وإلى نص الحوار:
سبوتنيك: هل الواقع الحالي يلهمك في كتابة روايتك القادمة؟
في الحقيقة أنا من الروائيين المؤمنين بنظرية الكتابة عن الحدث بعد سنوات كثيرة، فالكتابة عن ثورة يوليو/ تموز في مصر خلال الخمسينات كانت تقريرية، وكذلك الكتابة عن النكسة (حرب الخامس من يونيو/ حزيران بين مصر وإسرائيل) في أول السبعينات مثلا، وعن ثورة يناير/ كانون الثاني في السنوات التالية للثورة كلها كتابات عن حدث شاهده وعايشه القراء.
ومهما اجتهد الروائي ووصل بخياله إلى نقاط بعيدة سيظل الحدث الأصلي بطلا لعقد أو اثنين بعدها يبدأ الخفوت وهنا يأتي دور الروائي ليحكي على خلفية الحدث ويذكر الناس به وفي الوقت ذاته يكتب ما لا يعرفونه عنه بأحداث متخيلة.
ونفس الأمر بالنسبة لي مع الواقع الحالي، ولا أظن أنني سأكتب عنه الآن أي شئ خصوصا أنني منذ يناير الماضي بدأت بالفعل في كتابة روايتي الجديدة ولا علاقة لها بالوباء الحالي على الإطلاق.
سبوتنيك: هل توحي لك الأحداث الحالية بأننا نعيش لحظات غير واقعية، وهل تحدثنا عن أكثر اللحظات التي تمنحك هذا الانطباع؟
أقوم بتسجيل مشاهدات يومية لسلوك الناس وقت الخوف من المجهول، وتلك لحظات مهمة لأي فكرة رواية قادمة حتى ولو لم تكن مباشرة عن الوباء، وأشعر أحيانا أننا في "فانتازيا" سياسية واجتماعية بسبب قرارات المسئولين وسلوك المواطنين، وأخرج منها بانطباعات أسجلها لتنفعني في فهم سيكولوجية الناس وقت الخطر وبالتأكيد ستفيد في رواية قادمة.
سبوتنيك: كيف تتخيل عالم ما بعد الوباء… على المستوى السياسي والعلاقات الاجتماعية والصحة ونمط حياة الأفراد؟
أتخيل العالم أكثر توحشا وأقرب إلى غابة وأكثر ميلا للفردية بعد الوباء، وخلال أقل من سنة أتوقع زيادة معدلات الجريمة بصورة غير مسبوقة ولا مبالاة مبالغ فيها في العلاقات الاجتماعية واهتمام ظاهري مؤقت بصحة الفرد وتغير نمط الحياة بحيث يميل للحدة والعنف في بعض الأحيان. الصورة قاتمة بالنسبة لي ولست متفائلا على الإطلاق لخمس سنوات قادمة.
سبوتنيك: كيف تقضي فترة العزل المنزلي وأنت كاتب؟
أقضيها في كتابة روايتي الجديدة وهي الرواية التاسعة في مسيرتي الأدبية، التي بدأت عام 1999، وصدرت خلالها ثماني روايات. اكتب بانتظام منذ خمس شهور لمدة عشر ساعات يوميا تقريبا، وأشاهد فيلما كل يوم واقرأ جزء من كتاب أو رواية جديدة وامشي في الشارع لمدة ساعة يوميا.
سبوتنيك: ما أبرز الروايات أو الكتب التي قرأتها وتحدثت عن فترات الأوبئة في التاريخ… ومن خلال قراءتك لهذه الكتب ما التغيرات التي تفرضها الأوبئة على المجتمعات؟
أظن أنها روايات ماركيز وبعض أدب أمريكا الجنوبية أيضا وهناك كتابات أخرى لروائيين من أوروبا عن فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وهي ظروف أقرب لما بعد الوباء.
تلك الفترات التي تظهر فيها فلسفات جديدة ونمط مجتمعي مختلف عما سبقه وهبوط لبعض القيم وزيادة جرعة التمرد وتخطي الحريات للحدود المقبولة. هذا ما قرأته في أغلب الكتب التي تتحدث عن الأوبئة والحروب، وأظن أننا سنواجه شيئا أقرب لذلك للأسف في الفترة القادمة .
سبوتنيك: ماذا تقرأ هذه الأيام أو ما الكتب التي ترشحها للجمهور للقراءة؟
هذه الأيام، أقرأ كتابا للعظيم الراحل صلاح عيسي، عن مذكرات الفتوات في القاهرة فترة العشرينيات من القرن الماضي وهو كتاب شديد الأهمية من حيث تصوير الحياة اليومية لهذه المهنة الغريبة وأصولها وعلاقاتها بالمجتمع، وهي أيضا شديدة الجاذبية لأنها مبنية على قصة حقيقية ومذكرات بخط يد صاحبها.
وقبله انتهيت من كتاب، عبارة عن دراسة لسبعة كتب من كتب الأستاذ هيكل، يحلل فيها الكاتب درجة مصداقية الوثائق، التي اعتمد عليها الأستاذ هيكل في الكتابة وهو كتاب مهم ومفيد لفهم مرحلة كاملة كان فيها هيكل هو الصحفي الأوحد وصوت السلطة وصاحب القرار. وأرشح للقراءة، كتاب مذكرات تومسا راسل، حكمدار القاهرة في النصف الأول من القرن العشرين وهي ترجمة مصطفى عبيد، وكتاب رسائل من مصر، ترجمة الأديب الكبير إبراهيم عبد المجيد. فالكتابان رائعان بمعنى الكلمة ويجذبان القارئ من أول سطر حتى آخر كلمة.
أجرى الحوار: سلمى الخطيب