وأوضح سعيد أن هذا الاختيار جاء بعد الإطلاع على المقترحات، التي تلقتها رئاسة الجمهورية من ممثلي الأحزاب والكتل النيابية، وتطبيقا للفصل الـ 89 من الدستور. كما عبر سعيد عن انشغاله لما استغرقه مسار تكوين الحكومة منذ شهر تشرين الثاني الماضي، مذكرا بأن الاستجابة لمطالب الشعب المشروعة والطبقات المحرومة.
اختيار صائب وموفّق
واعتبر النائب والقيادي في حركة الشعب خالد الكريشي في تصريح لـ "سبوتنيك"، أن تعيين رئيس الجمهورية لهشام المشيشي رئيسا للحكومة كان اختيارا صائبا وموفقا، مؤكدا أن المشيشي يستجيب إلى المعايير والخصال التي وضعتها حركة الشعب في اختيار الشخصية الأقدر والمتمثلة أساسا في إلمامه بالوضع الاقتصادي الصعب باعتباره كان وزيرا في الحكومة المستقيلة، إلى جانب نظافة اليد وعدم وجود أي شبهة تضارب مصالح أو فساد أو تطبيع وولاء لأطراف خارجية في ملفه، فضلا عن تمتعه بالبعد الاجتماعي وإيمانه بضرورة الانتصار إلى المصلحة الوطنية ونجاحه في تحقيق الاستقرار الأمني خلال فترة توليه لمنصب وزير الداخلية.
القدرة على التجميع
وبيّن الكريشي أن أهم ميزة تتوفر في المشيشي هي القدرة على التجميع وتمتعه بالاستقلالية عن الانتماءات الحزبية، وهو ما اشترطته حركة الشعب في رسالة التكليف التي وجهتها إلى رئاسة الجمهورية، وفقا لقوله.
ويرى البرلماني أن المشيشي هو الشخص المناسب في المكان المناسب، مؤكدا أن الحركة ستسانده وتتتفاعل إيجابيا معه بهدف تشكيل حكومة قادرة على تجاوز الأزمة الاقتصادية الخانقة وتلبية مطالب التونسيين خاصة منها الاقتصادية والاجتماعية. مضيفا أن الحركة تثق في اختيار رئيس الجمهورية قيس سعيد من جهة وفي قدرة المشيشي على تكوين حكومة قوية تتمتع ببرنامج اقتصادي واجتماعي واضح من جهة أخرى.
واعتبر الكريشي أن المشيشي قادر على تجميع الـ 109 صوت الضرورية لتمرير حكومته عبر البرلمان وحتى تجاوزها لـ 130 صوتا، موضحا أن عامل الاستقلالية الحزبية هو ورقة قوية ستجعله يمر بكل أرياحية. وأضاف أن الشخصية الحزبية لا تحظى عادة بحجم واسع من التوافقات.
ودعا بقية الكتل إلى دعم المكلف الجديد والتحلي بالمسؤولية الوطنية وتغليب المصلحة العامة على المصالح الحزبية الضيقة، مبينا أن كلفة منح الثقة لحكومة المشيشي أقل من كلفة إعادة الانتخابات وحل البرلمان في ظل وضع اقتصادي واجتماعي صعب.
وزير أول لدى رئيس الجمهورية
في المقابل قال النائب عن كتلة ائتلاف الكرامة في البرلمان عبد اللطيف العلوي لـ "سبوتنيك"، إن اختيار المشيشي فاجأ طيفا واسعا من التونسيين ومن الطبقة السياسية لكنه لم يفاجأ ائتلاف الكرامة الذي توقع هذه النتيجة
وأضاف "قلنا إن اقتراحات الأحزاب سيكون مصيرها سلة مهملات القصر وهذا ما حدث فعلا".
و أكد أن الكتلة كان لديها احتراز منذ البداية على طريقة الاستشارات الكتابية لذلك قررت عدم المشاركة فيها باعتبارها "طريقة غير جدية وصيغة لا تحترم الأحزاب ولا البرلمان أو الكتل البرلمانية"، مضيفا أنه من المؤسف أن يتعامل رئيس الجمهورية بهذه الطريقة مع مؤسسات الدولة.
وقال العلوي "كان من الواضح أن رئيس الجمهورية يريد وزيرا أولا يسيطر عليه، لذلك نعتبر أنه أخرج الخطة التنفيذية بجناحيها من سلطة البرلمان التشريعية ولتصبح مباشرة تحت سلطته".
واعتبر المتحدث أن هذه الطريقة لن تسهم في حل المشكل أو في تجميع الأطراف السياسية المشتتة بطبيعتها، ولا تقدم حلولا للبلاد ولا تعطي فرصة للنجاح أكثر مما حدث مع الفخفاخ، مضيفا أن "هذه الطريقة جُربت ففشلت".
دعم مشروط
وعن موقف ائتلاف الكرامة من شخصية المكلف الجديد بتشكيل الحكومة، قال العلوي إن الائتلاف لم يحدد بعد موقفه من هذا الاختيار، وتابع "نحن نميز بين شخص المشيشي الذي كلف بتشكيل الحكومة وبين طريقة التكليف التي اعترضنا علينا، ونحن منفتحون للاستماع إليه وإبداء رأينا في التشكيل الحكومي الذي سيختاره".
وأكد العلوي أن مسألة مساندة المشيشي من عدمها هي رهينة الخط السياسي، الذي سيعتمده في تشكيل الحكومة الجديدة، مبينا أنه من السابق لأوانه الحديث عن مشاركة ائتلاف الكرامة في الحكومة القادمة باعتباره قرارا يتم اتخاذه بعد مرحلة كاملة من التشاور والحوار حول البرنامج والخيارات الحكومية.
الدعوة إلى الانفتاح ونبذ الإقصاء
من جانبه قال النائب في البرلمان عن حزب قلب تونس الجديدي السبوعي في حديثه لـ "سبوتنيك"، إن ليس هناك ما يمنع رئيس الجمهورية من اختيار شخصية من خارج القائمة التي قدمتها الأحزاب، مستدركا "ولكن سياسيا كنا ننتظر أن يقع الاختيار على إحدى الشخصيات التي قدمت له، خاصة في ظل وجود توافق كبير حول بعض الأسماء التي يتجاوز حزامها البرلمان الـ 130 صوتا، وهو ما يضمن المرور إلى مرحلة أكثر استقرارا".
وأكد السبوعي أن موقف قلب تونس من المشيشي سيكون رهين تعامل هذا الأخير مع الحزب، داعيا إياه إلى اعتماد أسلوب جديد يستند إلى الانفتاح على جميع الأطراف ونبذ الإقصاء ومخاطبة القوى السياسية بنفس المسافة من أجل تجميع حزام برلماني قوي والانتقال من مرحلة عدم الاستقرار السياسي إلى مرحلة الاستقرار والبناء.
ونبه السبوعي من مغبة استمرار الوضع على ما هو عليه، خاصة في ظل خسارة البلاد ثلاثة أشهر من تولي الفخفاخ رئاسة الحكومة الحالية، داعيا إلى تجنيب البلاد سيناريو فشل آخر. وأكد أن قلب تونس معني بالمشاركة في الحكومة القادمة باعتباره الحزب الثاني الفائز في الانتخابات البرلمانية.
وكان القيادي في حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي قد اعتبر في تدوينة على صفحته الرسمية في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أن رئيس الدولة لم يوفّق في اختياره للمشيشي بقطع النظر عن كفاءته من عدمها، موضحا أنه "ترك مقترحات الأحزاب جانبا ولم يقم بدوره الاستشاري الرئيسي وكان أقرب للإداري منه إلى السياسي".
واعتبر الجلاصي أن "امكانية التدارك لازالت ممكنة، إذا ما أثبت المشيشي بأنّه رئيس حكومة وليس وزيرا أوّل، ويتعامل بالأساس مع البرلمان ويحترم صلاحياته الدّستورية حتّى لا يتمّ الانحراف نحو نظام سياسي مشوه".
وتتخوف بعض الأطراف السياسية وعلى رأسها حركة النهضة من نية رئيس الجمهورية قيس سعيد في تغيير النظام السياسي في تونس من نظام شبه برلماني إلى نظام رئاسي، خاصة وأن مراجعة النظام السياسي والذهاب إلى نظام رئاسي يعزز صلاحيات رئيس الجمهورية ويحد من تشتت السلطات كانت من بين المقترحات التي ناقشها قيس سعيد خلال حملته الانتخابية في رئاسية 2019.
والمشيشي من مواليد يناير/ كانون الثاني 1974، وهو متحصل على شهادة الأستاذية في الحقوق والعلوم السياسية بتونس، وعلى شهادة ختم الدراسات بالمرحلة العليا للمدرسة الوطنية للإدارة بتونس، وعلى شهادة الماجستير في الإدارة العمومية من المدرسة الوطنية للإدارة بستراسبورغ.
وقد تقلد مناصب هامة آخرها وزيرا للداخلية في حكومة الفخفاخ ومستشارا أولا لرئيس الجمهورية مكلفا بالشؤون القانونية في فبراير/ شباط المنقضي. كما شغل منصب مدير ديوان في وزارات المرأة والنقل والشؤون الاجتماعية والصحة في حكومات ما بعد الثورة، وشغل أيضا خطة مدير عام للوكالة الوطنية للرقابة الصحية والبيئية للمنتجات، فضلا عن عمله كخبير مدقق باللجنة الوطنية لمكافحة الفساد.
والمشيشي شخصية مستقلة لم تنتمي سابقا لأي حزب أو ائتلاف سياسي، كما أن اسمه لم يرد ضمن الترشيحات التي قدمتها الأحزاب إلى رئيس الجمهورية.