تدافع الحكومات الغنية لتأمين كميات وفيرة من اللقاح بغرض إنهاء الوباء داخل حدودها ووضع حد للضغوط التي شكلها على الاقتصاد، خلق مخاوف كبيرة بأن الدول الفقيرة ستتخلف في سباق الحصول على اللقاح الذي من شأنه إنهاء معاناتها الصحية والاقتصادية، وهو ما يعني أضرارا أكبر لها، خاصة أن البلدان النامية تفتقر للمقومات الطبية والمالية للعبور من الأزمة بخلاف نظيرتها الغنية.
في الشهر الماضي قال وزير خارجية بريطانيا، دومينيك راب، إن العالم أصبح على بعد خطوة واحدة من الوصول إلى نهاية فيروس كورونا المستجد، الذي تسبب في إصابة أكثر من 100 مليون شخص، وأكثر من 2.3 مليون حالة وفاة، وذلك مع بدء اعتماد لقاح شركة "أسترازينيكا". لكن الوزير لم يحدد موعدا ذلك، وهو أمر بالغ الصعوبة بالطبع.
صحيح أنه حتى الآن أصبح هناك مجموعة من اللقاحات الجاهزة ولا يزال العالم يقدم المزيد، لكن المخاوف المرتبطة بالعقبات اللوجيستية والقدرة الإنتاجية، لا زالت هي المحرك الرئيسي لعملية توزيع اللقاح، وبقول آخر: لا تزال الدول الغنية تحظى بأولوية الحصول على اللقاح وبوفرة.
محاصرون بالفقر
العوائق والتدافع للحصول على اللقاح، خلقت مخاوف من تأخر حصول الكثير من الدول على اللقاح، وهذا يعني استمرار تهديدها صحيا واقتصاديا، وبطبيعة الحال ستظل القيود المفروضة على حركة وحرية الناس موجودة.
قال محمود محيى الدين، المدير التنفيذي بصندوق النقد الدولي، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لتمويل التنمية، إن مسألة توفير لقاح كورونا باتت الشغل الشاغل لكل دول العالم الفقيرة والغنية.
وأضاف في تصريحات له الشهر الماضي، أن
عددا من الدول المتقدمة استطاعت أن تؤمن لنفسها من اللقاح أضعاف أعداد البشر فيها، بينما دول أخرى لم تؤمن حتى الآن أى نسب معقولة تصل بها إلى بر الأمان.
وتوقع محيي الدين أن تصل الدول المتقدمة إلى تأمين احتياجاتها من اللقاح وتوفيره قبل نهاية العام الجارى، لكن الدول النامية والأسواق الناشئة قد تصل إلى ذلك على مدار العام القادم، مشيرا إلى أن الدول الأكثر فقرا قد لا يصلها هذا اللقاح إلا بعون دولى ضخم، ولن يكون ذلك قبل عام 2024.
وحول كيفية تأثير جائحة كورونا على الطبقة والدول الأكثر فقرا، أوضح محي الدين أن أى شىء يؤثر فى الاقتصاد إيجابا يجب أن يرتبط بالسيطرة على جائحة كورونا، وذلك من خلال توفير لقاح والاستمرار في اتباع قواعد التباعد الاجتماعي المعمول بها حاليا.
كلام محيي الدين أيدته وثائق من داخل البرنامج العالمي الهادف لتقديم لقاحات لكوفيد-19 للدول الأشد فقرا، والتي أظهرت أن البرنامج يواجه خطر الفشل بدرجة "كبيرة جدا" مما قد يؤدي إلى عدم حصول دول يقدر عدد سكانها بالمليارات على لقاحات حتى 2024.
وجاء في تقرير داخلي لمجلس إدارة جافي، وهو تحالف بين حكومات وشركات أدوية ومؤسسات خيرية ومنظمات دولية يرتب حملات التطعيم العالمية، أن "خطر الإخفاق في تأسيس آلية ناجحة لكوفاكس كبير جدا". ويدير تحالف جافي برنامج كوفاكس بالاشتراك مع منظمة الصحة العالمية.
يذكر أن برنامج كوفاكس التابع لمنظمة الصحة العالمية هو البرنامج العالمي الرئيسي لتطعيم سكان الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل في أنحاء العالم للوقاية من فيروس كورونا.
ويسعى البرنامج إلى
توصيل ما لا يقل عن ملياري جرعة لقاح بحلول نهاية عام 2021 تغطي 20 بالمئة من السكان الأكثر عرضة لخطر الإصابة بالفيروس في 91 بلدا فقيرا ومتوسط الدخل معظمها في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.
سياحة وتجارة الوباء
المخاوف من التأخر في التحصين ضد المرض القاتل واستمرار قيود الحركة، دفعت البعض إلى إيجاد طرق ملتوية في البلدان الفقيرة للحصول على اللقاحات، حتى قبل وصولها إلى بلادهم أو قبل موعد حصول فئاتهم العمرية أو النوعية عليه.
في أوكرانيا على سبيل المثال، أمر الرئيس، فلاديمير زيلينسكي، الشهر الماضي، بفتح تحقيق في مزاعم تهريب مسؤولين منتخبين لقاحات لفيروس كورونا إلى البلاد لتطعيم أنفسهم سرا.
وكشفت تقارير إعلامية استندت إلى شهادة أحد رجال الأعمال، إلى أن بعض أعضاء البرلمان وربما حتى رئيس الوزراء، دينيس تشميغال، قد تلقوا لقاح "فايزر-بيو إن تك" في عيادة خاصة في كييف.
وقالت التقارير إن جرعات اللقاح تم إحضارها من إسرائيل (كانت من أوائل الدول حصولا على اللقاح) على متن طائرة مستأجرة في أواخر ديسمبر/ كانون الأول، بتكلفة 2500 يورو (3075 دولارا) للجرعتين (أغلى بكثير من السعر الرسمي: 19.5 دولار للجرعة).
كشفت تقارير أخرى أيضا عن أن
لقاح "سينوفارم" الصيني يقدم إلى الأثرياء الذين يدفعون مقابل الحصول على برنامج التطعيم، في الإمارات العربية، كجزء من شراكة "لجلب السياحة إلى المنطقة".
يتم استخدام اللقاح على نطاق واسع في الإمارات العربية المتحدة ولكن لم يتلق بعد موافقة طارئة من حكومة المملكة المتحدة أو منظمة الصحة العالمية، حسبما أفادت صحيفة "الغارديان" البريطانية، مشيرة إلى أن وكالات بريطانية روجت لهذا النوع من السياحة.
وقالت الصحيفة إن الإمارات هي أول دولة تستخدم إمدادات لقاح "كوفيد 19" كنقطة جذب للسائحين الأجانب، وسط ندرة عالمية من الجرعات والدعوات لمشاركة المورد مع الأشخاص المعرضين للخطر والعاملين الصحيين في جميع أنحاء العالم.
في الشهر الماضي، أعلنت عارضة الأزياء التونسية، ريم السعيدي، تلقيها هي وزوجها وسام بريدي، اللبناني الجنسية، الجرعة الأولى من لقاح فيروس "كورونا" المستجد في دبي.
وعلق بريدي في منشور عبر "إنستغرام" قائلا إن الظروف شاءت أن يتواجد هو عائلته في بلد توفر اللقاح مجانا لأي مقيم على أراضيها، وأنهم رغبوا جميعا في وقاية أنفسهم من فيروس "كورونا" المستجد وألا يعيشوا تجربة مرض (كوفيد-19).
تبحث وكالات السفر الخاصة الآن في إمكانية الترويج لسياحة اللقاحات للمساعدة في إعادة تشغيل صناعة السياحة، ليس فقط إلى دبي، ولكن حتى إلى المملكة المتحدة والولايات المتحدة، بحسب صحيفة "إنديا إكسبريس".
بعد فترة وجيزة من موافقة بريطانيا وأمريكا على اللقاحات للاستخدام في حالات الطوارئ، بدأت بعض الوكالات في الهند في تقديم حزم سياحة لقاح "كوفيد"، والتي من شأنها أن تسمح بالسفر إلى بلد يقدم اللقاح لأخذه والعودة إلى الوطن بعد فترة الحجر الصحي.