وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية إن إعادة تسيير الحركة الملاحية في قناة السويس، بعد تحرير السفينة "إيفر غيفن"، أنهى فقط الجزء الأول من الأزمة، ولكنه فتح الباب أمام الجزء الثاني منها .
وفسرت الصحيفة الأمريكية أبعاد تلك الأزمة، في أنها ربما تستغرق شهورا طويلة ومعارك قانونية وقضائية واسعة، بسبب التعويضات والتأمينات الناجمة عن تعطل حركة الملاحة في قناة السويس.
وتابعت بقولها "تعطل حركة الملاحة، ووجود سفن عالقة لفترات طويلة، وتأخر تنفيذ اتفاقات توريد متنوعة، سيدفع شركات التأمين إلى المطالبة بتعويضات واسعة النطاق".
مطالبات مصرية
ونقلت صحيفة "إيغيبت توداي" المصرية الناطقة باللغة الإنجليزية إن مستشار الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، والرئيس السابق لهيئة قناة السويس، مهاب مميش، قوله: "تستحق الهيئة المطالبة بالتعويض من شركة شوي كيسن كيشا المالكة لسفينة العاويات إيفر غيفن".
وتابع مميش:
"ظلت السفينة عالقة في قناة السويس لأيام، وأحدثت أضرار وخسائر كبيرة بالقناة، بالإضافة إلى تكاليف تسيير وتشغيل القاطرات المستخدمة لسحب السفينة".
وتكبدت قناة السويس، خسائر مالية باهظة خلال فترة توقف الحركة الملاحية، وصلت إلى 15 مليون دولار يوميا، بحسب تصريحات الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، بإجمالي يقترب من 100 مليون دولار تقريبا.
ولم يتطرق رئيس الهيئة إلى التعويضات المحتملة، بسبب الخسائر الأخرى المرتبطة بتشغيل القاطرات والكراكات لإعادة تعويم السفينة.
بوالص تأمين
ونشر كذلك موقع "شيبينغ ووتش" المعني بأخبار الشحن والملاحة، تقريرا تطرق فيه إلى بوالص التأمين المرتبطة بالحاويات الموجودة في باقي السفن العالقة وبالسفينة الجانحة نفسها.
وقدر التقرير التعويضات المتوقع أن يدفعها أصحاب السفن العالقة لنحو 6 أيام على طرفي قناة السويس، بمليارات الدولارات.
وعلى الرغم من أن الشركات أو المؤسسات لم تعلن حتى الآن عن رفعها أي دعاوى تعويض، إلا أن التقرير لفت إلى أن الأمر قد يحتاج إلى أسابيع لتقدير حجم الخسائر بعد وصول السفن لمحطاتها النهائية وتقييم الخسائر الناجمة عن التعطيل.
من يدفع
وبدأ الصراع مبكرا، بحسب "نيويورك تايمز" حول من يدفع تكلفة التعويضات، حيث نقلت عن شركة "إيفر غيفن" التايوانية المستأجرة للسفينة الجانحة، إن الشركة اليابانية المالكة للسفينة هي المسؤولة عن دفع أي تعويضات وأنها لن تدفع أي مبالغ لأنها مجرد مستأجرة للسفينة.
وذكرت الشركة أن
"مالك السفينة يتحمل بعض المسؤولية.. لكن المستأجرين بحاجة إلى التعامل مع أصحاب البضائع على متن السفينة وبقية السفن العالقة".
وتنأى هيئة قناة السويس بنفسها عن دفع أي تعويضات، لأن لوائحها الداخلية، التي توافق عليها السفن العابرة، تنض على أن الهيئة غير مسؤولة عن أي أضرار أو أعطال يمكن أن تلحق بالسفن العابرة لقناة السويس.
بدورها نقلت وكالة "بلومبرغ" الأمريكية عن كريس جريفسون، الشريك في مكتب محاماة الشحن "ويكيبورغ رين"، قوله:
"التقييمات الخاصة بالتعويضات على بضائع السفن التجارية العملاقة تتراوح بين 100-200 مليون دولار للسفينة الواحدة".
وتابع بقوله "لكن الدفع سيعتمد على مدى سوء الحادث".
ونقلت كذلك نيويورك تايمز عن وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية قولها "أسعار إعادة التأمين البحري سترتفع أكثر نتيجة لجنوح سفينة الحاويات في القناة".
وأردف بقوله "يمكن أن تتسبب الحوادث التي تنطوي على سفن حاويات كبيرة، في مطالبات تزيد عن مليار دولار، ولكن هذه في الغالب مرتبطة بالإنقاذ ووصول السفينة إلى محطتها النهائية".
ونقلت الصحيفة كذلك عن خبراء قولهم إن الأزمة المرتبطة بتوقف حركة الملاحة في قناة السويس، كلفت العالم ما يصل إلى 400 مليون دولار أمريكي في الساعة الواحدة.
تحقيقات القناة
وكان عضو مجلس إدارة هيئة قناة السويس السابق وائل قدور، ورئيسة قسم الهندسة البحرية في الأكاديمية البحرية المصرية هبة لهيطة، قد أكدا أن التحقيقات الجارية في حادث جنوح السفينة إيفر غيفن تشارك فيها عدة أطراف، وهي هيئة قناة السويس، وأندية الحماية البحرية (وهي تعاونيات تتشكل من ملاك السفن وتتحمل الخسائر الناتجة عن حوادث السفن)، وشركات التأمين التي ستدفع تعويضات الحادث.
وقال قدور، في تصريحات لوكالة "سبوتنيك": "الجهات المنوط بها التحقيق في قضية جنوح السفينة هي أندية الحماية البحرية وشركات التأمين التي ستدفع التعويضات وهيئة قناة السويس".
وأضاف قدور: "الطريقة التي تجري بها التحقيقات عادة هي الاطلاع على كافة وثائق السفينة والأوامر التي أصدرها القبطان وكافة الأمور الفنية، لتحديد الأخطاء التي أدت للحادث، وبناء على ذلك سيصدر تقرير يبين الطرف المسؤول عن الحادث".
وأوضح قدور: "في حالة تحميل المسؤولية للقبطان أو الشركة المشغلة أو المالكة للسفينة المسؤولية ستتحمل الشركة الخسائر الناجمة عن الحادث، مثلا تكلفة أعمال القطر والتكريك التي قامت بها هيئة قناة السويس ستدفعها الشركة، وكذلك الخسائر الناجمة عن توقف الملاحة لصالح الشركات التي أضيرت من توقف سفنها وسترفع قضايا تعويض على الشركة".
وأكد قدور: "لا مجال لتحميل هيئة قناة السويس مسؤولية جنوح السفينة إيفر غيفن، لأن القبطان هو صاحب القرار على السفينة ودور مرشدي الهيئة استشاري فقط".
هذا ما أكدته لهيطة بدورها في تصريحات لوكالة "سبوتنيك"، قائلة: "مسؤولية الهيئة محددة وواضحة، فدور المرشدين التابعين للهيئة على سطح السفينة استشاري وإشرافي فقط، والقبطان هو وحده صاحب القرار، وبالتالي ليس عليهم أو على الهيئة مسؤولية".
وأشارت لهيطة إلى أن التحقيقات قد تثبت أيضا براءة قبطان السفينة في حالات محددة "طبعا هناك عوامل أخرى قد تعفي السفينة والقبطان من المسؤولية مثل حالة الطقس ولكن التحقيقات هي التي ستكشف ذلك، والشركة المالكة للسفينة ستكون ممثلة في التحقيقات".
هذا ما أكده أيضا قدور، قائلا: "إذا أثبتت التحقيقات أن كافة قرارات قبطان المركب كانت صحيحة، وأن السفينة ليس بها أي خلل أو عيب، والحادث نتج عن أسباب خارجة عن إرادة القبطان مثل الأحوال الجوية مثلا، ساعتها لن تكون على الشركة المشغلة للسفينة أو القبطان أي مسؤولية أيضا، وستتحمل التعويضات شركات التأمين، إذا كان التأمين على السفينة يشمل الحوادث الناتجة عن الأحوال الجوية".
وأضاف قدور: "ولكن في كل الأحوال لا يمكن أن تكون هيئة قناة السويس هي المسؤولة عن الحادث، لأن قوانين هيئة قناة السويس واتفاقية القسطنطينية تعفي الهيئة من أي مسؤولية في مثل هذه الحالات، والمسؤولية بالكامل على قبطان السفينة".
وأكد قدور: "إذا أظهرت التحقيقات أن سبب الحادث ليس مسؤولية القبطان أو الشركة، بمعنى أن كافة قرارات القبطان سليمة والسفينة ليس بها أي أعطال أو عيوب تسببت في الحادث، سيصدر تقرير بذلك يبرئ القبطان والسفينة، وفي هذه الحالة أيضا شركات التأمين ستتحمل التعويضات عن الحادث، إذا كان التأمين يشمل التأمين ضد مخاطر الطقس والكوارث الطبيعية وغيره".
واستؤنفت حركة الملاحة في قناة السويس، مساء الاثنين الماضي، بعد نجاح عملية تعويم السفينة الجانحة "إيفر غيفن"، عقب 7 أيام من تعطيلها لحركة الملاحة في الممر البحري الحيوي، ونشرت هيئة قناة السويس المصرية بثا مباشرا لتعويم هذه السفينة البنمية.
وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أمس الثلاثاء، خلال زيارته مقر التدريب البحري التابع لهيئة قناة السويس في محافظة الإسماعيلية، "كنت متابعا مع رئيس قناة هيئة السويس للساعة الرابعة فجرا"، مؤكدا أن "هيئة قناة السويس، أحد العناصر الأساسية للتجارة العالمية".
وأكد أن "قناة السويس قادرة وباقية ومنافسة"، متابعا: "كنت مطمئنا أن الأمور ستنتهي بسلام وخير، الأزمة أكدت ونوهت بالدور الكبير والمهم لواقع مهم عارفينه من زمان وهو دور قناة السويس".