتعرضون للاضطهاد والمطاردة والقتل، فبوشكين من الأدباء الذين دافعوا بشدة عن الحرية وكان ضد الظلم الاجتماعي، وهو الأمر الذي جعله يعيش حياة من النفي والمطاردة وزج به في النهاية لمبارزة انتهت بمصرعه، فدائما كان الأدب الروسي في الطليعة للمجتمع الروسي، وقد ازداد هذا الدور حدة وشدة في الفترة السوفييتية حيث حاولت الدولة أن توجه الأدب بالمعايير التي تخدم سياستها وترسخها، الأمر الذي أثر سلبا على حرية الأدب والإبداع
بالنسبة لحركة الترجمة من العربية للروسية والعكس، هل أنت راضية عنها؟
لست راضية رضى كاملا، فحركة الترجمة في روسيا الآن أقل من السابق، فقد كان هناك تمويل حكومي كبير من الاتحاد السوفييتي لعمليات الترجمة، وقد ترجم في هذه الفترة أعمال من الروسية إلى العربية والعكس بالعكس، وكان هناك أكثر من دار نشر مخصصة لهذا الغرض، ومع انحسار التمويل الحكومى والخصخصة التي حدثت لدور النشر تراجعت حركة الترجمة، وبالرغم من ذلك فإنني أري أن هناك بداية جديدة ومحاولة لإعادة الترجمة علي الحال الذي كانت عليه في الستينيات من أكثر من مصدر، حتى بعض البلاد العربية، التي لم تكن تساهم في عملية الترجمة بدأت تظهر الترجمة فيها، ويعود الاهتمام بترجمة الأدب الروسي.
كيف في رأيكم؟
بعد مساهماتك الكثيرة في إثراء الحوار الثقافي بين مصر وروسيا، كيف ترين الحركة الثقافية بين البلدين والتواصل بين الشعبين؟
فرص الدعم للبعثات الخارجية في السابق والتي كانت تأتي من الاتحاد السوفييتي كانت أكبر، أما الآن ومع تعدد الأقسام التي تدرس اللغة الروسية في مختلف الجامعات المصرية، فلا يوجد الدعم الكافي، مثلما كان متواجدا في فترة دراستي في ستينيات القرن الماضي.
عندما كنت عميدة لكلية الألسن عملت على إنشاء مركز للدراسات الصينية وآخر للغة الكورية، حدثينا عن هذه الفترة وأبرز الإنجازات؟
لم يكن بمصر أقسام تعليمية للغة الكورية، ونظرا لأهمية هذه اللغة لجأت إلى السفارة الكورية لإنشاء قسم اللغة الكورية بحيث تتكفل كوريا بتوفير المدرسين والكتب، وقمت بالسفر لكوريا، وأحضرت معامل حديثة تساعد على تعليم اللغة وأصبح القسم من الأقسام المهمة جدا، كما قمت بإدخال البرتغالية كلغة ثانية، وكان الاتفاق وقتها أنه بعد تخريج دفعة كلغة ثانية، يفتح قسم للغة البرتغالية، وهذا العام سوف يكون في كلية الألسن لأول مرة قسم خاص باللغة البرتغالية، وأدخلت اللغة البولندية والمجرية كلغة ثانية، حيث إنه يجب أن تكون كلية الألسن جامعة لكل لغات العالم، لأنها مؤسسة تعليمية للغات والترجمة قديمة التاريخ والعهد وعملية التوسع في دراسة اللغات مهم وضروري للتواصل مع العالم كله.
أخيرا، ما هي رسالتك لكل المقبلين على دراسة اللغات والترجمة وكذلك تصورك لتطوير عملية الترجمة والتي ذكرت أنها تحتاج للمزيد من الدعم؟
الحقيقة، فإن دراسة اللغة هي البداية، أما الخطوة الثانية هي الممارسة والتجربة وهي تحتاج ورشا للترجمة وهي قليلة في مصر، أما بالنسبة لحركة الترجمة نفسها فلابد من وجود خطة ومنهج لاختيار الكتب التي تترجم، بعيدا عن العشوائية فعلى سبيل المثال منذ عام، صدرت رواية "الحرس الأبيض" لـ"ميخائيل بولجاكوف" بثلاث ترجمات عربية في ثلاث دول، في الوقت الذي توجد فيه مئات الكتب التي لم تترجم بعد، فلماذا لا يوجد تنسيق في الجهود.
أجرى الحوار دعاء ثابت