ويذكر أن صندوق الزكاة قد تم اقتراحه سابقا من قبل حركة النهضة صاحبة التمثيل الأكبر في البرلمان وحليفتها ائتلاف الكرامة، قبل أن يتم إسقاطه خلال الجلسة العامة المخصصة للمصادقة على قانون المالية لسنة 2020 في ديسمبر/ كانون الأول المنصرم، بعد أن اصطدم برفض واسع من قبل نواب البرلمان التونسي، حيث لم يحظ المقترح سوى بموافقة 74 نائبا من مجموع 217 نائبا.
توظيف أيديولوجي
وأوضح جبنون أن الفصل السادس من الدستور ينص على أن الدولة هي الحامي والضامن للدين في تونس، وبالتالي فإن مسألة تأطير صندوق الزكاة وتنظيمه لا تكون إلا على صعيد السلطة التشريعية وفي إطار قانون إطاري منظم لكل الأعمال الخيرية في تونس بما فيه الزكاة.
ونبه جبنون من مغبة "ترك هذا الأمر لمبادرات عشوائية تقوم بها بلديات تقودها غايات سياسية وتسعى إلى إثارة جدل سياسي عقيم".
ويرى المتحدث باسم حزب قلب تونس أن الزكاة خيار فردي للتونسيين ولا يمكن أن تستحوذ عليها أي جهة تحت عنوان سياسي، خاصة وأن الجماعات العمومية المحلية لديها قانون مؤطر وواضح في هذا الصدد.
وطالب جبنون بضرورة إخضاع الأعمال الخيرية إلى قانون إطاري شامل بما فيها الزكاة والأوقاف والمؤسسات النفعية والهبات بغرض تنظيمها وتأطيرها، داعيا إلى ضرورة الابتعاد عن التوظيف الأيديولوجي للشعائر الدينية.
من جانبه قال النائب عن الحزب الدستوري الحر، كريم كريفة، لـ"سبوتنيك"، إن مبادرة صندوق الزكاة تنطوي على تحد صارخ للقوانين وللفصل الثاني من الدستور الذي ينص على مدنية الدولة، معتبرا أن "رئيس بلدية الكرم قد ضرب عرض الحائط قرارات مؤسسات سيادية كمجلس نواب الشعب تحت يافطة التدبير الحر".
شبهات فساد
وأوضح كريفة أن صندوق الزكاة قد نشأ مخالفا لجميع القوانين، مؤكدا وجود شبهات فساد تتعلق بهذا المشروع سيتم الكشف عنها في القريب العاجل.
وتابع "لم تُحترم في هذه المبادرة الإجراءات القانونية ولا التسويات، وهو ما دفع والي (محافظ) تونس إلى الطعن فيه".
وعبّر كريفة عن رفض حزبه المطلق لمسألة الخلط بين الدين والدولة و"إنشاء مثل هذه الصناديق العشوائية تحت ذريعة إعانة الشعب، في الوقت الذي تمتلك فيه تونس منظومة وطنية بأكملها لإعانة الناس وهي الصندوق الوطني للتضامن الاجتماعي الذي يتلقى تبرعات طوعية من المواطنين".
خرق لمبدأ الجمهورية
وفي هذا الصدد دعا المرايحي رئيس الجمهورية بوصفه "الحامي للدستور والموكل إليه المحافظة على الجمهورية"، إلى التدخل ووقف مثل هذه الممارسات التي تنم عن سوء تصرف في التفويض المسند لها، معتبرا أن ما قام به رئيس بلدية الكرم هو "خرق للوكالة وتحويلها لغايات غير طبيعية، لأن التفويض البلدي لا يعطى لشخص وإنما للمجلس البلدي".
ويرى المرايحي أنه بقطع النظر عن مواقف الأحزاب من مقترح صندوق الزكاة، فإن هذه المواضيع يجب أن تناقش في إطار حوار عام ويتم تقريب مفهوميْ الدين والدولة وبلورتهما في صياغة جديدة، ومستنكرا إخضاع هذا الموضوع لإسقاطات أو إرادات أشخاص معينين.
محاولة لبناء الدولة الدينية
من جانبه حذّر رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان جمال مسلم من مغبة توظيف الفريضة الدينية المتمثلة في الزكاة لصالح المجموعة السياسية المهيمنة على بلدية الكرم، معتبرا أن إنشاء هذا الصندوق مخالف للقانون ويتعارض حتى مع رغبة والي تونس ووزير الشؤون المحلية الذي أكد أن مجلة الجماعات المحلية لا تسمح بإنشاء صندوق للهبات وليس للزكاة.
ونبه مسلّم في حديثه لـ"سبوتنيك" من خطورة تكرار سيناريو تجربة الصناديق الاجتماعية التي فُرضت على التونسيين في عهد الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي والذي كان يلزم المواطنين بدفع التبرعات، في وقت كانت فيه الإدارة والمصالح العمومية غير مستقلة.
وقال المتحدث إن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ترفض أن تصبح البلدية طرفا وسيطا بين الله والمسلمين خاصة بعد أن تعوّد التونسيون لعقود أن يقدموا الزكاة مباشرة للمحتاجين بما يضمن وصولها لمستحقيها، معتبرا أن هذا الصندوق هو لبنة من لبنات بناء الدولة الدينية خاصة في ظل استحواذ المنتمين لحركة النهضة الإسلامية على معظم مقاعد المجالس البلدية، وفقا لقوله.
وكان والي (محافظ) تونس قد تعهّد، في بيان له، بالطعن في قرار بلدية الكرم المتعلق بإحداث صندوق الزكاة، وذلك على "خلفية عدم التزام مصالح البلدية المذكورة بمضمون مكتوب وجه لها من طرف الولاية بتاريخ 13 فبراير/ شباط 2020، يتضمن رفض وزارة الشؤون المحلية والبيئة إحداث صندوق زكاة في الجهة"، مؤكدا في ذات البلاغ أن مصالح الولاية ستبقى حريصة على تطبيق القانون والالتجاء إلى المحكمة الإدارية عند الاقتضاء.