على خطى أسلافه، يتقن الصوان كل زاوية ومدخل وباب في منطقة عمله بمحيط المسجد الأموي وسط المدينة القديمة، كما يتقن سكانها بحذافيرهم، فها هو يضطر للطرق بشدة على باب عائلة "أبو فلان" التي يعرف عنها نومها العميق، فيما يكتفي ببضع نقرات على طبلته لإيقاظ جاره الآخر "أبو علتان".
مع تعاقب الأيام والسنين، ما فتئت أصوات آلاف "المسحراتية" تتراكم طبقات فوق أخرى دون انقطاع بين ثنايا أحياء دمشق القديمة، يخيل لـ "أبو الهيجة" في بعض الأحيان، وهو اللقب الذي يشتهر به المسحراتي الصوان، أنه يسمع أصوات أسلافه تتأرجح على شجيرات الياسمين المنتشرة بكثافة في البقعة السحرية من العاصمة السورية دمشق.
ورغم ولادة بدائل التنبيه العصرية، يؤكد أبو الهيجة بأن سكان العاصمة السورية، غير مستعدين للتخلي عن المسحراتي كأحد أكثر طقوس الشهر الرمضاني قربا من قلوبهم، فالصوت الجهوري الذي يطرق أبوابهم قبيل الفجر، إيذانا بفترة السحور وتناول الطعام استعدادا ليوم صوم طويل، لربما بات جزءا من قدسية شهر الصيام.