يرى مراقبون أن التظاهرات الأخيرة في الناصرية اتخذت تكتيكا جديدا حيث اعتمدت أسلوب قطع المناطق وعزلها بواسطة الإطارات المحترقة، واليوم قطعت معظم الأحياء في الناصرية، وكذلك في بعض الأقضية والنواحي في المحافظة، بهدف الضغط على السلطات، وإيقاف عمليات الاعتقال والاستهداف ضد الناشطين، كما أن استمرار العمليات الأمنية وسقوط قتلى وجرحى قد يمثل دافعا جديدا للمتظاهرين ويحفزهم على التصعيد.
يقول المحلل السياسي العراقي عبد القادر النايل: "إن مظاهرات الناصرية التي تجددت هي امتداد حقيقي لثورة أكتوبر/تشرين، لأن من فجرها هم ذاتهم الذين صمدوا وقدموا تضحيات جسيمة منذ انطلاقتها وكانوا إمناء على دماء الشباب الذين سقطوا برصاص القوات الحكومية ومليشياتها، ولا سيما سرايا السلام التابعة لمقتدى الصدر، سواءا كانوا أيام القبعات الزرقاء أو ما يحدث الآن على أياديهم من اختطاف واعتقال واغتيال الناشطين في الناصرية، وقد رأى الجميع كيف اعتقل الكاظمي أحد ضباط الجيش الذي رفض القتل المتعمد ضد المتظاهرين السلميين".
وأضاف لـ"سبوتنيك":
"إن ما يحدث في الناصرية هو تطور مهم في مراحل الاحتجاج الشعبي، وانتقال جديد لمرحلة جديدة ستكون فيها أحداث تصعيدية أشد خطورة على الأحزاب الشيعية التقليدية وعلى عموم المحور الإيراني، ولذلك وصفها المقرب من إيران هادي العامري بأنها فتنة تشرين، وليست ثورة تشرين، وهذا يعكس شعورهم بالخطر بأن ثوار تشرين من المتظاهرين هم بدلاء المحور الإيراني وميليشياتها في العملية السياسية الحالية، لذلك جميعهم يتواطئون مع استهدافهم ويشاركون قمعهم، وحتى حكومة الكاظمي أصبحت تتستر على الجريمة المنظمة ضد المتظاهرين السلميين" حسب قوله.
معقل لجميع الأحزاب
وأشار المحلل السياسي إلى أن "الناصرية معقل حقيقي لجميع الأحزاب التي شهدها العراق في القرن المنصرم، وهي رأس الرمح في ثورة تشرين، وتمتلك القوة العشائرية والتنظيمية والسياسية في انتزاع قيادة المناطق الجنوبية، وهي تحظى بمكانة كبيرة في المحافظات الجنوبية، وعندما تنطلق شرارة الثورة فإن جميع المحافظات ستتبعها، ولذلك همي شددون قبضتهم في قمعها وهذا القمع سيولد انفجارا شعبيا قادما لا محالة، لذلك الأيام القادمة حبلى بالمفاجآت التي لن تسر المحور الإيراني، لأن الشعوب في النهاية هي من ستنتصر".
رفض لسياسات الحكومة
من جانبه قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، السفير السابق في الخارجية العراقية، الدكتور قيس النوري، إن "عودة الاحتجاج في مدينة الناصرية تأكيد على استمرارية رفض الشارع العراقي لسياسات حكومة المنطقة الخضراء، وتأكيد على أصالة وعمق الحراك الشعبي وفشل السياسات والإجراءات الترقيعية لاحتواء الغضب ورفض الشارع لها".
وأضاف في تصريحات سابقة لـ"سبوتنيك":
"ما يجري في العراق يجسد بوضوح أن الشعب لن يقبل بغير التغيير الشامل لمنظومة الحكم التي أوصلت البلاد إلى ما هي فيه من سوء إدارة ومحاصصة طائفية مرفوضة، وسرقة المال العام ومنهج الإفقار الذي يعاني منه المجتمع العراقي".
وتابع النوري: "لذلك فإن حراك مدينة الناصرية إنما هو تعبير عن موقف شعبي يمثل كل مدن العراق، وهو مرشح لأن يعيد للحراك في بغداد وباقي المدن العراقية الأخرى زخمه السابق، الذي واجه عنف السلطة التي لم تتورع في استخدام الرصاص الحي في محاولة احتوائه، وأسفر عن سقوط مئات الشهداء وآلاف الجرحى".
وأكد أن الناصرية اليوم تعبر برمزية عالية عن ثورة شعبية سلمية فريدة تتحدى ببطولة نادرة قمع سلطة دموية، هذه الثورة بهذا الإصرار النادر وبرغم التضحيات الجسمية لابد لها من الانتصار على القوى الظلامية الفاسدة.
وكانت الحكومة الاتحادية في بغداد قد شكلت، مطلع الشهر الماضي، خلية لإدارة الأزمة في ذي قار مؤلفة من كبار المسؤولين في الأجهزة الأمنية، وعينت مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي رئيسا لها.
واندلعت التظاهرات من قرب ساحة الحبوبي، والمناطق القريبة منها، احتجاجا على اعتقال الناشطين، والتضييق الحاصل في الساحة، قبل أن تتحول إلى صدامات مع القوات الأمنية، التي أطلقت الرصاص الحي في الهواء لمنع المتظاهرين من الوصول إلى ساحة الحبّوبي.
وتشهد المحافظة، منذ يومين، احتجاجات واسعة، للتنديد باعتقال السلطات المحلية الناشط في الاحتجاجات الشعبية إحسان أبو كوثر، وملاحقة آخرين.
وأعلنت وزارة الصحة والبيئة، أولأ مساء السبت، إرسال جرحى التظاهرات من الحالات المعقدة للعلاج خارج العراق.
والشهرالماضي، أبرم اتفاق بين الحكومة العراقية والمتظاهرين في المحافظة بشأن إنهاء الاحتجاجات، مقابل عدم ملاحقة المتظاهرين غير المتورطين بأعمال عنف، والتعاون مع القضاء لإطلاق سراح المعتقلين، والسماح بعودة الاعتصامات وقتما شاء المتظاهرون.
وانطلقت شرارة الاحتجاجات في الأول من تشرين الأول/أكتوبر 2019 بشكل عفوي، ورفعت مطالب تنتقد البطالة وضعف الخدمات العامة والفساد المستشري والطبقة السياسية التي يرى المتظاهرون أنها موالية لإيران أو الولايات المتحدة أكثر من موالاتها للشعب العراقي.