فهل تستطيع الرقابة الدولية منح المشروعية للانتخابات العراقية القادمة، في ظل ما يتحدث عنه الشارع العراقي من مقاطعتها؟
يرى مراقبون أن الحضور الدولي والرقابة، هى إجراءات شكلية لأن الأمر يتعلق بالحضور الشعبي والمشاركة، وحتى إن أعطت الرقابة الصفة الشكلية الصحيحة بدون مشاركة، فهذا يعني رفضا شعبيا لها، وكان يجب على الحكومة تهيئة الأجواء ووضع الأرضية الصحيحة والبعد عن المحاصصات والتقسيمات للخروج بنتائج جوهرية تمنح العراق نوعا من الاستقرار السياسي، الذي ينعكس على كل المجالات بلا شك، لكن من الواضح أنه سيتم تكرار نفس سيناريوهات 2018، هذا إذا ما تمت العملية الانتخابية في الموعد المحدد أصلا.
بداية يقول الدكتور قحطان الخفاجي، نائب رئيس لجنة العلوم السياسية في المنتدى العراقي للنخب والكفاءات، إن الانتخابات العراقية في كل أشكالها من بعد العام 2003 تم دعمها دوليا، لكن الآلية القائمة والمحاصصة السياسية القائمة والمصالح الذاتية للقوى السياسية وارتباطاتها الخارجية، هى التي تفقد الانتخابات والعملية السياسية مشروعيتها.
دعم شكلي
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن الدعم الشكلي للانتخابات دوليا لا يعطيها المشروعية، الجهات الرسمية في البلاد تسير في طريق استقدام المراقبين الدوليين، لكن بكل تأكيد هى لم تغير الأساس الخاطئ داخل البلاد، الأمر الذي يعني أن الانتخابات سوف تجري بآلية خاطئة لكنها معتمدة، وبالتالي ستكون الرقابة الدولية للانتخابات بمثابة تزكية للخطأ الذي تسير به العملية الانتخابية.
وأشار نائب رئيس لجنة العلوم السياسية في المنتدى العراقي، إلى إن التأييد الدولي للعراق في هذا الموضوع ليس نتيجة لطبيعة العملية السياسية، بقدر ما هو نتيجة للصراع الأمريكي - الإيراني في العراق، وبالتالي لا أعتقد أن أي رقابة دولية ستكون بمثابة نجدة للانتخابات وتعطيها شرعية دولية، لأن الشارع العراقي سوف يظل يتقاطع معها، ويعطي رسائل واضحة وصريحة وميدانية تعبر عن رفضه لتلك الانتخابات وما سوف ينتج عنها، هذا إذا ما أجريت الانتخابات في اكتوبر/ تشرين الأول القادم، لأن هناك توقعات كبيرة بعدم إجرائها في هذا التاريخ وقد لا تجرى أساسا.
الرقابة والمشروعية
بدوره قال المحلل السياسي العراقي، أياد العناز، إن العملية السياسية سوف تبقى رهينة المصالح العليا للأحزاب، والبوابة التي يتحكم من خلالها مسؤولي هذه الفئات السياسية في الولوج إلى حياة المجتمع العراقي، ويرون فيها شرعية تواجدهم وبقائهم، رغم جميع الإشكاليات والإخفاقات التي رافقت المهزلة الكبيرة والفضيحة الواسعة لانتخابات عام ،2018 والعزوف الجماهيري عن المشاركة فيها حيث بلغت نسبة عدم ذهاب المواطنين إلى مراكز الاقتراع 80%، إضافة إلى فضيحة التزوير الشامل في مجمل المراكز الانتخابية وصناديق الاقتراع، وضعف أداء الكوادر المسؤولة عن إدارة عملية الانتخابات، وكشف العديد من الوقائع والدلائل التي لا زال المواطن حريصا على عدم تكرارها.
توجه شعبي
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، إن شرعية الانتخابات وصدقها تتأتى من نسبة المشاركة الحقيقية، وتوجه المواطنين إلى صناديق الاقتراع وتفاعلهم مع البرامج السياسية والاقتصادية، التي تطرحها الأحزاب والتيارات الساعية للمشاركة في الانتخابات والتي تدعم بقاء العملية السياسية في العراق، وهذا ما لا نراه محققا إلى الآن، فالتوجه الشعبي والجماهيري والرأي العام لأبناء الشعب العراقي، لا يرى في الانتخابات القادمة ما يحقق له من أهداف في التغيير والإصلاح بسبب عملية التدوير السياسي الممنهج لحركة الأحزاب، واختيار مرشحيها وعدم وجود برامج تنموية اجتماعية إصلاحية جذرية تواكب حركة وطموح الجماهير العراقية.
الأداة الحقيقية
وأشار العناز إلى أن وجود الرقابة الدولية وممثلين عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمجموعة الأوربية، لا يمنح الانتخابات شرعية دستورية وقبول شعبي، وإنما دورها ينحصر في سير الانتخابات وعملية فرز الأصوات ومتابعة الحضور في مراكز الاقتراع.
وأكد المحلل السياسي، أن الشعب هو الأداة الحقيقية الميدانية التي تمنح الشرعية للانتخابات، بمدى حضوره ومشاركته وتفاعله، ولا توجد أي قوة سياسية أو مادية تكون بديلا عن صلابة وإرادة الموقف الصميمي للشعب العراقي.
تجدر الاشارة إلى أن الانتخابات العامة المبكرة في العراق، تقررت على وقع الاحتجاجات الشعبية العارمة أواخر العام 2019، الرافضة لسوء إدارة البلاد، وارتهانها لدول إقليمية ولميليشياتها المسلحة، وتفشي الفساد والبطالة، وتردي الواقع المعيشي والخدمي، في بلد ثري يسبح على بحار من الثروات الطبيعية.
وكان من المقرر تنظيمها في شهر يونيو/حزيران من العام الجاري، لكن لاعتبارات فنية ولوجستية متعلقة بعامل الوقت، وتفشي فيروس كورونا المستجد، وطبيعة المناخ الصيفي الشديد الحرارة في العراق خلال شهر يونيو/حزيران، قررت الحكومة العراقية تأجيلها، بطلب من المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، لتتم في اليوم العاشر من شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل.