لقاء بين رأسي السلطة التنفيذية، رأى فيه البعض بصيصا من النور لعودة الوئام بينهما وتجاوز الخلافات التي تسيطر على العلاقة بين الرئاسات الثلاث في تونس، خاصة وأن سعيد تحدث عن وجوب توحيد مؤسسات الدولة رغم الخلاف في الرؤى وفي قراءة الدستور.
كما حمل تصريح سعيد نقدا لرئيس الحكومة هشام المشيشي الذي أقلع إلى ليبيا دون أن يطلعه على حصيلة زيارته إلى الجارة الجنوبية وهو المسؤول عن العلاقات الخارجية، دون أن يهمل الحديث عن مخطط الانقلاب المزعوم الذي اعتبره "أمرا مخجلا".
الخلاف ما زال قائما
وبيّن المحلل السياسي فريد العليبي في حديثه لـ "سبوتنيك" أن هذا اللقاء أتى على جملة من المواضيع، أولها أن رئيس الحكومة لم يطلع رئيس الجمهورية على فحوى زيارته إلى طرابلس، وهو ما عبر عنه سعيد بالوضوح الكافي عندما قال إنه ينتظر زيارة مجلس الرئاسة في ليبيا الذي سيحل هذه السنة حتى يعرف ما هي الملفات العالقة وما تم الاتفاق حوله.
ويرى العليبي أن التوتر بين رئيس الجمهورية والحكومة ما يزال قائما، ترجمه سعيد في حديثه عن وجوب اكتفاء كل مؤسسة رسمية بصلاحياتها وعدم تدخلها في مشمولات الأخرى، وتنصيصه مرة أخرى على أن لتونس رئيس واحد ودولة واحدة.
وأضاف أن "اللقاء حمل رسالة مفادها أن خلاف الرئيس مع الإسلام السياسي ومع رئيس البرلمان ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي ما يزال قائما، عندما تحدث عن المكالمة المنسوبة إليه مع المخابرات الأمريكية والتي اتهم فيها بتلقي أموال أمريكية لحملته الانتخابية من طرف نائب محسوب على الاسلام السياسي.
وخلص العليبي إلى أن التوترات والتناقضات بين رئاسة الجمهورية من جهة ورئاستي الحكومة والبرلمان من جهة أخرى ما تزال قائمة وبعيدة عن الحل، وأن كلمته كانت مندرجة في إطار ما عبر عنه سابقا وليس في إطار مراجعة سياساته تجاه التناقضات الموجودة اليوم صلب السلطة التونسية.
فخاخ رئاسية
من جانبه قال الكاتب والمحلل السياسي صالح عطيّة لـ "سبوتنيك"، إن رئيس الجمهورية حاول من خلال اللقاء الذي جمعه بالمشيشي تقديم صورة مختلفة عن الخطاب الصدامي الذي كان يمارسه سابقا، عن طريق استبدال اللغة العربية باللهجة العامية التونسية، وحديثه عن وجوب تكامل الدولة وتوحيد مؤسساتها الرسمية.
واستطرد "لكن داخل هذه الورود والياسمين التونسية هناك فخاخ أطلقها رئيس الجمهورية، منها أنه أقر بالوثيقة المسربة عندما صرّح بأنها وصلت إلى الرئاسة وبأنه بات مطالبا بها".
ويرى عطية أن كلمة رئيس الجمهورية لم تأت بالجديد ولم تحمل مؤشرات تفيد بأنه تطور سياسيا، سوى أنه غلّف خطابه المعتاد بقليل من الدبلوماسية والتوْنسة والهدوء المخيف.
وأضاف "بدى جليا أن رئيس الجمهورية لم يغيّر شيئا في علاقته ببقية المؤسسات الرسمية، لأن الذي يريد أن يحاور وأن يتكامل مع بقية مؤسسات الدولة عليه أن يدعو هذه المؤسسات إلى الحوار ويجلس معها، وليس أن يعطل مساعي الحوار الوطني الذي بادر به الاتحاد العام التونسي للشغل ويرفض في أكثر من مناسبة طلبا للقائه من رئيس الحكومة ورئيس البرلمان".
خطوة إيجابية
على الجانب الآخر يرى القيادي والنائب في البرلمان عن حركة النهضة سمير ديلو أن اجتماع رأسي السلطة التنفيذية بعد أشهر من القطيعة خطوة إيجابية من الجانب الشكلي، قائلا "لعله من مظاهر هذه الأزمة الحادّة هو اعتبار مجرّد اللقاء بين رئيس الدّولة ورئيس الحكومة حدثا يستحق التوقف عنده".
وتابع في حديثه لـ"سبوتنيك"، "إذا توقفنا عند المضمون فهناك رسائل إيجابية يجدر البناء عليها ودعمها ومقابلتها برسائل لا تقل إيجابية من رئيسي الحكومة والبرلمان"، مشيرا في المقابل إلى تواصل التوتر الكبير واللهجة العدائية إزاء البرلمان ورئيسه.
وتعليقا على هذه المسألة، نفى ديلو وجود معطيات رسميّة قاطعة في خصوص عدد النواب المعنيين بطلب الحصانة، مشيرا إلى أن إدارة البرلمان نفت بدورها وجود طلبات رفع حصانة تخص نوابا حاليين.
وأضاف أن اجتماع لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين البرلمانية اليوم تناول هذا الموضوع، مؤكدا أن اللجنة قررت توجيه مراسلة رسمية لطلب توضيحات من رئيس البرلمان بخصوص ملفت طلب رفع الحصانة، إلى جانب تنظيم جلسة استماع في الموضوع الأسبوع القادم مع المجلس الأعلى للقضاء ووزارة العدل.
وكان النائب عن الكتلة الديمقراطية نبيل الحجي قد نشر على صفحة الرسمية على "فيسبوك" ردا كتابيا على مطلب نفاذ للمعلومة تقدم به إلى إدارة المجلس يثبت أن البرلمان تلقى 17 مطلب رفع حصانة في المدة النيابية الفارطة ومطلب رفع حصانة وحيد في المدة النيابية الحالية.
وتضمنت تدوينته وثيقة من وزارة العدل تبين أن البرلمان تلقى مطالب رفع حصانة عن 29 نائب بدءا من العام 2014 إلى حدود يوم 15 أبريل 2021، 9 منهم لم يتمسكوا بالحصانة.