تُعتبر سنة 2021 مفصليّتيْن لأبو مازن، ففيها تقرّر إجراء الانتخابات التشريعيّة العامّة لأوّل مرّة منذ انتخابات 2006، بالإضافة إلى مسار المصالحة الذي أقرته الساحة السياسية الفلسطينيّة، بإيعاز من عبّاس نفسه. اليوم تدخل الاشتباكات الأخيرة بين إسرائيل وحماس على الخطّ لتزيد من تعقيد الأمور.
ويبلغ عبّاس 85 عامًا، وهو رئيس حركة فتح، أكبر الفصائل المنضوية تحت منظمة التحرير الفلسطينيّة، كما يُعتبر عبّاس المكنّى أبو مازن الوريث الشرعيّ لياسر عرفات، مؤسس السلطة الفلسطينيّة.
وقال عبد الفتاح موسى، المحلل السياسي الفلسطيني في تصريحات خاصة لـ"سبوتنيك"، إن المعطيات الواقعية تشير إلى أنّ خصوم عبّاس كثيرون، سواء داخل فلسطين أو خارجها. بالخارج ولا خلاف في كون إسرائيل الخصم الأوّل والمباشر لعبّاس، مؤكدا أنه يحاول ضمن الظروف المتاحة أن يحافظ على مصالح الشعب الفلسطينيّ دون الدّفع بالمنطقة إلى الفوضى والتوتّر. أمّا في الدّاخل، فلا يختلف إثنان في كون حماس الخصم السياسيّ الأوّل لعبّاس وحركة فتح.
عبّاس وحماس، هل يلتقيان سياسيًّا؟
وأكد موسى أنه في الوقت الذي يشرع الفلسطينيون في التحضير للانتخابات التشريعية الفلسطينيّة آخر عام 2020 في إطار ما يُسمّى "مشروع المصالحة" بين حركتيْ فتح وحماس بالأساس، أكبر الحركات المتنافسة داخل الساحة الفلسطينيّة.
وأضاف أنه برعاية تركيا من جهة، ومصر، الأردن، والسعوديّة من جهة أخرى، تسعى الحركتان إلى التوصّل إلى توافقات حول الملفّات الأكثر حساسيّة في فلسطين، بعد سنوات من المواجهة السياسيّة المحتدمة، وقد بلغت ذروتها عام 2007 حين سيطرت حماس على قطاع غزّة بعد الإطاحة بحكم فتح فيها".
واستمر بقوله "برزت فكرة إنجاز انتخابات موحّدة بين الضفة الغربيّة، وغزّة الواقعة تحت سيطرة حماس، من رحم محادثات المصالحة بين الحركتيْن، حيث سعت الطبقة السياسيّة إلى توحيد الحكم وتمهيد الطريق نحو مصالحة حقيقيّة شعبيّة وسياسيّة، مع انخراط حماس في المقاومة الشعبيّة دون الاعتماد على خيار المقاومة المسلّحة. وقد وافقت حماس على شرط فتح الذي يقضي بدعمها لعبّاس في الانتخابات الرئيسيّة مقابل السماح بمشاركة حماس في التشريعيّة والسماح لها بحيازة مقاعد في المجلس الوطني الفلسطيني".
واستدرك بقوله "إلّا أنّه ومع تقدّم العملية السياسيّة، بدأت الصراعات في التزايد، وقد برزت تيّارات رافضة للمسار الحاليّ، كما نشأت توجّهات داخل الفصائل ذاتها معارضة لخيارات فتح وحماس المتعلقة بمشروع المصالحة".
وقال المحلل الفلسطيني "من ناحية أخرى، عكر الحضور المتزايد للقوى الأجنبيّة المتدخلة في القرار الفلسطينيّ الأجواء الوطنيّة، فمع محاولات إيران بسط نفوذها عبر تمويل حماس، الى جانب التدخل المتكرّر لتركيا الداعمة لحماس والمعارضة لفتح، بدأت العملية السياسيّة تنتكس من جديد في فلسطين".
وأتبع بقوله "تشير التحليلات إلى أنّ التدخّل التركي الذي يُسوّق له أردوغان كدعم لفلسطين يهدف إلى تعزيز أنقرة في القدس الشرقيّة، ولا يبدو أنّ هناك اعتراضًا مبدئيّا للرئيس الفلسطيني على ذلك رغم انحياز تركيا لحماس بشكل واضح".
وواصل قائلا "تركيا ليست وحدها فاعلًا إقليميا في فلسطين. إيران، مصر، الأردن، والسعوديّة تعتبر الدّول الأكثر حضورًا وتأثيرًا، وهو ما يشكّل تحدّيا حقيقيّا لدى القيادة السياسيّة التي تحاول الحفاظ على سيادتها وانتهاج الخط الديموقراطي الذي اختاره الشعب الفلسطيني".
واستمر قائلا "هذه الظّروف جعلت البعض يتساءل بجديّة حول إمكانيّة الوصول إلى الانتخابات التشريعيّة، وسط شبكة من الضغوطات الخارجيّة المسلّطة على رأسيْ السلطة في رام الله وغزّة، وشيئًا فشيئًا بدأ الحلم الفلسطينيّ بتوحيد السّلطة أبعد ممّا كان حين انطلق مشروع المصالحة، خاصّة مع تزايد الخلافات بين عبّاس وحركة حماس في الآونة الأخيرة".
ولفت موسى إلى أنه "عبر الدعم المعلوماتي واللوجستي الذي تقدّمه مصر والأردن لعبّاس بدأ يتّضح للرئيس الفلسطينيّ أنّ حركة حماس تحاول استغلال شمّاعة الانتخابات من أجل الدخول شرعيًّا إلى الضفة الغربيّة وتعزيز حضورها السياسيّ والعسكريّ فيها، بإيعاز من شركاء حماس الإقليميّين".
وأشار إلى أن الانقسام المفاجئ أثر في حركة فتح على المعادلة السياسيّة لأبو مازن، ما جعله يعيد النّظر في خيار التوجّه إلى الانتخابات أمام تزايد حظوظ حماس في الفوز فيها مقابل تراجع فتح. ومع رفض إسرائيل السماح بإجراء انتخابات في القدس الشرقيّة، وهو الشرط الذي وضعته حماس وعدد من الفصائل الأخرى للمشاركة، بات الحلم الانتخابيّ أبعد ممّا بدا في أوّل مشوار المصالحة.
الاقتصاد والاستقرار على رأس أولويّات الضفة الغربيّة
وتطرق موسى إلى الملف الاقتصادي بقوله "دعت المستجدّات الأخيرة الرئيس الفلسطيني إلى إعادة تقييم الأوضاع وخلط الأوراق من جديد، فمع تراجع الثقة بينه وبين حماس، وانقسام حركة فتح، وتعطّل المسار الانتخابيّ، كان لا بُدّ من تقدير موقف سليم يخدم المصلحة الفلسطينيّة بشكل أولويّ".
وأضاف قائلا "هنا بدأ الملفّ الاقتصاديّ يستعيد زخمه دون سكوت عبّاس عن مقتضيات القضيّة الفلسطينيّة، حيث طرح هذا الأخير القضيّة على جدول الأعمال الدولي، في حين دخلت حماس في معركة يصفها البعض بالخاسرة مع إسرائيل، وهو ما جعل كثيرين يُقرّون بحكمة عبّاس أمام تهوّر حماس".
وأردف بقوله "حذّر خبراء مضطلعون بالشأن السياسيّ الفلسطيني مرّات عدّة من خطورة الدّفع باتجاه الحرب كما فعلت حماس، لأنّ ذلك يعني تدمير محاولات الإحياء الاقتصاديّ عقب الأزمة التي تسبب فيها وباء كورونا".
وأشار إلى أن حماس تسوّق نفسها كحامية للقدس، في خطوة لربط غزة بالقدس وبالتالي احراج السلطة الفلسطينية المكلفة بحماية مصالح الفلسطينيين في القدس الشرقية المحتلة من جهة وبالحفاظ على الاستقرار الأمني وبالتالي الاقتصادي أيضا في الضفة الغربية من جهة اخرى.
واستدرك قائلا "أكّد مسؤولون بارزون بالقطاع الاقتصادي في أكثر من مناسبة أنّ السلطة الفلسطينيّة ستتضرّر بشكل مباشر من أيّ تصعيد بين حماس وإسرائيل، فبعد استقرار الأوضاع من جديد، ستجد السلطة نفسها أمام معركة اقتصاديّة لتعويض الخسائر الكبرى التي تسببت فيها المواجهات".
ولفت إلى أنه في ظلّ هذا الوضع المعقّد، يبدو الشعب الفلسطيني أكثر بساطة في تقديره للأمور، فمع كلّ مواجهة مع إسرائيل، يعبّر الفلسطينيّون عن دعمهم اللامشروط للمقاومة ويتمسّكون بالقضيّة التي يؤمنون بها، دون الدّفع في اتجاه التضحية بالمكتسبات التي تمكّنت السلطة الفلسطينيّة من مراكمتها على مدى سنوات، وعلى رأسها المنجزات الاقتصاديّة.
وأوضح أن الأجهزة الأمنية الفلسطينيّة تساند هذا الخيار الوطنيّ بهدف حفظ الأمن والاستقرار في الضفة الغربيّة، وعدم السماح لدُعاة الفوضى والعنف بنشر أجندتهم وتجييش النّاس وضرب الاستقرار في المنطقة.
وأشار إلى أن البعثات الدبلوماسيّة للسلطة الفلسطينيّة تمكنت من التسويق للضفة الغربيّة كمنطقة آمنة ومشجّعة للاسثمار، وهو ما سمح بتدفّق الأموال للخزينة الفلسطينيّة وتحسين البنية التحتية للضفة، ما يجعل الاستقرار السياسيّ والأمني من أهمّ مقوّمات الاستقرار الاقتصاديّ.
وقال موسى "بين خيار الحرب الذي تتبناه حماس، وخيار الاستقرار الذي يدعو له عبّاس، يدعم المجتمع الدولي رئيس السلطة الفلسطينيّة من خلال استمرار تقديم الدعم الاقتصاديّ ووعود بمضاعفة الاستثمارات في الضفة الغربيّة ما لم تتدخّل حماس في العملية السياسيّة هناك. ويبدو أنّ الاتحاد الأوروبي اتخذ قرار مواصلة دعم الخط السياسي لرام الله من أجل الحفاظ على البنية الاقتصاديّة في الضفة الغربيّة وتجنيب المنطقة كلها الدخول في حرب".
ولفت إلى أن الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحماس تشكّل تحدّيا حقيقيا لعبّاس الذي يعمل جاهدًا من أجل تجنيب الضفة الغربيّة الانسياق وراء حماس وتكرار تجربة غزّة في الضفة مع التأكيد على دعم السلطة لكل المطالب الفلسطينية المشروعة كوقف الممارسات الإسرائيلية في القدس الشرقية المحتلة ورفض العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة. هذا النهج السياسي الذي يتبناه عبّاس هو ذاته الخطّ الطاغي داخل حركة فتح، ما يجعل موقف الرئيس قويًّا وثابتًا.
وأتم بقوله "يبدو المشهد أكثر وضوحًا الآن في فلسطين، غزّة التي تحكمها حماس تفضّل الحرب مع إسرائيل وهي مستعدّة لدفع الثمن من أرواح الفلسطينيّين ومن رفاهيّتهم وأمنهم، في مقابل الضفة