يرى مراقبون أن الجولة الجديدة من المفاوضات تأتي في ظل أجواء مختلفة وضغوط دولية صريحة من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، أعطت الحق لمصر في أن تتخذ ما تراه للحفاظ على مصالحها حال استمرار التعنت الإثيوبي.
ويرجحون أنه قد يحمل رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، رسالة من القاهرة إلى أديس أبابا تؤكد أن مصر لن تفرط في حقوقها المائية رغم تمسكها بالمفاوضات.
تأكيد حقيقة
قال مستشار وزير الري المصري الأسبق الدكتور ضياء الدين القوصي، إن الرئيس الأمريكي ألقى بحجر في بِركة من الماء الراكد بشأن مفاوضات سد النهضة، "قد نتفق أو نختلف حول تصريحاته، وفي اعتقادي أن تصريحه لم يكن ضروريا وإنما العالم يخشى القوي".
وأضاف لـ"سبوتنيك"، أن ترامب عندما تحدث لم يكن يؤكد حقيقة ضرب المصريين للسد أم لا، إنما كان يؤكد حقيقة أهم وهى أنهم لو قاموا بضرب سد النهضة فإن العالم لن يتحرك نتيجة التعنت الإثيوبي على مدى عقد من الزمان، ومع ذلك فإن المفاوضات ستبدأ من جديد، و"أتمنى من الوسطاء يكونوا وسطاء وليسوا مراقبين".
النتائج المتوقعة
وتابع مستشار وزير الري: "ما أعلمه أن الدول الثلاث سوف يجلسون على مسودة قديمة بعد أن يتم تنقيحها للوصول إلى حلول ترضي جميع الأطراف، وأعتقد أنه لن يحدث أن تصل الأطراف إلى نتيجة، وما أتمناه هو تحول المراقبين لتلك المفاوضات إلى وسطاء ويقومون بتقديم ورقة عمل يتم مناقشتها مع الدول الثلاث، وإذا لم تستجب إثيوبيا لتلك الورقة، هنا يتحول كلام ترامب حول ضرب السد إلى حقيقة، ويكون للمصريين الحق المطلق في استخدام القوة".
وأكد القوصي أن
مصر لن تجوع وتعطش من أجل التنمية في إثيوبيا، حيث أن كل مليار متر مكعب نقص في حصة مصر يضيع أمامه مئات الآلاف من الشعب المصري من الجوع والعطش، ويتصور لو أن هناك ورقة من المراقبين والذين يمثلون العالم على غرار التي تقدمت بها الولايات المتحدة في واشنطن يمكن أن تصل إلى حل.
زيارة البرهان
وحول زيارة البرهان إلى إثيوبيا وإمكانية لعب السودان دور الوسيط قال القوصي، إن ذهاب البرهان إلى إثيوبيا قد يكون للوساطة أو قد يكون دور من يقوم بتوجيه نصائح بأنه ليس هناك بعد ما حدث من إثيوبيا، حيث يتوقع أن تقول الرسالة السودانية: "إذا لم نتفق قبل الملء الثاني فإن مصر ستكون لها مواقف أكثر حسما".
تصريحات صادمة
وفي نفس السياق قال خبير المياه والرئيس الأسبق لقطاع مياه النيل بوزارة الري المصرية، إن "تصريحات الرئيس الأمريكي بشأن سد النهضة كانت مفاجئة وغير متوقعة وصادمة للإثيوبيين".
وأضاف لـ"سبوتنيك"، "تلك التصريحات الأمريكية حركت المشهد المتوقف منذ فترة، مشيرا إلى أن زيارة عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، جاءت بدعوة من رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بعد زيارة البرهان للقاهرة، مشيرا إلى أن هناك تحركات دولية لتحريك المشهد، حيث طلب الاتحاد الأوروبي من الدول الثلاث العودة إلى التفاوض".
أجواء مختلفة
وتابع مطاوع أن "الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن بعيدة عما يجري منذ اتفاق واشنطن الذي لم توقع عليه أديس أبابا في فبراير/ شباط 2020، مؤكدا أن السودان لا تلعب دور الوسيط فقط ولكنها في الوقت ذاته صاحبة مصلحة في التوصل إلى حلول".
وأكد خبير المياه أن
الواقع الذي تدور فيه المفاوضات اليوم يختلف كليا عما كان عليه الحال قبل شهرين، نتيجة التصريحات الأمريكية التي أثارت غضب إثيوبيا.
دور سوداني جديد
قال اللواء حاتم باشات وكيل جهاز المخابرات العامة المصرية الأسبق ورئيس لجنة الشؤون الأفريقية في البرلمان: "لدي شعور بأن هذه الجولة من المفاوضات بشأن سد النهضة يمكن أن يكون بها نوع من الحماس لإحراز تقدم في تلك الجولة من الجانب السوداني بشكل خاص نتيجة التغير في العلاقات الأمريكية السودانية".
وأضاف في تصريحات سابقة لـ"سبوتنيك" أن "الخرطوم تريد أن تثبث للإدارة الأمريكية أن بإمكانها لعب دور وسيط لحل هذه القضية، وفي نفس الوقت تريد واشنطن إعطاء دور للسودان بعد التطورات الأخيرة في العلاقات بين واشنطن والخرطوم، لكن هذا الدور محكوم باشتراطات معينة".
وتابع باشات: "أنا دائما متفائل بشأن تلك القضية المتعلقة بسد النهضة، لكنني غير مسرف في التفاؤل بسبب التصريحات سواء تصريحات ترامب بإعطاء الضوء أو إيهام بإمكانية ضرب السد وإعطاء دور للجانب السوداني، فقد تعلمنا من دروس التاريخ بأن لا نسرف في التفاؤل بشكل زائد عن الحد، وأن نتحسب دائما المواقف المصرية تجاه قضاياها من خلال العقل".
وأكد وكيل المخابرات المصرية أن "مصر تخطت مرحلة التشاؤم منذ عدة سنوات بعدما أثبتت قدرتها في المنطقة والتغيرات التي تحدث فيها سواء على المستوى الاقتصادي أو العسكري، وهذا الأمر يتم ترجمته على أرض الواقع بالدور الذي تلعبه مصر على المستوى الإقليمي بشكل كامل، ولديها المقدرة على تخطي أي أزمات ولكن دون إفراط في التفاؤل".
بدأ رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق أول عبدالفتاح البرهان، اليوم الأحد، زيارة إلى إثيوبيا تستغرق يومين يبحث خلالها مع القادة الإثيوبيين العلاقات الثنائية وعدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك.
تأتي زيارة الفريق أول البرهان لإثيوبيا بعد زيارته لمصر الثلاثاء الماضي، على رأس وفد يضم وزير الخارجية المكلف ومديري الاستخبارات العامة، وهيئة الاستخبارات العسكرية.
إلى ذلك تستأنف اليوم الأحد، برعاية الاتحاد الأفريقي، المفاوضات لحل الخلافات حول ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي، بحضور وزراء المياه في مصر، والسودان وإثيوبيا، بهدف التوصل لاتفاق ملزم تطالب به مصر السودان، احتراما لاتفاق المبادئ الموقع بين الدول الثلاثة عام 2015، وعدم مسوغ قانوني لمحاولات إثيوبيا الرامية إلى إقحام اتفاقية مياه النيل في مفاوضات سد النهضة.
وأوضح بيان صادر عن وزارة الري والمياه السودانية أن المفاوضات التي تبدأ اليوم الأحد، ستتركز على وضع جدول أعمال واضح ومفصل وفق جدول زمني محكم ومحدد لمسار التفاوض وقائمة واضحة بمخرجات الجولات السابقة التي يجب التوصل إليها، بما يمكن الاستعانة بالمراقبين والخبراء وبطريقة مغايرة للجوالات السابقة.
وتوقفت المفاوضات بين مصر والسودان وأثيوبيا منذ آب/ أغسطس الماضي، والتي تمت تحت رعاية الاتحاد الأفريقي. ولم تنجح تلك المفاوضات في التوصل إلى اتفاق بين الدول الثلاثة، وانتهت عقب إعلان أثيوبيا انتهاء مرحلة الملء الأول للسد.