ويرى مراقبون أن إعلان الحركة الأخير بوقف القتال من جانب واحد في المناطق التي تسيطر عليها الحركة الشعبية بقيادة الحلو لا يعني اقتراب السلام لأن الأمر ليس بجديد وقد تكرر عدة مرات في العهد السابق، وأن وضع تعريف محدد للدولة السودانية القادمة وماهيتها هو الحل لكل المشاكل.
إعلان وقف القتال
قال الدكتور محمد مصطفى رئيس المركز العربي الإفريقي لثقافة السلام لـ"سبوتنيك" إن إعلان وقف القتال بين طرفي النقيض الحركة الشعبية قيادة عبد العزيز الحلو والحكومة كل على حدة دون اتفاق متفاوض عليه ليست المرة الأولى، وظل يتجدد كل فترة منذ عهد النظام البائد، ولكن بعد سقوط البشير حدثت تفاهمات وقد وقع الطرفان إتفاقية حسن النوايا مما هيأ المناخ لمناقشة جذور الأزمة والوصول لسلام حقيقي يلبي طموحات وتطلعات كل مكونات الشعب السوداني بتنوعها المميز.
تعريف الدولة
وتابع مصطفى، كنا نتوقع من الحكومة الإنتقالية أي حكومة الثورة أن تُعرف الدولة في وثيقتها الدستورية تعريفا يشمل الحقوق المدنية والأساسية المصيرية لكل المواطنين السودانيين وأن تؤكد إلتزامها التام بها ،على أنها ليست محل تفاوض ويتجاوزها الطرفان ويدخلان مباشرة في مناقشة الترتيبات الأخرى والأمنية والإقتصادية وقسمة السلطة، إلا أن الحكومة الانتقالية لم تضمن هذه الحقوق بصورة واضحة وجلية في وثيقتها مما جعل الطرف الآخر يتمترس عند المدخل ويطرح العلمانية كشرط أساسي في تحقيق أي تقدم في المفاوضات أعني أن المفاوضات بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان قيادة الحلو لم تتجاوز تعريف الدولة حتى الآن.
غياب الرؤية
ومن جانبه قال خضر المنان الكاتب والمحلل السياسي السوداني لـ"سبوتنيك"، ما يجري الآن من تفاوض حول مسألة السلام في السودان عموما منذ عدة شهور في جوبا بين حكومة "الأمر الواقع" وحركات الكفاح المسلح، كل نتائجها حتى الآن مواقف تكتيكية وجس نبض ولم تتبلور حتى الآن رؤية واضحة لدى الأطراف المتفاوضة في جوبا وتلك هى الإشكالية الكبرى.
وتابع المنان، نحن نسمع بأنه قد حدث اتفاق بين تلك الجهة وغيرها من الجهات المشاركة في عملية التفاوض وفجأة نجد أن جزء من تلك المجموعات التي تم الإعلان عن التوصل إلى اتفاق معها ترفض تلك الخطوة، وللأسف الشديد المفاوضات الآن تدور حول نفسها ومعظم الذين يفاوضون الآن عينهم على المنصب في المقام الأول.
تفاوض على المناصب
وأشار المحلل السياسي، إلى أن المفاوضات الجارية ليست من أجل السودان وإنما من أجل الحصول على نصيب من السلطة، لذا فهؤلاء يضعون أمامهم مواقف تكتيكية وليست استراتيجية للوصول إلى أهدافهم، ولم يطرح حتى الآن ما يمثلا حلا للأزمة في السودان وبشكل خاص ما يتعلق بالسلام.
وأوضح المنان أن خلاصة ما يجري في جوبا هو عملية حسابية لعدد المناصب التي يمكن أن تحصل عليها كل حركة، وعندما أعلن الحلو تعليق العمليات العسكرية لا يعني هذا أن السلام على الأبواب، بل يمثل موقف تكتيكي لأن هناك صراع في جانب آخر غير مكتمل، وكثيرا ما تعلن الحركات وقف إطلاق النار وفي اليوم التالي يتم الاختراق من قبل الجهة نفسها.
تسوية جزئية
قال منصور أرباب رئيس حركة العدل والمساواة الجديدة في السودان، إن ما يجري في جوبا من تسوية سياسية جزئية لن تحقق السلام العادل والشامل والدائم في السودان.
وأشار أرباب إلى أن "أي اتفاق سلام بين المتحاربين في العالم، لا بد أن يغطي الديموغرافيا، والأطراف التي تتفاوض من جانب الجبهة الثورية، لا انتشارها العسكري ولا حاضنتها الاجتماعية، ولا قدرتها السياسية تؤهلها لإنزال ما يتفق حوله".
ولفت رئيس العدل والمساواة إلى أن "حركته ليست جزءا مما يجري من مفاوضات أو بالأحرى التسوية السياسية في جوبا.
الوثيقة والعلمانية
قال الدكتور الصديق تاور عضو مجلس السيادة السوداني في مقابلة مع "سبوتنيك"، وفقا للوثيقة الدستورية، الالتزام الأول للحكومة هو إحلال السلام وإيقاف الحرب لأن هذا هو طريق الاستقرار والتنمية ، بالنسبة للحركات المسلحة هناك مجموعة منضوية تحت لافتة الجبهة الثورية، جزء منها حركات من دارفور والجزء الآخر من منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، وقد تجاوزنا عقبات كثيرة خلال المفاوضات الماضية، لأننا لم ندير الملف بعقلية النظام السابق "حكومة ومعارضة"، وإنما بعقلية أن السلام التزام تجاه الشعب السوداني تجاه الإقليم والدول الصديقة التي تساند السودان أيضا.
تطرف وتشدد
وتابع تاور، "هي لأول مرة تجلس في طاولة التفاوض بشكل منفرد بعد أن رفضت الانضواء تحت أي مظلة، ومع لك لم تحرز المفاوضات معها أي تقدم، فقد لمسنا كجانب حكومة من حركة الحلو تعنت وتشدد لم نجد له تفسير، بداية من اشتراطهم على أن ينص في الاتفاق على أن يكون السودان دولة علمانية وإلا ستقوم الحركة بتقرير مصير المناطق التي تسيطر عليها، وهذا في تقديرنا موقف متشدد ومتطرف، لأن الوثيقة الدستورية تنص على أن هناك مؤتمر قومي دستوري يفترض أن يكون مظلة لكل المكونات السودانية مسلحة أو مدنية أو سياسية أو غير لك، لكي تتوافق على دستور يحدد فيه كيف يحكم السودان"،
واستطرد قائلا "لكن هذا الشرط يضع التزام على السودانيين ككل، لا أن يشترط فصيل واحد تضمين هذا المطلب كشرط أساسي وإلا سوف يستأنف الحرب، ومقابل هذا الموقف من عبد العزيز الحلو يدفع المواطنين تحت سيطرتهم أثمان باهظة من الانعزال الكامل عن الحياة الطبيعية وسوء ظروفهم المعيشية من كل المناحي وانعزالهم الكامل عن محيطهم الإجتماعي، ولنا أربعة أشهر على هذا الحال وهم يقولون، إما أن تصادقوا لنا على أن السودان دولة علمانية".
ومنذ 21 أغسطس/ آب الماضي، يشهد السودان، فترة انتقالية تستمر 39 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات، ويتقاسم السلطة خلالها كل من المجلس العسكري، وقوى "إعلان الحرية والتغيير"، قائدة الحراك الشعبي.