حيث نصت الوثيقة الدستورية والتي تكونت الحكومة الانتقالية والمجلس السيادي بموجبها على أن "السودان جمهورية مستقلة ذات سيادة، مدنية، ديمقراطية، تعددية، لا مركزية، تقوم فيها الحقوق والواجبات على أساس المواطنة بدون تمييز بسبب الدين والعرق والنوع والوضع الاجتماعي".
قال فتحي إبراهيم عضو لجان المقاومة بالخرطوم لـ"سبوتنيك"، مطالبة الحركة الشعبية بعلمانية الدولة وإصرارها عليها قد يكون حجر عثرة أمام عملية التفاوض في جوبا بين الحكومة الانتقالية والحركات المسلحة وعلى رأسها الحركة الشعبية التي تتخذ مسارا منفصلا ومنفردا في العملية السلمية بعيدا عن الجبهة الثورية ومساراتها.
وأضاف إبراهيم، أن الكثير من السودانيين عدا التيار الإسلامي يتقبلون العلمانية، رغم أن الكثير من السودانيين لا يعرفون معنى العلمانية، لكنهم يتقبلونها رفضا للتيار السابق والذي يتزعمه عمر البشير (الرئيس السابق للبلاد) ووضع البلاد على حافة الهاوية طوال العقود الثلاث الماضية.
قال مصدر في وفد تفاوض الحركة الشعبية"شمال" لـ"سبوتنيك"، نحن نبحث عن حلول للجذور التاريخية للمشكلة وفي مقدمتها ما يتعلق بالهوية الأحادية الإسلامية العروبية والتي فرضت على السودان دون أن يكون هناك اجماع حولها، حيث ظلت الأنظمة المتعاقبة على السودان خلال العقود السابقة تفرض على الشعب قوانيين دينية وعنصرية، لبسط هويتها والحفاظ على سلطتها التاريخية.
وأضاف المصدر، تلك القوانين ساهمت في وجود أجندة الإسلام السياسي في العام 1983 عندما فرضت قوانين سبتمبر/أيلول بقرار من الرئيس الراحل جعفر النميري والجبهة الإسلامية، نفس القوانين تم فرضها بعد انقلاب الجبهة الإسلامية في العام 1989 ، والتي مزقت السودان وأدت إلى انفصال الجنوب بعد مقتل 2 مليون جنوبي في حرب استمرت لأكثر من 5 عقود.
وأشار المصدر، إلى أن تلك الأجندة نفسها هى التي قادت إلى المجازر في دارفور رغم أنهم مسلمون، ما يعني أن المشكلة عرقية، وفي جبال النوبة النيل الأزرق قتل منهما أكثر من 400 ألف مواطن خلال الحربين السابقين.
وأرجع المصدر تمسك الحركة الشعبية بالعلمانية جاء نتيجة ما عاشته خلال السنوات السابقة والتي قادت إلى مجازر جماعية وأدت إلى انفصال جنوب السودان، حيث لم ير السودان تلك الحروب المدمرة إلا بعد مجىء الإسلام السياسي، والتي مازالت مستمرة حتى الآن في دارفور، فالحركة الشعبية بتمسكها بالعلمانية تريد أن تتجاوز هذا التاريخ العنصري المرير، وهذا الأمر لا يمكن حدوثه إلا عندما تقف الدولة على مسافة واحدة من الجميع، إذا أردنا أن نحافظ على وحدة ما تبقى من السودان.
وأكد المصدر، أن العلمانية تشكّل ضمان أوحد لبناء دولة قابلة للحياة، تقوم الحقوق والواجبات فيها على أساس المواطنة ووقوف الدولة على مسافة واحدة من جميع الأديان، وأشار إلى أن الحرب الأهلية الأولى قادت إلى انفصال جزء عزيز من السودان بسبب الإصرار على فرض ثوابت الآيديولوجيا الإسلام عروبية في بلدٍ يتسم بالتعدد والتنوع.
ومن جانبه قال فيصل محمد صالح مدير مكتب الجبهة الثورية السودانية بالقاهرة لـ"سبوتنيك"، العلمانية في مفهومها إن المجتمع والدولة يمثلان علاقات اجتماعية وليست علاقات دينية، والعلمانية لا تلغي الشعائر والممارسات الدينية للجميع، وتخرج السياسة والتنظيم الاجتماعي من حيز الممارسة الدينية والعكس، ما يعني فصل الدين عن الدولة.
وأشار صالح إلى أن الكثير يصف الدولة المدنية أو العلمانية بأنها دولة كفر وهذا نتاج طبيعي لأسلمة المناهج التعليمية خلال العقود الماضية والتي رسخ لها المؤتمر الوطني، ولو نظرنا لكل الدول التي طبقت العلمانية سنجد أن كل دولة لها كيان مختلف وأسس مغايرة لأي دولة أخرى، لأن كل دولة لها موروثاتها وثقافتها ومستوى تطورها الثقافي والعلمي والتاريخي، ولا يمكن الجزم بأن مفهوم العلمانية ثابت في كل دولة.
وكان الداعية الإسلامي عبد الحي يوسف قال في تصريحات سابقة أن الدولة المدنية هي "تعبير غربي في مواجهة الدولة الدينية أو الدولة الثيوقراطية التي يتحكم فيها رجال الدين من النصارى ممن يمنحون صكوك الغفران وقرارات الحرمان ويتحكمون في كل شيء ويقفون سدا منيعا دون أي تطور علمي".
ونصت الدساتير في السودان على مدى نحو خمسين عاما على حاكمية الشريعة الإسلامية، آخرها دستور 1973 في عهد الرئيس الأسبق جعفر النميري والذي نص على "أن الشريعة الإسلامية مصدر أساسي من مصادر التشريع".
واعتمد واضعو وثيقة الإعلان الدستوري التي قدمتها قوى إعلان الحرية والتغيير للمجلس العسكري في بعض بنودها على دستور 2005 الانتقالي الذي طبق خلال الفترة الانتقالية بعد التوقيع على اتفاقية السلام بين شمال وجنوب السودان، ولكنهم حذفوا بندا نصه "تكون الشريعة الإسلامية والإجماع مصدرا للتشريعات التي تسن على المستوى القومي وتطبق على ولايات شمال السودان".
وبعد تكوين التجمع الوطني الديمقراطي (المعارض للنظام السابق) وتوقيع ميثاقه في أكتوبر/تشرين الأول 1989 ثم انضمام الحركة الشعبية إليه عام 1990، عقدت هيئة قيادة التجمع في الخارج اجتماعا في لندن من 26 يناير/كانون الثاني إلى 3 فبراير/شباط 1992 بمشاركة الحزب الاتحادي الديمقراطي وحزب الأمة والحزب الشيوعي السوداني والمؤتمر السوداني الأفريقي والنقابات والحركة الشعبية والقيادة الشرعية للقوات المسلحة وشخصيات وطنية، وأجاز ذلك الاجتماع الدستور الانتقالي الذي يحكم به السودان، عقب الإطاحة بحكومة الجبهة الإسلامية القومية خلال فترة انتقالية.
ومنذ 21 أغسطس/ آب الماضي، يشهد السودان، فترة انتقالية تستمر 39 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات، ويتقاسم السلطة خلالها كل من المجلس العسكري، وقوى "إعلان الحرية والتغيير"، قائدة الحراك الشعبي.