تواصل عدد من الصفحات الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي يوميا كتابة أرقام تقول إنها لسعر صرف الليرة أمام الدولار، ولا أعرف كيف تحدد هذه الصفحات هذا السعر وكأنها تحسبه وفق مؤشرات "داو جونز" أو "وول ستريت" أو كأنها في قلب البورصات العالمية، وتعمل هذه الصفحات باتجاه رفع سعر الصرف نحو الأعلى من أجل ضرب وإضعاف الاقتصاد السوري، مستغلة العوامل الواقعية مثل الأزمة اللبنانية التي سببت فعلا نقصا في عرض الدولار، أو عوامل العرض والطلب الأخرى ولكن بشكل سلبي وتأثير نفسي تخريبي ومضر ومبالغ به، فإذا كان السعر 10، تقول هذه الصفحات والتطبيقات أن السعر 12، وبالتالي فإنها تشكل دافعا له نحو الارتفاع، مستغلة العدد الكبير من المتابعين من الناس العاديين والتجار على حد سواء الذين للأسف يعتمدون على هذه الصفحات.
في الحقيقة العلمية، أي سلعة يزداد إنتاجها، ويصبح العرض منها أكبر من الطلب والاستهلاك، فإنه سينخفض سعرها حتما، بغض النظر عن سعر الصرف، (الحمضيات في سوريا مثال واضح، انخفضت أسعارها بالرغم من ارتفاع سعر الصرف، وهذا ينطبق على أية مادة تنتج بكميات أكبر من الطلب المحلي، (وهنا طبعا أشير إلى ضرورة تصدير الفائض منها)، وفي سوريا فإن الإنتاج الزراعي والصناعي المحلي يشكل سلاحا حقيقيا يدعم الليرة والقوة الشرائية للمواطن، فسوريا تنتج الزيتون والقطن والقمح والحمضيات والتفاح والبطاطا والبندورة والتبغ وأنواع كثيرة من الخضار والفواكه بسبب التربة الخصبة والمناخ الملائم، كما توجد في سوريا قاعدة صناعية ليست صغيرة، تحتاج فقط لبعض التسهيلات التي يطالب بها بشكل مستمر اتحاد غرف الصناعة من تأمين مواد الأولية وتوفير مرونة في التسويق والتصدير ومكافحة التهريب من أجل دعم المنتج الوطني.
يضاف إلى ذلك أن سوريا فيها قطاع تربية الحيوانات أيضا بدأ يتعافى، وخاصة الدواجن، التي استعادت كامل قدرتها الإنتاجية، فمع العلم أنه لحقت بها خسائر كبيرة في الفترة الأخيرة بسبب ارتفاع التكاليف أكثر من سعر المبيعات، وهنا أيضا يجب دعم المداجن التي تشكل رافدا هاما للإنتاج الوطني وسلاحا فعالا في منع الانهيار.
ما تحتاج سوريا استيراده من الخارج لتوفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين، يموله المصرف المركزي، أما استيراد باقي السلع فإن القطاع الخاص يموله ويدفع له القطع الأجنبي الخاص، ولكن بالمقابل يوجد أيضا موارد لسوريا من القطع الأجنبي وهي تحويلات المغتربين من جهة، والصادرات من جهة أخرى التي بدأت تتعافى في الفترة الأخيرة، وفي المحصلة عندما يكون الطلب على القطع الأجنبي (الدولار) أكبر من العرض (تحويلات + تصدير) فإنه حتما سيؤدي هذا إلى ارتفاع سعر الصرف، ولكن هذه ليست مشكلة بنيوية لأن المستوردات الأساسية يمولها المركزي وتباع بأسعار مناسبة في صالات المؤسسة السورية للتجارة، أما باقي السلع، فإن ارتفاع أسعارها ناتج عن ارتفاع الطلب عليها وبالتالي ليست مشكلة.