شكلت التوازنات الإقليمية الجديدة ودور المتصاعد لحزب الله في المنطقة وخصوصا في سوريا اهتماماً روسياً في السنوات الأخيرة، تكرس ذلك من خلال تعزيز العلاقات ووجهات النظر السياسية عبر الدبلوماسيين الروس في لبنان وسوريا، وجاءت الزيارة الأخيرة لوفد "حزب الله" إلى موسكو تأكيدا على دوره المهم في المنطقة وتجسد ذلك من خلال استقبال ولقاء الوفد الدبلوماسي الروسي الرفيع برئاسة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لوفد الحزب، حيث تعد هذه الخطوة جدية وهامة نظرا للتراتبية في الدبلوماسية الروسية وكيفية عملها بحسب أهمية الضيف ودوره السياسي.
الصورة كفيلة بنقل أهمية و"ثقل" الضيف
لطالما كانت موسكو مقصدا للوفود السياسية اللبنانية في زمن الحقبة السوفياتية، حيث كانت الأحزاب اليسارية والشيوعية تلقى ترحيبا استثنائيا وفريدا نظرا للارتباط الفكري والايديولوجي الذي كان يجعل من ممثلي هذه الأحزاب ضيوفا دائمين لدى رئيس الاتحاد السوفيتي وأهم دوائر القرار في الدولة. ومن الأمثلة التاريخية هي زيارات الحزب التقدمي الاشتراكي برئاسة وليد جنبلاط الذي كان حليفا استرتيجيا للسوفييت في لبنان، حيث كان جنبلاط يلقى ترحبيا من رأس هرم الدولة السوفيتية مرورا بالنواب والوزراء والقادة الأمنيين وصولا إلى الدعم المالي والعسكري.
دارت الأيام وانهار الاتحاد السوفيتي وسقطت معه كل الأعراف الدبلوماسية القائمة في ذلك الحين وتفرق الرفاق على جبهات مختلفة، وانتهجت موسكو سياسة براغماتية مدت يدها للجميع دون استثناء من يمين ويسار، لكن الأولويات والمصالح الروسية تغيرت ومعها السياسة الخارجية بحيث باتت هناك تراتبية دبلوماسية ممنهجة بحسب أهمية ودور الضيف السياسي القادم وبكلمات بسيطة لكل شخصية مقام.
استمرت زيارة الوفود السياسية اللبنانية المختلفة إلى موسكو، استشعر رفاق الأمس بتغيرات جذرية بدءا من مستوى الاستقبال واللقاءات الدبلوماسية التي باتت تقتصر على تمثيل ثاني أو ثالث بحسب الضيف وأهميته ودوره السياسي.
روسيا والوفود اللبنانية ومستوى التمثيل
في الأعراف الدبلوماسية الروسية يستقبل رئيس البلاد عادة رؤساء البلدان والحكومات وقادة الصف الأول وتسري هذه التراتبية على بعض الشخصيات مع وزير الخارجية الروسي أيضا بحيث قادر على لقاء الرؤساء والوزراء والدبلوماسيين، ومستوى دبلوماسي أقل يعود للمبعوثين والدبلوماسيين الروس خلال لقاء المنظمات والشخصيات السياسية الأقل أهمية.
في السنوات الأخيرة استقبلت روسيا عشرات الوفود السياسية اللبنانية ضمت أحزابا وشخصيات تاريخية مؤثرة كان آخرها زيارة رئيس الجمهورية اللبنانية، ميشال عون، ولقائه الرئيس بوتين وعقد لقاءات هامة مع الجانب الروسي. بالإضافة إلى زيارات رئيس الحكومة السابق والمكلف سعد الحريري المتكررة.
وشهدت موسكو زيارات مختلفة لوفود لبنانية سياسية وحزبية استقبلها الروسي على مستوى دبلوماسي أقل اقتصرت على المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط، ميخائيل بوغدانوف، ومنهم جنبلاط والنائب طلال أرسلان ومصطفى حمدان وأبو زيد وغيرهم.
أهمية وتفاصيل زيارة "حزب الله" إلى موسكو
أثارت زيارة وفد "حزب الله" إلى موسكو اهتمام الخصوم قبل الحلفاء، حيث علق البعض على مقطع الفيديو المنشور بشأن وصول الوفد إلى مبنى الخارجية الروسية والاستقبال الباهت له. هذا الأمر أفرح الخصوم معتبرين أن الاستقبال الذي ظهر على الفيديو يليق بمستوى الحزب ومكانته السياسية.
لكن المتابعين لأدق التفاصيل، يدركون أن إشارات روسية حددت مستوى اللقاء وأهميته، فاستقبال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف شخصيا للوفد والجلوس معه يعد تقدما واهتماما قل نظيره ومخصص فقط للوفود الرسمية وأصحاب المراكز الدبلوماسية المهمة من وزراء ورؤساء دول وحكومات. بالإضافة إلى زيارات الوفد لمجلس الدوما ودوائر قرار روسية أخرى.
وهذا ما يعطي انطباعا عن مدى أهمية "حزب الله" ومكانته لدى القيادة الروسية، لا سيما في ظل تعاظم قوته الإقليمية ودوره الكبير في لبنان وسوريا.
وبحسب المصادر الدبلوماسية الروسية المتابعة للقاء الذي انعقد في مبنى وزارة الخارجية الروسية اتسم بالإيجابية بين الطرفين نوقشت فيه الأوضاع العامة في لبنان وسوريا واليمن والعراق وصولا إلى إيران، كما تطرق الطرفان إلى تفاصيل الميدان السوري وآلية التنسيق بين القوات العسكرية المتواجدة للطرفين هناك.
كما شهد اللقاء الموسع الثاني مع ميخائيل بوغدانوف تحليلا مفصلا للأوضاع في الشرق الأوسط والمستجدات السياسية مع قدوم الإدارة الأمريكية الجديدة وأفق التعاون بين الدولة الروسية ولبنان و"حزب الله" في مختلف المجالات، واتفق الجانبان على استمرار التنسيق على أعلى المستويات الدبلوماسية والسياسية نظرا للأحداث السياسية المتسارعة في المنطقة.
المقال يعبرعن رأي كاتبه