بنغازي- سبوتنيك. نادر الشريف. في حديث لوكالة "سبوتنيك" مع عدد من المسؤولين والمحليين السياسيين الليبيين، حول آخر المستجدات السياسية والتحركات الدولية والإقليمية تجاه الملف الليبي، رأى معظمهم أن حكومة "الوفاق" تسعى لتعاون تركي روسي مصري لرسم خارطة طريق تجنب انفجار الوضع.
والأحد الماضي، وفي زيارة هي الأولى منذ 6 أعوام، أجرى وفد أمني مصري، محادثات في العاصمة الليبية طرابلس، واجتمع مع وزيري الداخلية والخارجية بحكومة "الوفاق".
والأربعاء، زار وزير الخارجية بحكومة "الوفاق" محمد الطاهر سيالة موسكو بدعوة من نظيره الروسي سيرغي لافروف، لبحث مستجدات الأوضاع السياسية والعسكرية على الساحة الليبية.
الإبقاء على قناة التواصل مع موسكو
واعتبر المحلل السياسي والناطق الإعلامي باسم نازحي مدينة ترهونة (غرب)، أحمد عبد الله المهدوي، في حديث لوكالة سبوتنيك، أنه يمكن قراءة زيارة سيالة إلى موسكو "في إطار حرص الوفاق على عدم إغلاق قناة التواصل مع موسكو ومحاولة لاستمالة روسيا لسحب تأييدها (لقائد الجيش اللييي المشير خليفة) لحفتر".
وأضاف المهدوي، أن "سيالة يبحث عن تعاون تركي روسي مصري لرسم خارطة طريق تجنب الوفاق المسؤولية عن الانتهاكات وإهدارها للمال العام"، على حد قوله.
وأعرب عن قناعته بأن "هذه الزيارة جاءت في وقت حرج حيث أن المعطيات على الأرض تشير إلى انفجار الأزمة وخرق الهدنة وعودة الحرب في محيط سرت الجفرة خصوصا مع تصاعد وتيرة التوتر والتصعيد الخطابي والعسكري التركي الداعي إلى إخراج قوات الجيش من مناطق النفط".
زيارة الوفد المصري
وحول زيارة الوفد المصري لطرابلس، قال المهدوي إنها "جاءت في وقت تواجد الأتراك في طرابلس، معتبرا أن الزيارة انطوت على دلالتين، الأولى إثبات وجود الخط الأحمر والثانية انفتاح القاهرة على جميع الأطراف في ليبيا وأيضا هناك تنسيق مصري روسي لتجنيب المنطقة الدخول في الحرب".
وسبق أن أكدت مصر على لسان رئيسها عبد الفتاح السيسي، على أن "التدخلات الأجنبية في ليبيا أسهمت في بناء ملاذات آمنة للعنف والإرهاب".
وشدد السيسي خلال زيارة للمنطقة العسكرية الغربية بمحافظة مرسى مطروح، غربي البلاد في يونيو/حزيران من العام الماضي على أن "أي تدخل مباشر للدولة المصرية باتت تتوفر له الشرعية الدولية"، معتبرا أن تجاوز قوات الوفاق أو ما وصفها بالمليشيات منطقتي سرت والجفرة "خطر أحمر" لمصر.
دعم الحل السياسي
من جهته، اعتبر نائب رئيس المجلس الأعلى للقبائل الليبية رئيس قبيلة الزوي، السنوسي الحليق الزوي، في تصريح لوكالة سبوتنيك، أن زيارة سيالة لموسكو كانت لإيجاد حل للأزمة الليبية.
وأشار إلى أن سيالة طلب خلال الزيارة كل الأطراف الدولية إلى الدعوة إلى التسوية السلمية والمساعدة في خروج المقاتلين الأجانب من البلاد.
وتابع "طلب سيالة من روسيا دعم الاتفاقيات المبرمة ضمن إطار المفاوضات بلجنة 5+5 بين الفرقاء الليبيين تحت رعاية الأمم المتحدة وكل هذا مقدر وتحليل واقعي لواقع الوضع في ليبيا".
يُذكر أنّه بعد جولات تفاوضية عديدة بين الطرفين على مدار الأعوام الماضية، توصل المشاركون في اللجنة العسكرية الليبية المشتركة المعروفة بلجنة 5+5، خلال محادثات في جنيف في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، إلى عدد من الاتفاقات أبرزها فتح الطرق واستئناف الحركة الجوية المنتظمة بين طرابلس وبنغازي، ووقف دائم لإطلاق النار في عموم الأراضي الليبية.
وأضاف الزوي "نتابع التحركات الدولية المستمرة خلال الفترة الأخيرة بشأن الملف الليبي وتفعيل العلاقات الدبلوماسية مع الوفاق وتكثيف المساعي الإقليمية والتحركات الدولية في الأيام الأخيرة والتي تسير كلها في اتجاه الدعوة إلى وقف العمليات القتالية مقابل دعم الحل السياسي بشأن الملف الليبي".
واعتبر أن "هذه التحركات على مسار الحوار السياسي الليبي سيكون لها تأثيرات إيجابية تشهدها عواصم عربية وغربية أدت إلى وقف إطلاق النار في ليبيا ودعم كل المسارات التفاوضية للوصول لتسوية سياسية شاملة في ليبيا لإنهاء التصعيد العسكري".
تقارب روسي مع "الوفاق"
وفي سياق متصل، رأى المحلل السياسي الليبي، فرج فركاش، في تصريح لوكالة سبوتنيك، أن زيارة سيالة إلى موسكو تأتي في إطار تقارب أكبر بين روسيا وحكومة "الوفاق".
ولفت إلى أن الزيارة جاءت بعد حل أزمة المواطنيْن الروسييْن المحتجزين لدى أحد الأجهزة الأمنية التابعة للوفاق، واللذين تم إطلاق سراحهما منذ نحو 3 أسابيع.
وأضاف أن الزيارة "هي بالتأكيد مبرمجة مسبقا والدعوة لسيالة لزيارة موسكو كانت معلومة ومتداولة حتى قبل زيارة الوفد المصري إلى طرابلس".
وأكد فركاش على أن "الحل السياسي لن يمر إلا عبر روسيا وتركيا".
وتابع ": ربما سنرى تحول البعثة الأممية إلى خطة باء القاضية بترميم الرئاسي الحالي وحكومة وحدة وطنية منفصلة تحظى بقبول الأطراف الفاعلة على الأرض".
وقال إن البعثة قد تركز على تهيئة الأجواء للانتخابات بمساعدة ملتقى الحوار السياسي الذي سينحصر دوره على التركيز على إيجاد القاعدة الدستورية للانتخابات.
قفزة نوعية في سياسة مصر
ووافقهم الرأي المحلل السياسي الليبي صلاح عياد العبّار، الذي قال في تصريح لـ"سبوتنيك"، إن "زيارة سيالة تندرج تحت العمل السياسي الواقعي، وهذا يحسب لهم فلا يجب الانغلاق والتقوقع".
وأضاف أن "روسيا ستدعم المجهود السياسي وهذا يحافظ على تحالفاتها في المنطقة وأيضا ما يربطها من تعاون مع القيادة العامة للجيش الليبي في مجال التدريب والتسليح".
وأشار إلى أن "دولة كبرى مثل روسيا لم تدخل بثقلها في ليبيا بل كانت حذرة جدا في خطواتها لحساسية المنطقة ونفوذ بعض الدول الأخرى".
واعتبر العبّار أن زيارة الوفد المصري لطرابلس تمثل "قفزة نوعية في السياسة الخارجية لمصر".
وأوضح في هذا الصدد أن "مصر سبق وتطرقت لفن الممكن في السياسة والذهاب مباشرة للتحاور والمشاركة في صنع المشهد سياسيا ودعم أي جهود ترمي إلى حل يرضي الجميع".
وشدد العيار على أن "من حق مصر أن تكون حدودها آمنة"، مؤكدا أن القاهرة "لا تزال حليفا قويا للجيش العربي الليبي والقيادة العامة وما زالت خطوطها الحمراء محترمة منذ تاريخ إعلانها".
ولفت إلى أن "ما يحدث من زيارات توضح أن هناك خطا معينا يتم التعامل معه سياسيا لحل الأزمة بشكل مباشر بين الأطراف الداعمة للأحداث في ليبيا".
وبحسب العبار، فإن "تأثير زيارة الوفد المصري هو بداية تنسيق سابق انبثق منه اتفاق 5+5 وبدعم أممي وأمريكي".
وأكد المحلل السياسي الليبي أن "مصر مهمة جدا إقليميا ووجودها أمر واقع لا تستطيع أن تتجاوزه تركيا أو غيرها".
وختم بتاكيده على أن "تحرك مصر سيؤثر على حكومة الوفاق ويخلق صفوف جديدة للخروج من الأزمة حسب السياسة التي تتبعها مصر الآن من عدم عزل نفسها في أي تحرك وتقارب".
وتقود البعثة الأممية، منذ فترة، حوارًا سياسيا ليبيا، من أجل التوصل إلى اتفاق لحل الأزمة، وتشكيل حكومة ومجلس رئاسي جديد.
وتشهد ليبيا انقساما حادا في مؤسسات الدولة، بين الشرق، ويلعب فيه رئيس مجلس النواب عقيلة صالح وقائد الجيش المشير خليفة حفتر الدور الأكبر، والقسم الغربي من البلاد الذي يديره المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا برئاسة فائز السراج، والمدعوم بقوة من تركيا.
وخلال زيارته الأربعاء الماضي إلى موسكو قال سيالة في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف، إنه طلب من روسيا دعم الاتفاقات المبرمة ضمن إطار المفاوضات بصيغة 5+5 بين الفرقاء الليبيين تحت رعاية الأمم المتحدة بشأن انسحاب المقاتلين الأجانب من البلاد.
وحذر سيالة من أن الخطوات التي اتخذت تحت ذريعة "محاربة الإرهاب" أوصلت ليبيا إلى الوضع القائم وأدت إلى اندلاع صراعات دولية في أراضيها.
وبعد يوم واحد من زيارة وفد مصري رفيع المستوى إلى طرابلس للمرة الأولى منذ عام 2014، حيث التقى مع مسؤولين أمنيين وسياسيين، أعلنت وزارة الخارجية بحكومة الوفاق الليبي، الإثنين الماضي عن اتصال هاتفي جمع وزير الخارجية المصري سامح شكري بنظيره الليبي محمد سيالة لمناقشة التعاون في حل الأزمة.
وهذه أول اتصالات تجري على هذا المستوى الرسمي بين القاهرة وطرابلس منذ بدء حفتر حملة عسكرية للسيطرة على العاصمة الليبية في نيسان/أبريل 2019.
وجاءت هذه الزيارة بعد أسبوع من زيارة قام بها رئيس المخابرات العامة المصرية، اللواء عباس كامل، إلى مدينة بنغازي (شرق)، ولقائه المشير خليفة حفتر، ورئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح، وبعد أيام من اجتماع مصري ليبي في القاهرة بين اللجنة الوطنية للأزمة الليبية وشخصيات من جنوب ليبيا.