يرى مراقبون أن خطوات الكاظمي تعد من المطالب الشعبية الرئيسية، التي خرج الناس إلى الشارع من أجل تحقيقها، لكن القضية ليست في طرح تلك المشاريع إعلاميا وإعطاء تحذيرات مسبقة للفساد وحملة السلاح خارج إطار الدولة والقانون.
هل هناك علاقة بين تلك العمليات وخطوات تحقيق هيبة الدولة
قال الباحث في الشأن السياسي العراقي محمد كريم الخاقاني: "بعد تكليف مصطفى الكاظمي بتشكيل الحكومة العراقية في مايو/ أيار 2020 على خلفية استقالة حكومة عادل عبد المهدي، كانت أبرز مطالب الشعب تتمحور في إجراء انتخابات مبكرة وتقديم قانون انتخابات جديد بدل السابق وتشكيل مفوضية انتخابات جديدة لا تنتمي للأحزاب".
وأضاف لـ"سبوتنيك": "علاوة على ما سبق هناك مطالب أخرى تركزت على محاربة الفساد المستشري في البلاد، حيث بدأ الكاظمي مهامه بالشروع بمعالجة ملفات تتعلق بالفساد وفرض هيبة الدولة في المنافذ الحدودية، وكان قد أوعز لقوات مكافحة الإرهاب باستلام المنافذ الحكومية والسيطرة عليها بعد زيارات قام بها إلى بعض المنافذ الحدودية في زرباطية والبصرة، لتكون تلك القوات الرادع الحقيقي لعمليات التهريب المستمرة، التي تؤثر على عملية تعظيم الواردات المالية المتوقعة من تلك المنافذ".
وأوضح الباحث السياسي: "يبدو أن خطوة المنافذ الحدودية ومحاربة الفساد، قد قللت بشكل كبير جدا من عمليات التهريب وتعظيم واردات الدولة بعد إستلام ملف إدارة المنافذ الحكومية من قبل قوات مكافحة الإرهاب، أما فيما يتعلق بملف خروج القوات الأمريكية من العراق بعد إقرار قانون من قبل مجلس النواب العراقي في كانون الثاني 2020، على أثر قضية استشهاد نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس وضيفه قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني".
وقال الخاقاني: "الجانب الأمريكي سيبدأ بوضع خطط لتقليل التواجد الأمريكي في العراق واقتصاره على الاستشارات والتدريب للقوات الأمنية العراقية، وتقديم الدعم اللوجستي لها في تعقب عناصر "داعش" الإرهابي، الذين لا يزالون يشنون هجمات متفرقة هنا وهناك على المناطق العراقية".
وأوضح: "كانت القوات الأمريكية قد سحبت قواتها من المعسكرات واقتصارها فقط على قاعدتين، الأولى في عين الأسد بالأنبار، أما الثانية في أربيل، بعد تعرضها لهجمات بصواريخ كاتيوشا بصورة متكررة، هذه التطورات دفعت القوات الأمريكية إلى إعادة انتشارها وتموضعها في تلك القاعدتين".
وأكد أن "إجراءات الكاظمي الأخيرة تصب في تعزيز هيبة الدولة وفرض قوة القانون، وخصوصا بعد استلام قوات مكافحة الإرهاب لملف المنافذ الحدودية للحد من عمليات التهريب، ومن جانب آخر، نجد أن إجراءات الكاظمي الأخيرة القاضية بتشكيل لجنة عليا لمكافحة الفساد هي خطوة جيدة لاستعادة هيبة الدولة وتقوية مركزها، إذ أصدر الكاظمي أمرا بتشكيل لجنة دائمة لمتابعة ملفات الفساد الكبرى في مختلف الوزارات العراقية برئاسة ضابط رفيع المستوى".
ولفت الخاقاني إلى أن "الاجراءات التي اتخذها الكاظمي في هذا الإطار تنسجم مع تطلعات الجمهور العراقي، الذي يرى فيه القدرة على فتح ملفات الفساد ومحاسبة كبار الفاسدين منذ سنوات طويلة، وهذا هو المطلب الشعبي الأول".
12 مليون قطعة سلاح
قال المحلل السياسي العراقي عبد القادر النايل، إن "استعادة هيبة الدولة أصبح أمر مهم وضروري في العراق بعد أن فقد العراقيين أمنهم واختطفت دولتهم لصالح المليشيات، والعمود الفقري في استعادة ذلك هو نزع السلاح المنفلت الذي يقدر بـ 12 مليون قطعة سلاح خارج نطاق الأجهزة الأمنية والعسكرية".
وأضاف لـ"سبوتنيك": "أي عملية عسكرية ناجحة لابد أن تكون بمسارين، الأول جمع معلومات كاملة عن أماكن ومخازن السلاح وأسماء الأشخاص الذين يحملونها، ولاسيما بعد الاستياء الشعبي الكبير من تلك الأسلحة ما قد يسهل مهمة القوات الأمنية والعسكرية في الكشف عن هؤلاء الذين اعتدوا على حرمة الدم العراقي والمال، وأصبحوا بندقية مستأجرة لدول إقليمية اختطفت العراق لمصالحها على حساب معاناة الشعب العراقي".
حملة الكاظمي والتصريحات الخطيرة
وتابع النايل: "بعد تصريحات قائد عمليات البصرة الخطيرة، التي قال فيها إن الحملة لن تستهدف ما اسماه سلاح الفصائل، مما عده المواطنين فشل مبكر لهذه الخطوة، والأمر المستغرب الذي سجلناه على الحملة العسكرية، أنها لم تغلق وتصادر أسواق بيع السلاح في بغداد وعموم العراق، وحجم السلاح المصادر لا يتناسب مع ضخامة الحملة والتحشيد لها، حيث تمت مصادرة السلاح الخفيف والقديم وبعض بنادق الصيد، وكميات صغيرة من المخدرات والمتفجرات، في الوقت الذي يشهد الشعب والعالم حجم السلاح الذي استعرضته الميليشيات في بغداد وكشفت السلاح الثقيل والمتوسط والصواريخ وهي موثقة إعلاميا".
وأوضح المحلل السياسي: "إن لم تستهدف حملة الكاظمي السلاح الحقيقي الخارج عن قبضة الدولة، فمن الطبيعي أن تستمر هذه التفجيرات والاغتيالات والجريمة المنظمة، وهي رد واضح على فشل الحملة العسكرية وإعادة هيبة الدولة ورسالة من دول إقليمية مثل إيران ومن هذه المليشيات، أنهم أكبر من الدولة وهم الدولة العميقة".
وحذر رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي أمس الأحد، من خطر السلاح المنفلت والاغتيالات والخطف، مؤكدا أن على العراقيين الاختيار بين الدولة أو غيابها، وأوضح أن الدولة العراقية فقط مسؤولة عن محاسبة المعتدين.
وأكد الكاظمي أن الحكومة شرعت في أولى خطوات رد الخروقات التي شهدتها تظاهرات تشرين فيما أشار إلى أن المفوضية العليا لحقوق الإنسان مدعوة إلى كشف أي شبهة تجاوز تحدث من الجهاز التنفيذي تجاه المواطنين.
وكان رئيس الوزراء العراقي شدد على ضرورة أن توفر الأجهزة الأمنية الحماية للمتظاهرين السلميين.
كما شدد على حق التظاهر السلمي، وعلى واجب القوات الأمنية في توفير الحماية اللازمة للمتظاهرين السلميين، مجددا رفضه التام للاعتداء على القوات الأمنية المكلفة بحماية التظاهرات.
كما أكد رفضه غلق الشوارع والطرقات، و"إلحاق الأذى والضرر بالمصالح العامة للدولة والمواطنين" أثناء الاحتجاجات.
وأثنى الكاظمي على "الجهود الأمنية التي تبذلها القوات الأمنية في تصديها لعصابات "داعش" الإرهابية، وأيضا جهودها في ملاحقة عصابات الجريمة، وتوفير الاستقرار والأمن في أنحاء العراق".
ويرفض المتظاهرون العراقيون، التخلي عن ساحات الاحتجاج التي نصبوا فيها سرادقات عديدة للمبيت على مدار 24 ساعة، يوميا، لحين تلبية المطالب كاملة، بمحاكمة المتورطين بقتل المتظاهرين، وسراق المال العام، وتعيين رئيس حكومة جديد من خارج الأحزاب، والعملية السياسية برمتها.
وعلى الرغم من استطاعة المتظاهرين في العراق، إقالة رئيس الحكومة عادل عبد المهدي، إلا أنهم يصرون على حل البرلمان، وتعديل الدستور، بإلغاء المحاصصة الطائفية، وإقامة انتخابات مبكرة لاختيار مرشح يقدم من الشعب حصرا حتى بعد تولي الكاظمي مقاليد الأمور والدعوة لانتخابات مبكرة.