يرى مراقبون أن قضية النازحين هي في المقام الأول قضية سياسية، تليها القضية الأمنية ثم البنية التحتية، خصوصا وأن هناك تغييرات حدثت في التركيبات السكانية بعد "داعش"، علاوة على أن البعض يسوق لمخاوف أمنية من قيام هؤلاء النازحين حال عودتهم بتسهيل رجوع المسلحين، وفي جميع الأحوال عودة النازحين هي مشكلة الدولة وواجبها لأنهم مواطنون لهم حقوق وعليهم واجبات ويجب أن يحظوا بحقهم في التعليم والصحة والحياة الكريمة، وهذا ما لم تستطع توفيره الحكومة العالية والحكومات السابقة.
قال الدكتور معتز محيي عبد الحميد، مدير المركز الجمهوري للدراسات الأمنية والاستراتيجية في العراق، إن "هناك تدخلات من أحزاب سياسية وجهات أمنية لها اليد الطولى في موضوع عدم عودة العوائل من النازحين إلى قراهم بحجة أن لهم إرتباط مع مسلحي تنظيم داعش، ولهم أبناء مطلوبون للعدالة، لذا يجب عدم عودتهم إلى أراضيهم وقراهم، حتى لا يساعدوا المسلحين في العودة مرة ثانية إلى تلك القرى".
وتابع مدير المركز الجمهوري لـ"سبوتنيك"، "هناك رؤية لدى بعض الأحزاب بأن تبقى تلك القرى البعيدة مفرغة من الناس، لأن عودتهم تشكل عبئا كبيرا جدا على الدوائر الأمنية لحماية مناحي الحياة من مدارس وصحة وعودة مراكز الشرطة وإعادة إعمار تلك المناطق وإصلاح بناها التحتية المدمرة، وأعتقد أن الحكومة غير مهتمة بتلك الأمور في الوقت الحاضر وليس لها خطة استراتيجية، فقط نسمع رؤى من بعض المحافظات التي تعرضت لعمليات عسكرية وتهجير بأن هناك خطط لإعادة الإعمار ومشاريع لعودة المهجرين الذين يسكنون الخيام والكرفانات إلى قراهم".
https://t.co/Gk6BzBqHkr#داعش يكلف #العراق خسائر بشرية ومادية فادحة
— يحيي عبد الغني (@yehia3113) February 14, 2018
أخيرا هزم التنظيم الارهابي بعد أن خلّفت الحرب ضد عصاباته 18 الف قتيل و36 الف جريح من العراقيين الأبرياء وبلغ عدد النازحين خمسة آلاف نسمة بينما تصل خسائر التخريب عُمُوماً الى 88 مليار دولار. pic.twitter.com/lah640sPSX
غياب الاهتمام الدولي
وأضاف عبد الحميد أنه "لا يوجد أيضا اهتمام جدي لحل هذه المشكلة على مستوى المنظمات الدولية وقرارات الأمم المتحدة والصليب الأحمر الدولي والعراقي، وكل التركيز والاهتمام الآن على إعادة البنية التحتية لمقرات المحافظات في الموصل والأنبار وتكريت، في المقابل أهملت تلك القرى لفترات طويلة".
وأكد مدير المركز الجمهوري أن "هناك الكثير من التشريعات والقوانين تحتاج إلى تعديل، فمثلا إلى الآن الميزانية العراقية تشكو من وجود أرصدة موضوعة من جانب الحكومة لهذه القرى لإعادة البنية التحتية والتي تحتاج إلى مبالغ كبيرة خصوصا في قرى قضاء الحضر التابع لمحافظة الموصل، والقرى في محافظة ديالي وبعض القرى والقصبات والأقضية الموجودة في صلاح الدين وحتى قضاء جرف الصخر، هذه المدينة القريبة من كربلاء والتي تمتد حدودها إلى محافظة الأنبار وهى خالية من الناس للأسباب التي ذكرناها".
ولفت عبد الحميد إلى أنه "يجب توفير غطاء أمني مسبق، وأيضا يجب أن تكون هناك تفاهمات مع الأحزاب التي لها تنظيمات عسكرية في هذه المناطق والتي تحمي حاليا الطرق السالكة لهذه القرى والأرياف البعيدة عن المدن، لذا فإنه لا يمكن عودة النازحين قبل أن تتوفر لهم المقومات الأمنية والمعيشية والاهتمام الحكومي الجدي بعودة الحياة الطبيعية لهذه المناطق".
#الأمم_المتحدة : اعداد النازحين العراقيين من جراء اجتياح عناصر داعش والعمليات العسكرية قد تجاوز الثلاثة ملايين #نازح. pic.twitter.com/b0HsdB9riu
— إذاعة العراق الحر (@iraqhurr) June 24, 2015
نازحون مهمشون
من جانبه، قال عبد القادر النايل، المحلل السياسي العراقي، إن "النازحين يعيشون أوضاعا مأساوية في العراق، وأصبحت قضيتهم كبيرة من خلال تنوع أساليب اضطهادهم على المستوى المعيشي والصحي والاجتماعي والتعليمي، إذ لم توفر الحكومة ولا وزاراتها ذات الصلة أي جهد يذكر، لاسيما ونحن في السنة السادسة التي شارفت على الانتهاء منذ دخول داعش، لذلك الوضع المعيشي سيء جدا بسبب عدم توفير الغذاء لهم".
غياب الدور الأممي
وأكد المحلل السياسي لـ"سبوتنيك" أن "ما تفعله المنظمات الإغاثية الدولية لايسد 10 في المئة من احتياجاتهم، لذلك اضطروا في أغلب الأوقات أن ياكلوا وجبة واحدة، أما الواقع الصحي فإن وزارة الصحة لم تقم بواجبها، فلم يتم تخصيص فرق طبية أو مركز طبي داخل مخيمات النزوح يعالج المرضى، علما بأن هناك كبار السن ولديهم أمراض مزمنة، ولم تتحرك وزارة الصحة أو الحكومة لحمايتهم من جائحة كورونا بشكل واضح جدا".
#العالم_في_صور| معاناة النازحين العراقيين من معاقل تنظيم "#داعش"
— بوابة أخبار اليوم (@akhbarelyom) October 28, 2016
https://t.co/nfbqfbvgQP pic.twitter.com/pkfC4Qm9xr
سجن كبير
وأشار النايل إلى أن "المخيمات أصبحت كسجن كبير محاط بقوات أمنية لا يسمح لهم بالخروج مطلقا، ما أثر على الأطفال، فنحن الآن لدينا جيل لم يدخل المدارس، وبالتالي لا يجيد القراءة والكتابة وهذا خطر كبير، إذ أن وزارة التربية كان عليها أن تخصص مدارس من الخيم وتعمل الواجب تجاههم، وهذا يؤكد أن الحكومات التي عاصرت النازحين كان متعمدة في يذائهم، لأنها لم تبذل أي جهد يشفع لهم بأنهم لم يرتكبوا التقصير الواضح تجاه النازحين، وهناك اتهام لوزارة المهجرين، أنها تلاعبت بالمساعدات التي وصلت من بعض الدول للنازحين، لكنها لم تصل إليهم".
مشكلة سياسية
وأوضح المحلل السياسي أن "المشكلة الأساسية لرجوع النازحين هي سياسية فقط من خلال سيطرة بعض المليشيات على مناطق محددة مثل جرف الصخر وعزيز بلد ويثرب وبيجي والقائم غرب الأنبار وحزام بغداد ومناطق في ديالى والمناطق المتنازع عليها بين الإقليم وبعض المحافظات، وهي بالتاكيد ضمن القانون الدولي جريمة إبادة جماعية وتطهير عرقي وطائفي يستوجب تدخل الدول الكبرى عبر مجلس الأمن الدولي، والتي نحمل فيها الولايات المتحدة الأمريكية انتهاكات حقوق الإنسان المستمرة في العراق وخشية الدول من التدخل بسبب هيمنتها على القرار العالمي وصراعها مع إيران على الأراضي العراقية".
حقوق النازحين
تقرير دولي
وسلط تقرير أعدّته مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحقوق الإنسان للنازحين، سلسيليا خيمينيز داماري، الضوء على أوضاع الأطفال النازحين، وبيّنت أن مستوى الحرمان الذي يعانيه الأطفال النازحون داخل المخيمات وخارجها يثير القلق، والسبب في ذلك هو العجز عن الالتحاق بمنظومة التعليم الرسمي بسبب الافتقار إلى الوثائق الثبوتية الشخصية أو بسبب القيود المفروضة على الحركة، وهو ما يقود إلى ظهور جيل من الأطفال المهمشين في المجتمع.
وقالت بعد زيارة أجرتها إلى العراق ونشرها موقع المنظمة الدولية: "إنه جيل يعيش في حالة صدمة جرّاء أعمال العنف التي شهدها، هو جيل محروم من فرص التعليم." وقد أعلنت حكومة العراق اعتزامها إعادة جميع النازحين إلى ديارهم مع نهاية هذا العام 2020.
#العراق: عودة 3 مليون نازح و إعادة الأعمار
— خاورميانه - عربي (@mep_arabic) February 6, 2018
قالت الأمم المتحدة أنّ 3 ملايين من النازحين العراقيين عادوا إلی مناطقهم بعد دحر داعش.https://t.co/zEMXTumwb7 pic.twitter.com/EuYCvR7lIL
لكن المقررة الخاصة ترى أن العقبات أمام عودتهم لا تزال كثيرة، إذ إن الكثير من المنازل مدمرة أو تعرضت للأضرار، كما أن الألغام الأرضية تنتشر في المزارع، هذا علاوة على القيود التي تفرضها الحكومة على حرية الحركة وانعدام فرص سبل العيش.
ومن بين أكثر من 6 ملايين شخص نزحوا داخل العراق بين عامي 2014 و2017 خلال الحرب مع "داعش"، عاد 4 ملايين إلى مناطقهم الأصلية، ويعاني العائدون من تحديات تعترض استئناف حياتهم الطبيعية، بما فيها عراقيل تواجه حقهم في التعلم والرعاية الصحية.