ويرى مراقبون أن الترحيب الأمريكي الإيراني في هذا التوقيت قد يشكل عقبات أمام الكاظمي والذي بدأ قويا، لكنه بدأ في التراجع وربما يلحق بمن سبقوه، حيث بدأت السجالات حوله من جانب القوى والأحزاب التي بدت ظاهريا مؤيده له، لذا فإن مصير العملية السياسية في البلاد مازال غامضا، وقد يدعم الترحيب الأمريكي الأصوات الرافضة للكاظمي.
الخيار الأرجح
قال الدكتور عبد الستار الجميلي أمين الحزب الطليعي الناصري العراقي، إن الواقع فيما يتعلق بتشكيل الحكومة الجديدة مازال غامضا ومن الصعب التكهن بما ستؤول إليه الأمور، إلا أن محاولات تفكيك هذا الغموض تقف أمام عدة معطيات.
وتابع أمين الحزب، أول تلك المعطيات هو تهديد حزب الله للكاظمي ومن رشحه، واتهامه بأنه محسوب على أمريكا وشريك في مقتل سليماني والمهندس، وإشارة سائرون بأن موقف المكلف سيكون صعبا في مجلس النواب إذا ما اعتمد المحاصصة، وكذا المواقف غير الواضحة لدولة القانون والنصر ونواب من قوائم أخرى، ثم يأتي تصريح بومبيو ليضيف غموضا آخر أو ربما تعقيدا، وربما حجة جاهزة بيد الرافضين أو المترددين في تأييد الكاظمي.
الكاظمي وعبد المهدي
وأضاف الجميلي: "لذلك فإن موقفه القوي في البداية بدأ في التراجع النسبي، وربما سيؤدي إما إلى الاستعجال بالتصويت لحكومة الكاظمي قبل أن يصل تراجع التأييد إلى مرحلة الرفض على غرار من قبله، أو أن يصار إلى إبقاء حكومة عادل عبد المهدي لفترة إنتقالية قصيرة لمواجهة تزامن الأزمات السياسية والأمنية والصحية والاقتصادية،ومن ثم إجراء إنتخابات مبكرة".
وأشار أمين الحزب الطليعي إلى أن الخيار الثاني المتمثل في بقاء عادل عبد المهدي ربما يكون الأوفر حظا، خصوصا وأن داعش الإرهابي بدأ يشكل تهديدا مباشرا بعملياته الإرهابية وتسلله من الحدود السورية، ما يتطلب إستقرار في سير العملية السياسية والعسكرية حتى يمكن ضمان التصدي لهذه المجاميع الإرهابية التي بدأت تستغل الوضع الهش في العراق.
علاقات متوازنة
وقال اللواء ماجد القيسي الخبير الإستراتيجي العراقي:
جاء تكليف الكاظمي بعد أن اعتذر المكلف السابق عدنان الزرفي لمعارضة كتل وأحزاب فاعلة في العملية السياسية له، ويأتي تكليف الكاظمي بتوافق اغلب الكتل وفي توقيت يمر به العراق بظروف صعبة وحساسة، لأن الرجل يملك علاقات متوازنة مع جميع القوى الداخلية الفاعلة وعلاقات خارجية.
وأضاف الخبير الإستراتيجي لـ"سبوتنيك"، "إن الكاظمي طرح برنامج حكومي مقبول من قبل جميع القوى السياسية، وأدرك الجميع أنه لا يمكن الاستمرار بهذا الفراغ السياسي في ظل صعوبات اقتصادية وتفشي وباء فيروس كورونا".
أسباب التوافق
وحول الأسباب الحقيقية لموافقة الكتل السياسية على الكاظمي وعدم موافقتها على الزرفي ومن سبقوه قال القيسي، "كانت القوى السياسية تعتقد أن رئيس الجمهورية قد تجاوزها في تكليف السابقين، وجوهر الخلاف كان على "آلية التكليف"، أما في حالة الكاظمي فان جميع الكتل ورئاسة الجمهورية والبرلمان حصل بينهم توافق وأن الكاظمي هو مرشح الأحزاب الشيعية التي تملك المقاعد الأكثر في البرلمان".
وسيط دولي
وفيما يتعلق بالترحيب الخارجي قال الخبير الإستراتيجي، إن إيران ترى أن تكليف الكاظمي من الممكن أن يلعب دور في تخفيف التصعيد مع واشنطن بالنظر لأنه يمتلك علاقات مع جميع الأطراف، أما واشنطن فإنها ترى في الكاظمي الشخص القادر على لملمة الوضع وإعادة السياسة الخارجية للعراق إلى وضعها الطبيعي.
وأضاف: "هناك تحديات كبيرة أمام الكاظمي رغم تخويل الأحزاب له باختيار الكابينة الوزارية، لكن هذا لايعني أنها سوف تتخلى عن المحاصصة بشكل كبير فهي أيضا تسعى للحفاظ على مكاسبها ومصالحها، ولن تتخلى عنها بسهولة ولهذا فان الكاظمي عليه أن يوازن ما بين مطالب المحتجين و مطالب الكتل والأحزاب".
إعلان حرب
من جانبه قال خبير في الشأن الإيراني رفض الإفصاح عن هويته في حديث لـ"سبوتنيك"، هناك اتهامات عراقية للكاظمي، بأنه مشبوه و متورط في دماء الشهداء، وأن تكليفه بمثابة إعلان حرب، وأن إيران تحاول الصمت في تلك المرحلة لأن أي تصريح أو تحليل سياسي ربما يتسبب في نوع من الحساسية لدى العراقيين.
قناعة أمريكية
بينما قال محمود العكيلي الأمين العام لحزب الأمة العراقية:
يشير تصريح وزير الخارجية الأمريكي إلى وجود رغبة أمريكية وقناعة تامة بالسيد الكاظمي، وهذا جاء بسبب الإجماع العراقي على شخصية رئيس الوزراء المكلف، والذي يحدث لأول مرة.
وتابع العكيلي في حديث لراديو "سبوتنيك'"هناك توافق أمريكي-إيراني على السيد الكاظمي، فهو عندما تولى جهاز المخابرات، خلق طفرة نوعية في العلاقات الخارجية، وباتت لدى هذه الدول قناعة بقدرة السيد الكاظمي على تقديم التسهيلات لهم."
وأضاف العكيلي قائلاً، "يوجد تعويل على السيد الكاظمي في أن يكون رجل المرحلة، في ظل المشاكل التي تعصف في المنطقة، فهناك إرهاب على الحدود العراقية-السورية يهدد الأردن، وكذلك تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران".
الخارجية الأمريكية
قال وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، أمس الاثنين، إن الولايات المتحدة ترحب باتفاق، على ما يبدو، القوى الشيعية والسنية والكردية في العراق على تشكيل حكومة جديدة.
وأضاف الوزير الأمريكي أن الحكومة ينبغي أن تكون قادرة على التصدي لوباء فيروس كورونا ودعم الاقتصاد والسيطرة على الأسلحة، بحسب وكالة "رويترز".
وقال بومبيو، في بيان، "نرحب بتوصل الزعماء السياسيين الشيعة والسنة والأكراد إلى توافق على ما يبدو حول تشكيل حكومة، ونأمل أن تضع هذه الحكومة مصالح العراق أولا وتلبي احتياجات الشعب العراقي".
فيما قال مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكرفي مؤتمر عبر الهاتف الأسبوع الماضي ، إن المكلف بتشكيل الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، "إذا كان الكاظمي قوميا عراقيا ملتزما بتحقيق السيادة للعراق ومحاربة الفساد، فسيكون ذلك أمراً عظيماً للعراق"، مردفاً: "نعتقد أنه سيكون رائعاً لعلاقتنا الثنائية"؛ وفقا لشبكة "رووداو".
كما رحبت وزارة الخارجية الإيرانية بتكليف رئيس المخابرات العراقي مصطفى الكاظمي، بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة، واعتبرت ذلك خطوة في الاتجاه الصحيح.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية عباس موسوي، في بيان صحفي الخميس الماضي:
ترحب جمهورية إيران الإسلامية باتفاق الجماعات السياسية في العراق، الذي أسفر عن ترشيح السيد مصطفى الكاظمي رئيسا جديدا للوزراء، وتعتبره خطوة في الاتجاه الصحيح.
وأضاف موسوي "أن توافق جميع التيارات السياسية العراقية هو السبيل الوحيد لحل النزاعات سلميا"، مؤكدا "جمهورية إيران الإسلامية تكرر إعلان استعدادها الكامل للتعاون مع الحكومة العراقية من أجل التغلب على مشاكل البلاد".
وكلف الرئيس العراقي برهم صالح، رئيس جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي بتشكيل الحكومة المؤقتة، وتم التكليف داخل قصر السلام بمنطقة الجادرية وسط بغداد، بحضور عدد من القيادات السياسية، بينهم رئيس "تيار الحكمة" عمار الحكيم، ورئيس "تحالف الفتح" هادي العامري، ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي.
ويرفض المتظاهرون العراقيون التخلي عن ساحات الاحتجاج التي نصبوا فيها سرادقات عديدة للمبيت على مدار 24 ساعة يوميا وفي ظل التحذيرات من انتشار مرض كورونا بينهم، لحين تلبية المطالب كاملة، بمحاكمة المتورطين بقتل المتظاهرين، وسراق المال العام، وتعيين رئيس حكومة جديد من خارج الأحزاب، والعملية السياسية برمتها.
وعلى الرغم من استطاعة المتظاهرين في العراق، إقالة رئيس الحكومة، عادل عبد المهدي واعتذار محمد توفيق علاوي عن تشكيل الحكومة كما قابلوا اسم نعيم السهيل بالرفض قبل ترشيحه رسميا، وكذلك عدنان الزرفي واخيرا مصطفى الكاظمي ، إلا أنهم يصرون على حل البرلمان، وتعديل الدستور، بإلغاء المحاصصة الطائفية، وإقامة انتخابات مبكرة لاختيار مرشح يقدم من الشعب حصرا.