الحريري الذي اتهمه البعض بدعم احتجاجات الشارع، استقال على وقعها فيما أعلن أنه وتياره لن يشاركا في الحكومة المقبلة، كما شن الرجل الذي يتمتع بنفوذ سني قوي، هجومًا حادًا على رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وصهره جبران باسيل، وزير الخارجية السابق.
الوضع السياسي المتأزم في لبنان فرض تساؤلات عدة بشأن طبيعة المرحلة المقبلة، ومدى إمكانية أن يتزعم الحريري قوى المعارضة ومن التيارات التي ستسانده في هذا الدور، ومستقبل الرجل السياسي، والعلاقة التي ستربطه بـ"حزب الله".
تيار المستقبل والحكومة المقبلة
اعتبر رئيس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحريري، أن الحكومة اللبنانية المقبلة "ستكون حكومة الوزير جبران باسيل"، مؤكدا أنه لن يترأس أية حكومة يكون (باسيل) فيها.
وأضاف: "لا يمكن أن أعمل مع من يهاجمني على الدوام"، مشيرا إلى أن ما أسماها بـ"الحرب على الحريرية" السياسية "لن تمر".
وفيما قدمت قوى سياسية موالية لـ"حزب الله" دعمها الكامل لرئيس الوزراء المكلف حسان دياب، أعلن "تيار المستقبل" برئاسة الحريري عدم مشاركته في الحكومة بأي شكل من الأشكال، وسار على نهجه كتلة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط والقوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع.
ويواصل مناصرو "تيار المستقبل" قطع الطرق في مختلف المناطق اللبنانية لفترات قصيرة، احتجاجاً على استبعاد رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الدين الحريري وتكليف الدكتور حسان دياب بتشكيل الحكومة.
الحريري والمعارضة
رياض عيسى، الناشط السياسي اللبناني، قال: "في حال نجاح الفريق السياسي والرئيس المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة، سيكون الرئيس سعد الحريري في صفوف المعارضة، وذلك بعد أن أعلن عدم مشاركته في هذه الحكومة".
وأضاف في تصريحات لـ"سبوتنيك"، أن "هذا لا يعني بالضرورة أن يكون الحريري جزءًا من حراك الشارع اللبناني، الذي انطلقت تظاهراته ضد كل الطبقة السياسية الحاكمة، بداية من رئيس الدولة والحكومة والمجلس النيابي، وكل من مر على هذه الحكومات المتعاقبة بعد أن فشلوا في إدارة الملفات".
وعن سبب غضب الحريري وتصعيده ضد السلطة، قال عيسى إن "رئيس الجمهورية وفريقه السياسي سهلوا لرئيس الحكومة الجديد حسان دياب، الذي لا يتقبله الشارع، مسألة تشكيل حكومة من الاختصاصيين، على الرغم من رفضهم فعل الأمر نفسه مع الحريري، الذي كان يشترط ذلك لعودته للحكومة".
قوى تشكل المعارضة المقبلة
وبشأن تشكيلة المعارضة في الفترة المقبلة، أضاف: "الحكومة المقبلة لن تشارك فيها عدة قوى أساسية من أقطاب السلطات، سعد الحريري وتياره، وحزب القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع، ووليد جنبلاط وفريقه السياسي، وكذلك حزب الكتائب، والشارع ممثل الثورة، وكلهم سيمثلون المعارضة وسيقفون في وجه هذه الحكومة، التي يعتبرها الشارع امتدادًا للسلطة السياسية في البلاد، بسبب طريقة تسمية رئيس الوزراء".
ومضى قائلًا: "الحريري يدفع ثمن كل تنازلاته، وقد تؤثر على رصيده في الشارع، إلا لو كان لديه خطة بديلة يستنهض ويستقطب الشارع من جديد، وتمكنه من تنظيم صفوف تياره، ليعود للعب دور كبير في الانتخابات المقبلة".
من جانبه قال النائب في البرلمان اللبناني المحسوب على "تيار المستقبل محمد الحجار إن "الرئيس سعد الحريري أصر على حكومة أخصائيين رفضها رئيس الجمهورية و"التيار الوطني الحر" وكذلك الثنائي الشيعي، وتم رفضها فترة طويلة من الزمن، واليوم نسمع أن رئيس الجمهورية و"التيار الوطني الحر" قبلوا فيها، واليوم نسأل أنفسنا لماذا أضعنا كل هذا الوقت إلا إذا كان الهدف هو إبعاد الرئيس سعد الحريري وبالتالي إفشال هذه التسوية".
وأضاف في تصريحات سابقة لـ"سبوتنيك"، حول انعكاس تأزم العلاقة بين "تيار المستقبل" و"التيار الوطني الحر" على المشهد السياسي في البلد: "نحن ذاهبون إلى المعارضة البرلمانية حسب ما يقر به النظام البرلماني، وبهذه المعارضة الأمور التي نرى فيها مصلحة للبلد سنؤيدها وغير ذلك للمواجهة".
وحذر الحجار من: "حكومة اللون الواحد لأنها ستفشل وستتعاطى مع الأزمة على قاعدة المحاصصة والمصلحة الحزبية وليس المصلحة العامة".
استغلال الحراك الشعبي
من جانبه قال فيصل عبد الستار، الكاتب والمحلل السياسي اللبناني، إن "قراءة المشهد السياسي اللبناني والتظاهرات التي حدثت وما بعدها أظهرت أن الرئيس سعد الحريري الذي كان رئيسًا للحكومة على علاقة واضحة مع مجموعة من المشاركين في الحراك، وأنه راهن عليهم لقلب الطاولة، للعودة إلى رئاسة الحكومة بشروطه، وأن يكون الرجل الأقوى في المشهد السياسي اللبناني".
وأضاف في تصريحات لـ"سبوتنيك"، "بعد ضغط الشارع، تقدم الحريري باستقالته بفعل الاحتجاجات دون أن ينسق مع الحلفاء، الذين يشاركونه الحكومة، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية، الذي ترأس التسوية التي أعادت الحريري للمشهد الحكومي بعد سنوات طويلة من الغياب عن المشهد".
الحريري وحزب الله
وأشار إلى أن "الحريري كان السبب في حرق كل الأسماء التي تم طرحها لرئاسة الحكومة، عن طريق استغلال حركات الشارع، والتي تحولت من حركة احتجاجية تضم كل الأطراف، إلى حركة شارع موجهة للطائفة السنية".
ومضى قائلًا: "بعد تكليف الدكتور حسان دياب، لم يتقبل الحريري الأمر، لكنه لم يجد أعذارا يتقبلها الثنائي الشيعي اللذان تمسكا به لآخر لحظة، حيث ذهب إلى الاستشارات دون أن يسمي أحدًا لا الرئيس المكلف، أو الشخص الذي كان مطروحًا وهو السفير اللبناني في الأمم المتحدة نواف سلامة".
وعن إمكانية تزعم الحريري حركة المعارضة، قال: "بعد الزخم الذي حدث مع الرئيس المكلف، شن الحريري هجومًا غير مبرر على رئيس الجمهورية والتيار الوطني وجبران باسيل، ولا يعلم أحد أن ذلك بمثابة عنوان جديد للحريري لكي يتجه إلى المعارضة، هذا الأمر لم يحسمه بالمطلق، وستثبت الأيام المقبلة عن ماهية تموضع الحريري على المستوى السياسي".
وتابع: "الحريري لم يخرج بالمطلق ضد رئيس الحكومة المكلف، لكنه عرض إمكانية أن لا يعطيه الثقة، ولو حدث هذا سنكون أمام مشهد جديد، يرتسم من خلال سيناريوهات عدة إما تصعيد الشارع قبل إعلان التشكيل الحكومي، أو رفض الحريري رأسا لها تحت أي ذريعة، أو امتناعه هو والنواب السنة الذهاب لجلسة إعطاء الثقة للوزراء، ما سيزيد المشهد تعقيدًا".
وكلف الرئيس عون، في 19 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، حسان دياب، وهو وزير سابق للتربية والتعليم العالي، بتشكيل الحكومة الجديدة، بعد حصوله على تأييد غالبية نواب البرلمان.
وكان رئيس الحكومة السابق سعد الحريري قد قدم استقالته في 29 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بعد نحو أسبوعين من اندلاع احتجاجات شعبية ضد السياسات الاقتصادية والاجتماعية.
وأكد رئيس الحكومة المكلف، حسان دياب، في كلمة ألقاها عقب تكليفه، عزمه العمل على تشكيل حكومة في أقرب وقت تشمل الحراك الشعبي والقوى السياسية.