المغارة التي أغلقت أبوابها بعد سيطرة مسلحي "جبهة النصرة" على المنطقة المتاخمة للحدود السورية اللبنانية، عادت اليوم لتحضن زوارها مجددا.
"في صيف عام 2006 فتحت مغارة موسى أبوابها الصخرية والخشبية لاستقبال الزوار"، يقول أحد القائمين على المغارة لـ "سبوتنيك"، ويضيف إن "مغارة موسى هي تجويف كبير في سفوح جبال بلودان، حُفر بسواعد الأجداد من أهالي المنطقة، والذين كانوا يُحدثون هذه التجاويف بهدف الحصول على مادة رمل المازار، والذي كان من أجود أنواع الرمال المستخدمة للبناء في تلك الفترة".
ويبلغ عمر المغارة نحو 200 عام، واستغرق حفرها 100 عام بالطرق البدائية والبسيطة عبر الفأس والفانوس، ونقل الرمل إلى خارجها عبر الحيوانات الدابة، فيما يصل عمقها إلى نحو 300 متر ومساحتها 7 آلاف متر مربع، وسُميت فيما بعد "مغارة موسى" تبعاً لاسم مالكها "موسى المرعي"، والذي بذل جهداً كبيراً على مدى عشرات السنين في تحويل المغارة إلى معلم سياحي، حيث بقي قرابة الـ 20 عاماً يعمل بيده داخلها، لينفذ أعمال الحفريات والنقوش على الجدران وصقل المنحوتات في زواياها وإحداث فتحات للإنارة في جدرانها إضافة إلى تسوية الأرضيات، وجميعها من صنع يده بنسبة 90%.
في القسم المنخفض داخل المغارة توجد بحيرة كبيرة وضع فيها قارب صغير لنقل الراغبين من الزوار في جولة بأعماقها، إضافة لوجود سوق للمهن اليدوية، يحتوي على الفخاريات والزجاج والصدف والنحاسيات ولوحات فنية ومعرض تصوير ضوئي دائم.
تقول أم علي عبد الوهاب إحدى زائرات المغارة لـ "سبوتنيك"، إنها "المرة الأولى التي أزور فيها هذا المكان الجميل، إنه رائع لقد أعجبني كثيراً وسأعود لزيارته مرات ومرات، وأكثر ما أحببته داخل المغارة هي بركة الماء والقارب الذي جال بنا داخل سراديبها".
وتعدّ منطقة بلودان (55 كيلومترا غرب مدينة دمشق) واحدة من أهم المقاصد السياحية في سوريا، فهي تطل على سهل الزبداني ببساتينه وأشجاره المثمرة، وتعتبر مصيف رائع بسبب ارتفاعها نحو 1500 متر عن سطح البحر، كما أنّها من أشهر مناطق التي يقصدها سكان دمشق هرباً من حرِّ المدينة إلى الطقس اللطيف البارد في فصل الصيف، وللاستمتاع بالثلوج المتراكمة على سفوحها في فصل الشتاء.
وتعتبر بلودان من أقدم المصايف في سوريا والمنطقة العربية، ولها شهرتها في اجتذاب السياح والشخصيات التاريخية منذ القرن التاسع عشر، لعلَّ أهمهم ولي عهد إيطاليا الأمير فيكتور عمانوئيل الذي حطت رحاله فيها عام 1885، فيما قصدها إمبراطور ألمانيا غليوم الثاني في عام 1898، كما زارها الملوك والرؤساء والوزراء العرب.
وعايش مصيف بلودان لحظات تاريخية فارقة حيث شهد فندق بلودان الكبير الكثير من المؤتمرات العربية، أشهرها مؤتمر بلودان الذي جمع الحكام العرب عام 1937 الذي أسهم في تأسيس جامعة الدول العربية، كما عقد مجلس الجامعة العربية فيها اجتماعاً استثنائياً خلال عام 1946 والذي أطلق علية اسم مؤتمر "بلودان الثاني" للنظر في تقرير لجنة التحقيق الأممية والخطة العربية إزاء الوضع المتوتر في فلسطين.
وخلال الحرب على سوريا، ضرب الإرهاب مصيف بلودان القريب من بلدتي مضايا وبقين شأنه شان العديد من المناطق الأخرى في البلاد، واحتلت عدد من الفصائل المسلحة المتشددة على رأسها تنظيم "جبهة النصرة" المنطقة حيث غاب زوار المصيف الجبلي عنه بشكل تام لقرابة أربعة أعوام، قبل أن تعود الحركة تدريجياً بعد ترحيل التنظيمات المسلحة إلى محافظة إدلب، والجهود الحثيثة التي بذلتها الحكومة السورية لنفض غبار الحرب وتأمين مستلزمات الحياة اليومية الأمور الخدماتية والمعيشية، لإعادة النهوض بالمنطقة كمقصد سياحي ومتنفس لكل السوريين.