أعلنت ذلك الكويت عبر مندوبها في الأمم المتحدة، كما أعلنته قطر أكثر من مرة عبر وزير خارجيتها، فضلا عن العلاقة القوية بين إيران وسلطنة عمان، انتهاءً بما أعلنه مكتب الرئيس الإيراني حسن روحاني بشأن مبادرة الإمارات لتسوية القضايا السياسية مع طهران.
هذا يدعو إلى التساؤل عن واقع العلاقات السياسية بين إيران ودول الخليج وحجم التبادل التجاري، في ضوء البيان الختامي للقمة الخليجية الذي شدد على ضرورة الاتحاد "في مواجهة عدوانية إيران".
يقول الدكتور عبد الله العساف المحلل السياسي السعودي في حديث لـ"سبوتنيك"، إن التساؤلات حول الإدانات الخليجية لإيران لتدخلها في الشؤون الداخلية لدول المجلس وفي الوقت ذاته هناك علاقات تجارية معها من جانب بعض الدول الخليجية، هى تساؤلات تحتاج إلى توضيح لطبيعة الإدانة والتبادل التجاري في نفس الوقت، والبعض يشير كثيرا إلى دولة الإمارات.
وتابع المحلل السياسي، العلاقة التجارية بين الإمارات وإيران كانت قديمة جدا، والتحلل منها في وقت قصير هو بمثابة خسارة كبيرة جدا على الاقتصاد الإماراتي، وبالتالي تحتاج أبو ظبي إلى وقت طويل حتى تتحلل أو تنسلخ جزئيا من تلك الإتفاقيات، بأن لا تقوم بتجديدها بعد انتهائها، وتحاول الانسحاب والبدائل كثيرة.
انسحاب تدريجي
وأضاف العساف، لا يمكننا هنا المقارنة بين الإمارات التي تحاول الانسحاب تدريجيا وبين قطر التي تضاعفت تجارتها عدة مرات مع طهران خلال الفترة الأخيرة عقب الأزمة الخليجية.
وردا على ما يتردد بأن عمليات التوافق على البيانات داخل مجلس التعاون لا تمثل قناعات الأعضاء وإنما لترضيه بعض الأطراف قال المحلل السياسي، "في مجلس التعاون الخليجي وبكل صراحة ربما لا نتقاسم رؤية مشتركة نحو العدو الأول في منطقتنا وهو إيران، لدينا إجماع، لكن ليس لدينا إجماع، لاختلاف النظرة من زوايا متعددة، ربما يرى البعض أن هذا شيء إيجابي، لكني لا آراه إيجابي من وجهة نظري".
وأشار العساف إلى أن هناك إدراكا تاما بالخطر السياسي الإيراني الذي يهدد دول المنطقة وأنها تتحين الفرص للانقضاض عليها، فهى مازالت تحتل ثلاث جزر إماراتية، والإمارات تقيم معها علاقات، ومنذ وقت ليس بالبعيد كان هناك رأس مال إيراني ضخم يستثمر في الإمارات في موانئ دبي وفي العقارات بشكل كبير، لكن بعد وصول العلاقة إلى مرحلة التأزم، أعتقد أن السياسة تقود الاقتصاد، والاقتصاد يوجه السياسة.
وشدد المحلل السياسي على ضرورة التحرك الفعلي لمواجهة العلاقات الاقتصادية لتكون تبعا للعلاقات السياسية وبشكل خاص في الحالة الإيرانية.
الموقف السياسي لدول الخليج تجاه إيران وتحديدا البيانات الختامية للقمم الخليجية، لا تنسجم كثيرا مع الخطوات المتخذة على أرض الواقع، خاصة على الصعيد الاقتصادي، وربما يعود ذلك إلى عدم التوافق الكامل بين دول الخليج حول آلية التعامل مع إيران، بينما يجب أيضا الأخذ في الاعتبار أن منطقة الخليج وتحديدا ضفتي الخليج العربي شرقا وغربا هي منطقة عربية جغرافيا وسكانيا كما أن سكان الضفة الشرقية للخليج ينتمون إلى قبائل عربية ويعمل معظمهم بالتجارة وقد اعتمد النظام الإيراني على تلك المنطقة لعقود في الالتفاف على عقوبات أمريكية ودولية خاصة خلال الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت ثمان سنوات، في إطار تجارة غير رسمية ساهمت إلى حد كبير رغم الخلاف والنزاع السياسي في إنقاذ الاقتصاد الإيراني.
احصائيات
تصدرت الإمارات قائمة الدول العربية من حيث التبادل التجاري مع طهران خلال عام 2017، بقيمة 13 مليار دولار تقريبا، وكان نصيب دبي منها نحو 90 في المائة من إجمالي حجم التبادل التجاري، بينما بلغت الصادرات الإيرانية نحو خمسة مليارت دولار، فيما بلغت الصادرات الإماراتية إلى إيران نحو سبعة مليارات دولار.
وكان من المفترض أن يصل الرقم إلى 30 مليار دولار بعد توقيع الاتفاق النووي بين طهران والدول الغربية. وبحسب المصادر الرسمية الإيرانية، فإن الإمارات هي أكثر دول العالم تصديراً لإيران، إذ تشكل صادرتها نحو 30 في المائة من واردات إيران.
قال أحمد قبال الباحث في الشأن الإيراني بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام المصري لـ"سبوتنيك"، في ظل الأوضاع الراهنة من تفاقم النزاع الخليجي الإيراني تغيرت بعض المعطيات وتضاءلت نسب التجارة بين طهران والعديد من دول الخليج، لكنها لم تنقطع بشكل كامل خاصة مع دولة الإمارات العربية المتحدة، التي شكلت في السابق ورغم الخلاف السياسي والحدودي مع إيران، ملاذ تجاري يمكن القول أنه ساهم في إنقاذ الاقتصاد الإيراني من الانهيار خلال الحرب العراقية الإيرانية.
وتابع الباحث في الشأن الإيراني، إن العلاقات التجارية بين السعودية وإيران وصلت إلى أقل معدلاتها وكذا حال البحرين مع إيران، ورغم الجهود المبذولة إماراتيا وسعوديا لتشكيل جبهة سياسية واقتصادية أكثر تأثيرا على الجانب الإيراني، لازالت السياسة الخليجية بشكل عام بعيدة عن موقف موحد ضد إيران.
سلطنة عمان وقطر
وأضاف قبال، إذا أخذنا في الاعتبار أن قطر وسلطنة عمان تحافظان على علاقات سياسية واقتصادية مع إيران، وأن سلطنة عمان على سبيل المثال أبرمت مؤخرا ثلاث مذكرات تعاون في مجال المعايير، والشحن والنقل البحري، والرياضة، فيما أعلن وزير الصناعة والتجارة والمعادن الإيراني، أن حجم التعاون التجاري والاستثمار المشترك وإنشاء المشاريع الاستثمارية والسياحية المشتركة مع سلطنة عمان يلامس 5 مليارات دولار، فضلا عن أن قطر تبنت سياسة الانفتاح الاقتصادي على إيران في ظل الحصار الخليجي على مدار عامين.
العقوبات الدولية
وقال زيد بن كمي الكاتب والمحلل السياسي السعودي لـ"سبوتنيك"، إذا نظرنا للعلاقات الخليجية الإيرانية من زاوية العقوبات الدولية والأمريكية الموجهة ضد إيران، هناك الكثير من الدول الغربية وليس من دول المنطقة تراجعت عن العلاقات والاستثمارات مع إيران، فما بالك بدول الخليج والتي هى حليف استراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية.
استهداف السعودية
وأكد بن كمي، أن إيران تستهدف السعودية تحديدا لأنها ترى أن المملكة هى الدولة المحورية في المنطقة، لذا تحاول طهران إلغاء هذا الدور ومحاصرة السعودية عن طريق دول الخليج، فهى تحاول اللعب على المتغيرات والمتناقضات" قطر تحديدا"، وهي التي تحاول أن تلعب دورا عن طريق وفرتها المالية فقط، والدوحة بعلاقاتها مع إيران تحاول أن تلعب دورا سياسيا.
وأشار المحلل السياسي بأنه لا توجد علاقات تجارية حقيقية بين دول الخليج وبين إيران، حتى لو تجاوزنا البيان الختامي للقمة الخليجية الأخيرة بالرياض، فإن بعض الدول الخليجية حليف قوي للولايات المتحدة الأمريكية ولا أعتقد أن الدول الخليجية تتجاوز تحالفها الأهم مع الولايات المتحدة لصالح إيران.
الأزمة الخليجية
وفي السياق ذاته قال الدكتور وضاح الطه العضو الاستشاري في المعهد البريطاني للاستثمار بدبي لـ"سبوتنيك"، إن هناك تجارة بينية بين الإمارات وإيران وبشكل خاص في مجال المنتجات الغذائية والخضروات والفواكة، وهي ما تزال موجودة في الحدود التي تسمح بها بنود المقاطعة والتي تعد من السلع غير المحظورة في ظل المقاطعة.
وتابع الطه، السعودية رغم أنها أكبر سوق تجاري في الخليج إلا أنه لا يوجد تبادل تجاري مع إيران في الوقت الراهن، وكذا الأمر بالنسبة للبحرين التبادل التجاري مع طهران محدود جدا، لكن هناك تجارة من طرف الكويت وسلطنة عمان مع إيران، كما تضاعفت التجارة البينية بين قطر وإيران بعد الأزمة الأخيرة، بعد أن كانت الإمارات تحتل المرتبة الثالثة في توريد ما يلزم الدوحة، بعد المقاطعة حلت إيران وتركيا وعمان محل الإمارات في التوريد لقطر ووصلت نسبة الواردات من إيران إلى خمسة أضعاف ما كانت عليه قبل المقاطعة بعد مرور أشهر فقط.
ودعا البيان الختامي لقمة دول مجلس التعاون الخليجي الأخيرة بالرياض إلى الانتهاء من تشريع للتكامل الاقتصادي الإقليمي بحلول 2025، بما في ذلك وحدة مالية ونقدية، مطالبا دول الخليج بأن "تتحد في مواجهة عدوانية إيران"، وذلك حسب وكالة الأنباء السعودية "واس".
وأضاف البيان أن "النظام الإيراني يواصل أعماله العدائية، ودعم الإرهاب، ما يتطلب منا المحافظة على مكتسبات دولنا ومصالح شعوبنا، والعمل مع المجتمع الدولي لوقف تدخلات هذا النظام وتأمين نفسها في مواجهة هجمات صواريخه الباليستية".
وشدد البيان على أهمية "التعامل بجدية مع برنامج إيران النووي لتطوير الصواريخ الباليستية"، وأهمية تأمين مصادر الطاقة وسلامة الممرات المائية والملاحة البحرية في المنطقة".