وتسعى منى (28 سنة) الحاصلة على أول دكتوراه في علاج مرضى الزهايمر بالموسيقى، إلى مساعدة المصابين بهذا المرض على تخطي معاناتهم النفسية في ظل غياب دواء يعالجه.
فضاء حر
تقول صاحبة المبادرة لـ"سبوتنيك"، إن "غالبية من أتوا إلى هذا المقهى جاؤوا لتبادل تجاربهم مع غيرهم ممن يقاسمونهم نفس الوضعية للتحاور في فضاء عائلي، يضمن لهم الراحة النفسية والتحرر من البروتوكولات الرسمية التي تقيدهم وتكبل تفكيرهم".
وتابعت "هنا لا فرق بين مريض أو سليم، فكلنا ذوات بشرية تستحق العيش في هذه الحياة، بغض النظر عن الحالة النفسية أو الوضعية الاجتماعية للفرد".
ولأن الرعاية بمريض الزهايمر تتطلب الكثير من الصبر والمال والجهد، فإن هذا المقهى لا يقتصر فقط على استقبال المرضى القادرين على التنقل والذين لم يتخطوا المرحلة الأولى من المرض، وإنما أيضا عائلاتهم وأقاربهم.
وتوضّح منى "نقدم الدعم لأقارب المرضى من خلال توفير المعلومات الكافية عن هذا المرض وإرشادهم إلى كيفية التعامل مع المصابين به"، وتضيف أن تبادل التجارب يشعر عائلات المرضى بأنهم ليسوا وحيدين.
وصمة عار
وتؤكد الطبيبة النفسية التونسية أن الزهايمر من الأمراض التي يتحدث عنها الناس خلف الأبواب المغلقة، مضيفة أن التونسيين يتعاملون مع مريض الزهايمر على أنه "وصمة عار" ينتظرون وفاتها، وهو ما يترتب عنه عدم لجوء العائلة إلى مساعدة المريض أو عرضه حتى على التشخيص.
وبينت أن فئة كبيرة من الناس لا تفرق بين مرض الزهايمر الذي يؤثر فقط على الذاكرة، وبين الخرف الذي قد يطال أجزاء أخرى من المخ ويتسبب في تعطل وظائفها.
وقالت العيساوي إن اختيارها لإنشاء مقهى خاص بمرضى الزهايمر ناجم عن ارتفاع أعداد المصابين بهذا المرض في تونس، الذين تجاوزوا 100 ألف مريض، فضلا عن عجز العديد من العائلات عن التكفل بمصاريف العناية بمرضاهم داخل مراكز الرعاية، التي تستنزف أموالهم وتجني من ورائهم أرباحا خيالية.
العلاج بالموسيقى
وإلى جانب حلقات النقاش، تعتمد منى العيساوي أسلوب العلاج بالموسيقى لمساعدة المرضى على تخطي معاناتهم، والتخفيف من ضغوطهم النفسية.
تقول منى إن "الأدوية لا تفيد مريض الزهايمر بل قد تفاقم من معاناته وتسبب له مضاعفات جانبية على مستوى السلوك"، مضيفة أن العلاج بالموسيقى يساعد على التعايش مع المرض وإبطاء سرعة تقدمه.
وأوضحت أن البحوث العلمية أثبتت أن للموسيقى تأثيرا إيجابيا على الأعصاب، فهي تساعد على تنشيط وظائف الدماغ والتخفيف من السلوكيات الجانبية ومظاهر القلق لدى المصابين.
رحلة العلاج المتنقلة
وعلى عكس بقية المراكز الطبية التقليدية، اختارت منى أن تتنقل بمقهى الزهايمر إلى المناطق النائية وأن تجوب به مختلف ربوع الجمهورية التونسية، حتى تضمن العناية اللازمة للمرضى الذين تمنعهم ظروفهم الاجتماعية الصعبة عن التنقل إلى العاصمة.
وقالت منى إنها فوجئت بالإقبال الكبير الذين لقيته في أول يوم من افتتاحها للمقهى، رغم الظروف الوبائية الناجمة عن استفحال فيروس كورونا. وبينت أنها لم تتمكن من استقبال جميع الأشخاص الذين طلبوا الحضور وذلك ضمانا لسلامتهم والتزاما بقاعدة التباعد الجسدي.
وتابعت "يجد الناس عادة صعوبة في الإفصاح عن هذا المرض، لكن الجلوس في مكان مفتوح وتبادل الحديث مع أناس يشاركونك نفس المعاناة والتحدث معهم بلهجتهم العامية البسيطة بعيدا عن المفردات الطبية الصعبة يجعل الأمر مختلفا".
وأشارت إلى أن مقهى الزهايمر المتنقل يرتكز على فكرة أن المقهى هو من يتنقل إلى المرضى وليس العكس، خاصة وأن معظم سكان المناطق النائية يجدون صعوبة في تقبل فكرة العلاج.
وتطمح منى إلى أن يصل مقهاها إلى جميع المتساكنين ممن ذاقت بهم سبل الحياة، وأن تسهم في تغيير عقليات الناس ونظرتهم إلى مرضى الزهايمر وأن تكون ذاكرة متنقلة لمن أفقدهم المرض ذكرياتهم.