الأحداث السريعة التي وصفت بـ"السابقة الأولى" من نوعها في أمريكا، هددت بطريقة أو بأخرى، أو لمدة ساعات على الأقل، الدولة التي تربعت على عرش أحد أكبر "القوى العظمى في العالم" واللاعبين الأساسيين في حلبة الشطرنج السياسية المعقدة في الأماكن الأكثر سخونة في العالم.
جماعات "متطرفة" دعمت الأطراف الأمريكية
المشهد الأكثر إثارة في الأحداث لم يكن المظاهرات بحد ذاتها، ولا أحداث العنف التي رافقتها، بل كانت "الجماعات" التي وصفتها وسائل الإعلام الأمريكية بـ"المتطرفة" التي دعمت طرفي النزاع خلال الانتخابات الأمريكية الأخيرة.
وبحسب وسائل الإعلام الأمريكية، قادت جماعة متطرفة أطلقت على نفسها اسم "براود بويز" أو "The Proud Boys" أمس عملية اقتحام بناء الكونغرس، وأشارت وسائل الإعلام الأمريكية إلى أن الجماعة بدأت نشاطا ملحوظا منذ العام الماضي، بعد أن طلب الرئيس دونالد ترامب من الجماعة "الوقوف إلى جانبه" خلال مناظرة رئاسية، وهو طلب احتفل به الأعضاء، حيث اشتبكت المنظمة المتطرفة، بحسب "الواشنطن بوست"، أكثر من مرة مع ناشطين من التيار اليساري.
قال زعيم جماعة "براود بويز" إنه "يتوقع المزيد من الاضطرابات في أمريكا.. سيعود الناس إلى هنا من أجل التنصيب.. قد نظهر لم نقرر بعد ".
وبالمقابل، وقع دونالد ترامب سابقا على أمر تنفيذي طالب من خلاله وزير الخارجية مايك بومبيو "تقييم تصرفات نشطاء أنتيفا"، ومنع أعضائها من دخول الولايات المتحدة، ومعرفة ما إذا كان يمكن تصنيفها على أنها منظمة إرهابية.
وتصنف "أنتيفا" على أنها حركة "مناهضة للفاشية" ومن الجماعات المتشددة ذات الميول اليسارية المتطرفة والمعروفة أيضًا بمواجهة المتعصبين للبيض واستخدام تدابير عدوانية لترهيب من يعتبرونهم سلطويين أو عنصريين، بحسب الصحف الأمريكية.
وكان السكرتير الصحفي للبيت الأبيض أشار في بيان له إلى أن "نشطاء أنتيفا هاجموا بوحشية أصدقائنا (مناصري ترامب) وجيراننا وأصحاب الأعمال الملتزمين بالقانون، ودمروا معالم تاريخية تعتز بها مجتمعاتنا منذ عقود".
لكن مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، كريس راي، أشار إلى أن "أنتيفا" هي أيديولوجية وليست منظمة، تعليقا على محاولة الرئيس ترامب وأنصاره تصنيفها كمنظمة إرهابية.
تذكرنا مشاهد اقتحام الكونغرس وغضب المواطنين وهروب رجال الشرطة والتقارير التي تتحدث عن تواجد هذه المجموعات المتشددة بمشاهد سابقة ليست بعيدة عن مخيلتنا العربية، حيث انتشرت سابقا ومنذ بداية ما أطلق عليه "الربيع العربي" مشاهد اقتحام المؤسسات الحكومية وهتافات البعض والمطالب بتحقيق العدالة، وبالرغم من اختلاف المشهد وطبيعته، إلا أن وسائل الإعلام الغربية في وقتها، بمختلف توجهاتها، لم تدع من خلال منصاتها المختلفة لمنع العنف، بل كان لبعضها دورا سلبيا بتشجيع الحكومة الأمريكية على تنفيذ ضربات عسكرية في الكثير من هذه الدول كسوريا والعراق وغيرها على سبيل المثال لا الحصر.
هذا الحدث "اقتحام الكونغرس"، هو مؤشر على أن أمريكا ليست "استثناء" كما روج لها سابقا، الدول يمكن أن تشهد أحداث عنف ناتجة عن التغطية السلبية لوسائل الإعلام والتعاطي الخاطئ مع وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما حدث في البلدان العربية من تونس إلى ليبيا إلى سويا والعراق وغيرها، وهو مشابه لحد كبير بما حدث أمس في واشنطن.
"وحش أمريكي فريد".. ليس من "العالم الثالث"
كتبت الإعلامية الأمريكية، أروا ديمون، مقالا مهما على شبكة "سي إن إن" حمل عنوان "لم يكن حصار الكابيتول الأمريكي أزمة دولة من العالم الثالث. كان هذا وحشا أمريكيا فريدا"، هذا المقال هو دعوة صريحة من الكاتبة الأمريكية لمراجعة سياسات بلادها في دول العالم ومنها العالم العربي.
اعتبرت الكاتبة أن الأحداث التي شهدتها أمريكا لا تشبه ما يحدث في بلدان "العالم الثالث.. الأماكن التي غالبًا ما تتدخل فيها الولايات المتحدة أو تغزوها تحت شعار إحلال الديمقراطية، حتى لا ننسى"، على حد تعبيرها.
ونوهت إلى التشابه بين مشاهد الاقتحام مع بعض الشاهد في الدول العربية مثل العراق وليبيا ومصر، لكنها أشارت إلى أن ما يحدث في أمريكا هو "فريد من نوعه.. إنه وحش هذا البلد، تماما مثل الوحوش في أي مكان آخر، والذي يسمح له بالوجود من خلال من خلال الدعم - العلني أو الخفي - من الولايات المتحدة والغرب"، بحسب الكاتبة.
وأشارت الكاتبة إلى أن مشاعر الخوف الشديد التي شعر بها الأمريكيون، هي مجرد "لمحة موجزة عن الخوف والعنف الذي يسيطر على شعوب البلدان الأخرى الذين يموتون باسم الديمقراطية والحرية... ومدى ضعف نسيج المجتمع (الأمريكي)".
وقالت الكاتبة: "الدعم المستمر للطغاة (في بعض البلدان) يكشف عن القبح داخل الولايات المتحدة نفسها.. تتجسد الحقيقة في قتل الأمريكيين السود، وفي وحشية الشرطة والعنصرية المنهجية".
بالرغم من المقال الرائع الذي طالبت به الكاتبة الأمريكية مراجعة سياسات بلادها ودعمها للحركات الديمقراطية، إلا أن الكاتبة يجب أن تعلم أيضا أن الشعوب مختلفة بعاداتها وتقاليدها وتجربتها السياسية أيضا.
الديمقراطية التي روجت لها أمريكا على مدى سنوات هي نتاج فكر ونتاج تجربة أمريكية فريدة لكنها ليست الأمثل، ويحق لكل مجتمع خوض تجربته الخاصة والوصل إلى نظام سياسي ينسجم مع بيئته وجذوره الثقافية والتاريخية.
النظيم السياسة في البلدان يجب أن تكون ناتجة عن حراك داخلي فقط من دون أي محاولات لفرضها من الخارج، وجميع الشعوب قادرة على الوصول إلى ديمقراطية ونظم سياسية جيدة لكنها تحتاج للوقت والاستقرار لتتبلور لدى فئاتها الثقافية والفكرية والمجتمعية.
إن فرض التجربة الديمقراطية الأمريكية على الشعوب الأخرى، كان وسيلة ضغط أمريكية لفرض سياسات محددة في بعض البلدان، وكان لها آثار كارثية وصلت لشن حروب عنيفة مثل حرب العراق وليبيا وغيرها من التجارب المؤلمة التي شهدها العالم العربي، إن من حق الشعوب بناء تجربتها السياسية الفريدة ونظامها الاجتماعي الفريد من دون فرض أي فكر ديمقارطي تروج له أي دولة أخرى.
المقال يعبر عن رأي كاتبه فقط