منذ بداية عملية التفاوض بين الحكومة الانتقالية والحركات المسلحة السودانية في جوبا، وضعت الحركة الشعبية "شمال" بقيادة عبد العزيز الحلو شرط النص على الهوية العلمانية للدولة لكي تستكمل عملية التفاوض، الأمر الذي واجه صعوبات كبيرة، ما دفع الحركة أو جناح إلى ترك عملية التفاوض الرسمي.
استدراج للحلو
قال رئيس حركة العدل والمساواة الجديدة منصور أرباب، "أنا أفهم أن التوقيع بين رئيس مجلس الوزراء الانتقالي عبد الله حمدوك ورئيس الحركة الشعبية الجنرال عبدالعزيز الحلو، هو استدراج للحلو أكثر من أن أيٍ من الطرفين كسب نقطة في صالحه".
وأضاف لـ"سبوتنيك"، "الوضع السياسي في السودان معقد جدا، وكل هذه الاتفاقيات مصيرها الفشل إن لم تكن شاملة، فالإسلام السياسي تم فرضه من النظام البائد بقوة السلاح وانتهى بالفساد والمحسوبية، وتعميق الهوة بين مكونات الشعب السوداني وارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية، وإذا كانت العلمانية أيضا في طريقها لتفرض بالسلاح، سيكون مصيرها أيضا مصير الإسلام السياسي".
وتابع أرباب، "المطلوب هو تحقيق سلام عادل وشامل والمضي بالفترة الانتقالية بسلام واستقرار إلى أن نصل لمرحلة الانتخابات، وعندها على القوى السياسية أن تطرح برنامجها إن كانت علمانية أو غير ذلك".
من جانبه قال فتحي إبراهيم عضو لجان المقاومة بالخرطوم، إن "مطالبة الحركة الشعبية بعلمانية الدولة وإصرارها عليها كان حجر عثرة أمام عملية التفاوض في جوبا بين الحكومة الانتقالية والحركات المسلحة وعلى رأسها الحركة الشعبية التي اتخذت مسارا منفصلا ومنفردا في العملية السلمية بعيدا عن الجبهة الثورية ومساراتها ثم انشطرت إلى قسمين القسم الأكبر ظل خارج التفاوض الرسمي بقيادة الحلو، بينما انضم فريق مالك عقار للجبهة الثورية إلى أن تم التوقيع بالأحرف الأولى الأسبوع الماضي".
وأضاف لـ"سبوتنيك"، أن "الكثير من السودانيين عدا التيار الإسلامي يتقبلون العلمانية، رغم أن الكثير منهم لا يعرفون معنى العلمانية، لكنهم يتقبلونها رفضا للتيار السابق والذي يتزعمه عمر البشير (الرئيس السابق للبلاد) والذي وضع البلاد على حافة الهاوية طوال العقود الثلاث الماضية".
جذور تاريخية
وقال مصدر في الحركة الشعبية "شمال" لـ"سبوتنيك"، "نحن نبحث عن حلول للجذور التاريخية للمشكلة وفي مقدمتها ما يتعلق بالهوية الأحادية الإسلامية العروبية والتي فرضت على السودان دون أن يكون هناك اجماع حولها، حيث ظلت الأنظمة المتعاقبة على السودان خلال العقود السابقة تفرض على الشعب قوانين دينية وعنصرية، لبسط هويتها والحفاظ على سلطتها التاريخية".
وأضاف، "تلك القوانين ساهمت في وجود أجندة الإسلام السياسي في العام 1983 عندما فرضت قوانين سبتمبر/أيلول بقرار من الرئيس الراحل جعفر النميري والجبهة الإسلامية، نفس القوانين تم فرضها بعد انقلاب الجبهة الإسلامية في العام 1989، والتي مزقت السودان وأدت إلى انفصال الجنوب بعد مقتل 2 مليون جنوبي في حرب استمرت لأكثر من 5 عقود".
وأشار المصدر، إلى أن "تلك الأجندة نفسها هي التي قادت إلى المجازر في دارفور رغم أنهم مسلمون، ما يعني أن المشكلة عرقية، وفي جبال النوبة النيل الأزرق قتل منهما أكثر من 400 ألف مواطن خلال الحربين السابقين".
وأرجع المصدر تمسك الحركة الشعبية بالعلمانية إلى أنه "جاء نتيجة لما عاشته خلال السنوات السابقة والتي قادت إلى مجازر جماعية وأدت إلى انفصال جنوب السودان، حيث لم ير السودان تلك الحروب المدمرة إلا بعد مجيء الإسلام السياسي، والتي ما زالت مستمرة حتى الآن في دارفور، فالحركة الشعبية بتمسكها بالعلمانية تريد أن تتجاوز هذا التاريخ العنصري المرير، وهذا الأمر لا يمكن حدوثه إلا عندما تقف الدولة على مسافة واحدة من الجميع، إذا أردنا أن نحافظ على وحدة ما تبقى من السودان".
وأكد المصدر، أن "العلمانية تشكّل ضمان أوحد لبناء دولة قابلة للحياة، تقوم الحقوق والواجبات فيها على أساس المواطنة ووقوف الدولة على مسافة واحدة من جميع الأديان، وأشار إلى أن الحرب الأهلية الأولى قادت إلى انفصال جزء عزيز من السودان بسبب الإصرار على فرض ثوابت الأيديولوجيا الإسلام عروبية في بلدٍ يتسم بالتعدد والتنوع".
مفهوم العلمانية
أما فيصل محمد صالح مدير مكتب الجبهة الثورية السودانية بالقاهرة لـ"سبوتنيك" فقال، "العلمانية في مفهومها إن المجتمع والدولة يمثلان علاقات اجتماعية وليست علاقات دينية، والعلمانية لا تلغي الشعائر والممارسات الدينية للجميع، وتخرج السياسة والتنظيم الاجتماعي من حيز الممارسة الدينية والعكس، ما يعني فصل الدين عن الدولة".
وأشار صالح إلى أن "الكثير يصف الدولة المدنية أو العلمانية بأنها دولة كفر وهذا نتاج طبيعي لأسلمة المناهج التعليمية خلال العقود الماضية والتي رسخ لها المؤتمر الوطني، ولو نظرنا لكل الدول التي طبقت العلمانية سنجد أن كل دولة لها كيان مختلف وأسس مغايرة لأي دولة أخرى، لأن كل دولة لها موروثاتها وثقافتها ومستوى تطورها الثقافي والعلمي والتاريخي، ولا يمكن الجزم بأن مفهوم العلمانية ثابت في كل دولة".
وأشار البيان المشترك إلى أن "هذا الاتفاق جاء لمعالجة القضايا العالقة في إعلان المبادئ، ويصبح الاتفاق المشترك ملزما بعد المصادقة عليه من قبل الأطراف المعنية، ثم العودة إلى طاولة المفاوضات الرسمية على ضوء ما يتحقق من تقدم في المفاوضات غير رسمية".
يذكر أن الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، قد انسحبت من المفاوضات مع وفد الحكومة الانتقالية بالعاصمة جوبا خلال أغسطس/ آب الفائت بالعاصمة جوبا عقب اعتراضها على ترؤس قائد قوات الدعم السريع ونائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو، وفد الحكومة المفاوض، مشيرة إلى، أن قواته العسكرية تسببت في قتل مدنيين وخرق الهدنة في اوقات سابقة.
وكانت الحكومة السودان وقادة حركات الكفاح المسلح في (دارفور وجنوب كردفان و النيل الأزرق) بالإضافة إلى أحزاب وكيانات سياسة بشمال وشرق ووسط السودان قد وقعوا اتفاقية السلام بالأحرف الأولى في حفل كبير شارك فيه ممثلون عن دولة عربية وأفريقية والأمم المتحدة، في الحادي والثلاثين من أغسطس الفائت بعاصمة جنوب السودان(جوبا).
وكشفت وسائل إعلام محلية أنه فور توقيع اتفاقية السلام بالأحرف الأولى بين حكومة السودان وقادة الكفاح المسلح وغير المسلح بالعاصمة جوبا، يوم الإثنين الفائت، غادر رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك إلى العاصمة الأثيوبية (أديس أبابا) للقاء مع رئيس الحركة الشعبية عبد العزيز الحلو، للتشاور معه بهدف العودة إلى طاولة التفاوض مرة أخرى والانضمام إلى الموقعين على اتفاقية السلام الأخيرة.
وتنص الوثيقة الدستورية والتي تكونت الحكومة الانتقالية والمجلس السيادي بموجبها على أن "السودان جمهورية مستقلة ذات سيادة، مدنية، ديمقراطية، تعددية، لا مركزية، تقوم فيها الحقوق والواجبات على أساس المواطنة بدون تمييز بسبب الدين والعرق والنوع والوضع الاجتماعي".
ونصت الدساتير في السودان على مدى نحو خمسين عاما على حاكمية الشريعة الإسلامية، آخرها دستور 1973 في عهد الرئيس الأسبق جعفر النميري والذي نص على "أن الشريعة الإسلامية مصدر أساسي من مصادر التشريع".
وبعد تكوين التجمع الوطني الديمقراطي "المعارض للنظام السابق" وتوقيع ميثاقه في أكتوبر/تشرين الأول 1989 ثم انضمام الحركة الشعبية إليه عام 1990، عقدت هيئة قيادة التجمع في الخارج اجتماعا في لندن من 26 يناير/كانون الثاني إلى 3 فبراير/شباط 1992 بمشاركة الحزب الاتحادي الديمقراطي وحزب الأمة والحزب الشيوعي السوداني والمؤتمر السوداني الأفريقي والنقابات والحركة الشعبية والقيادة الشرعية للقوات المسلحة وشخصيات وطنية، وأجاز ذلك الاجتماع الدستور الانتقالي الذي يحكم به السودان، عقب الإطاحة بحكومة الجبهة الإسلامية القومية خلال فترة انتقالية.
ومنذ 21 أغسطس/ آب الماضي، يشهد السودان، فترة انتقالية تستمر 39 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات، ويتقاسم السلطة خلالها كل من المجلس العسكري، وقوى "إعلان الحرية والتغيير"، قائدة الحراك الشعبي.