في المقابل لاقت هذه الحكومة معارضة صريحة من قبل حزب التيار الديمقراطي (22 نائبا) الذي أعلن بشكل رسمي أنه لن يمنح ثقته لـ"حكومة الأمر الواقع"، وهو نفس الموقف الذي تبنته كل من كتلة ائتلاف الكرامة (19 نائبا) المقربة من دوائر النهضة وكتلة المستقبل (9 نواب).
إلى ذلك، ما تزال مواقف كل من حركة النهضة (54 نائبا) وحزب قلب تونس (27 نائبا) وحركة الشعب (15 نائبا) مبهمة ورهينة ما ستفرزه مجالسها الوطنية من قرارات، وهو ما يغذي هواجس البعض بشأن احتمالية تكرر سيناريو حكومة الحبيب الجملي التي فشلت في امتحان نيل الثقة.
سيناريو حل البرلمان
وفي هذا الصدد، صرحت أستاذة القانون الدستوري منى كريم لـ"سبوتنيك"، أنه في حال فشلت حكومة المشيشي في تحصيل الـ 109 أصوات المطلوبة لنيل الثقة فإن الكرة ستكون في ملعب رئيس الجمهورية الذي أتيحت له إمكانية حل البرلمان بمقتضى الفصل 89 من الدستور.
وأكدت كريم أن الدستور التونسي لم يضبط لرئيس الجمهورية توقيتا معينا لحل البرلمان، ما يعني أن رئيس الدولة بإمكانه استخدام هذا الحق الدستوري بعد يوم واحد من سقوط الحكومة أو حتى بعد شهر، وتابعت "لكنه مجبر في حال حل البرلمان على الدعوة إلى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها في أجل أدناه 45 يوما وأقصاه 90 يوما".
وأضافت:
في الأثناء تواصل حكومة إلياس الفخفاخ عملها كحكومة تصريف أعمال إلى حين انتخاب برلمان جديد تنبثق عنه حكومة جديدة، ومواصلة العمل الحكومي ستتم في حال حل البرلمان عبر مراسيم يصدرها رئيس الجمهورية بالتشاور مع رئيس الحكومة.
وأشارت كريم إلى أن مرور الحكومة الجديدة من البرلمان لا يعني بالضرورة بقاءها في السلطة، ونبهت إلى أن الدستور يمنح أعضاء مجلس نواب الشعب إمكانية سحب الثقة منها بعد تجميع الـ109 أصوات اللازمة لذلك، مشيرة إلى أن "سحب الثقة غير مرتبط بأجل محدد، أي أنه بإمكان البرلمان سحب الثقة من الحكومة حتى بعد يوم واحد من منحه إياها".
إمكانية التأويل
على الجانب الآخر، قال الخبير في القانون الدستوري عبد الرزاق المختار في حديثه لـ"سبوتنيك" إن الفصل 89 من الدستور يطرح إشكالا فيما يتعلق بتأويله.
وأوضح أن هذا الفصل ينص على أنه في حال عدم نيل الحكومة للثقة فإن "لرئيس الجمهورية الحق في حل البرلمان"، وبيّن أن صيغة "لـ" تحيل في اللغتين العربية والفرنسية على الإمكانية.
وتابع: "لكن هذا الفصل منح لرئيس الجمهورية الحق في حل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة ولم يحدد إمكانية أخرى ما فتح المجال لتأويله".
وتبعا لذلك، اعتبر المختار أن الفصل يمكن أن يحيل على ثلاث قراءات، الأولى أن يمر رئيس الجمهورية مباشرة إلى حل البرلمان في حال عدم نجاح الحكومة الجديدة في نيل الثقة.
في حين تتمثل القراءة الثانية في الإبقاء على البرلمان الحالي والسماح لحكومة تصريف الأعمال بمواصلة عملها فيما يطلق عليه بـ"تأبيد تصريف الأعمال".
أما الفرضية الثالثة، فتتمثل وفقا للمختار في إعادة تكليف شخصية حكومية جديدة وإعطائها أجلا محددا بشهر لخوض مشاورات تشكيل الحكومة.
واعتبر أستاذ القانون الدستوري أن
هذه القراءات ليست محسومة وإنما هي محاولة لشرح نص دستوري، مضيفا أن التأويل الرسمي سيبقى بيد رئيس الجمهورية.
سحب الثقة
وفيما يتعلق بفرضية سحب الثقة من الحكومة بعد التصويت عليها، قال المختار إن هذه المسألة واردة وممكنة من الناحية الدستورية، متابعًا: "لكن الإمكانيات الدستورية تبقى دائما رهينة التقييم السياسي لها"، موضحا أن تكلفة التصويت على حكومة ثم اسقاطها ستكون باهظة من الناحية السياسية وخاصة الشعبية.
وتصاعد الحديث في الآونة الأخيرة حول نية بعض الأطراف السياسية في منح الثقة لحكومة هشام المشيشي، تجنبا لفرضية حل البرلمان ثم تمرير عريضة لسحب الثقة منها بعد فترة من مباشرة عملها، في مشهد مماثل لما حصل مع حكومة إلياس الفخفاخ.
وكانت كتل برلمانية قد وقعت في منصف يوليو/ تموز 2020 عريضة لسحب الثقة من رئيس حكومة تصريف الأعمال الحالية إلياس الفخفاخ، تضمنت توقيعات كل من نواب حركة النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة وكتلة المستقبل وعدد من المستقلين، على خلفية شبهات تضارب مصالح وفساد.