جمعية "الأرض للجميع" التي تعنى بملف الهجرة غير النظامية وثقت وصول 600 تونسي إلى جزيرة لامبادوزا الإيطالية نهاية الأسبوع المنقضي، من بينهم 170 طفلا ونساء حوامل.
ويروي عدد من هؤلاء في مقطع فيديو نشرته الجمعية على صفحتها الرسمية بموقع "فيسبوك" كيف أنهم غادروا تونس بحثا عن حياة كريمة بعد أن انقطعت سبل الحياة في بلدهم.
وسبق أن انتشرت في السنوات الأخيرة صور وفيديوهات توثق هجرة القصر ممن تقل أعمارهم عن الثمانية عشر سنة إلى إيطاليا بطرق غير نظامية، وسط تنديد حقوقي بصمت السلطات الرسمية عن إيقاف هذا النزيف.
عائلات تُسفّر أطفالها
وأكد رئيس جمعية الأرض للجميع عماد السلطاني لـ "سبوتنيك" أن غالبية هؤلاء الأطفال غادروا البلاد بطرق غير نظامية بعلم عائلاتهم وأن ظروف العيش القاسية هي المحرك المشترك لهم لركوب الخطر.
واعتبر السلطاني أن تسجيل هذا العدد الكبير من المهاجرين القصّر خلال 24 ساعة فقط أمر مقلق للغاية ولكنه نتيجة طبيعية لما يحدث في تونس من تنامي ظاهرة الفقر وغياب التنمية ومواطن العمل وانشغال الطبقة السياسية عن مشاغل الفئات الهشة، وفقا لتعبيره.
وقال السلطاني إن الهجرة السرية لم تعد مقتصرة على فئة الشباب ولا حتّى على فئة الأطفال، بل أصبحت تخص الشعب التونسي بكل فئاته وأصنافه سواء القصّر أو الحوامل أو الأدمغة وحاملي الشهادات الجامعية وغيرهم". وأضاف أن عائلات بأكملها أصبحت تشارك في تجربة الهجرة غير الشرعية.
وأكد المتحدث أن الجمعية تدخلت لفائدة العشرات من النساء الحوامل اللاتي هاجرن بطرق غير نظامية طمعا في ولادة أطفالهن خارج التراب التونسي وإكسابهم جنسية أوروبية.
وبيّن أن إحدى النساء ساعدت طفليها (9 سنوات و10 سنوات) على الهجرة إلى إيطاليا عبر ميناء حلق الوادي بعد أن وضعتهما داخل خزّان مليء بزيت الزيتون المعد للتصدير ومكّنتهما من أنبوب يستطيعان من خلاله التنفّس.
وروى السلطاني لـ"سبوتنيك" أن طفلا تونسيا عمره خمس سنوات لقي حتفه مؤخرا في وادي بعد أن وصل إلى فرنسا صحبة والدته بطريقة غير شرعية، مشيرا إلى أن معظم الأمهات يرسلن أبنائهن عبر البحر معوّلات على تدخل المنظمات والجمعيات وطبعا في تأمين حياة كريمة لهم.
ويرى السلطاني أن ما يحدث هو مهزلة تاريخية للدولة التونسية، مستنكرا صمت السلطات الرسمية عن هذه الظاهرة وعن إنقاذ أرواح الأطفال والمهاجرين عموما وتماديها في توقيع اتفاقات مخالفة للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان بعد أن أصبحت أداة لهضم حقوق المهاجرين وتحويل البحر الأبيض المتوسط إلى مقبرة جماعية لأناس هربوا من الموت جوعا إلى الموت غرقا.
702 قاصرا خلال 6 أشهر
ووفقا للأرقام التي أطلع المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية سبوتنيك عليها، فإن عدد التونسيين الذين وصلوا إلى إيطاليا خلال الستة أشهر الأولى من سنة 2021 وصولا إلى يونيو/ حزيران المنقضي بلغ 2962 شخصا، من بينهم 702 قاصرا.
وقال المتحدث باسم المنتدى رمضان بن عمر لـ"سبوتنيك"، إن القصّر يمثلون 23.6% من مجموع المهاجرين الذين بلغوا السواحل الإيطالية، مشيرا إلى أن تحسن المناخ من العوامل المساعدة على تزايد نسق الهجرة السرية.
واعتبر بن عمر أن تفاقم مشاركة القصّر في الهجرة غير النظامية أمر متوقع لعدة أسباب، منها ما هو مشترك مع جميع المهاجرين على غرار الوضع الاقتصادي والاجتماعي وتوسع دائرة الفقر وصعوبة الوضع الوبائي وتعمق الأزمة السياسية واتساع الهوة بين الحكام والشعب، ومنها ما هو خاص بالقصّر.
وأوضح أن تزايد عدد المهاجرين القصر يعود إلى أسباب متداخلة أوّلها الانقطاع المدرسي الذي شمل الآلاف من التلاميذ، مشيرا إلى أن حواليْ 100 ألف طفل غادروا مقاعد الدراسة في السنة الماضية دون أن تكون لهم حلول بديلة، قائلا "هذه الفئات عادة ما يكون مصيرها التجارة غير المنظمة أو شبكات الإجرام أو الهجرة غير الشرعية".
وأضاف أن الأزمة التي تعيشها المؤسسات المعنية بحماية الطفولة نتيجة سياسات الدولة التي جمدت الانتداب في الوظيفة العمومية أسهم في تفاقم ظاهرة هجرة القصر سرا، واستشهد بن عمر بتصريح أدلت به وزيرة المرأة سنة 2019 أكدت فيه إغلاق 52 مؤسسة طفولة نتيجة نقص الإطار البشري.
ويرى بن عمر أن مقاومة العائلات لمشروع الهجرة غير النظامية للأطفال أصبحت ضعيفة بفعل انهيار وضعياتها الاقتصادية والاجتماعية بفعل الجائحة وتراجع ثقتها في المصعد الاجتماعي المتعارف عليه (التعليم).
وأكد أن العديد من العائلات لم تعد تمانع ركوب أبنائها قوارب الموت، بل أصبحت تساهم أحيانا في تمويل هجرتهم وفي البحث عن علاقات لتسفيرهم.
ولفت بن عمر إلى أن القصّر أصبحوا على معرفة بأن القانون الدولي يحميهم ويمنع ترحيلهم إذا ما وصلوا إلى إيطاليا المجبرة على التكفل بهم والمساعدة على اندماجهم في مجتمعها.
فئة مستضعفة
من جانبه، قال رئيس فرع الهلال الأحمر التونسي بمدنين منجي سليم لـ"سبوتنيك"، إن منطقة الجنوب الشرقي تحوّلت إلى نقطة عبور للمهاجرين غير النظاميين القادمين خاصة من بوابة ليبيا.
ولاحظ المتحدث تنامي أعداد المهاجرين القصّر المتجهين إلى السواحل الإيطالية في الآونة الأخيرة، مؤكدا أن الهلال أحصى أكثر من 100 طفل وطفلة في محاولة عبور غير شرعية من ضمن 270 مهاجرا.
ونبّه سليم إلى خطورة تشريك الأطفال في ركوب قوارب الموت إلى إيطاليا على اعتبارهم الفئة المستضعفة والهشة وسط بقية المهاجرين، موضحا "يمكن استغلال هؤلاء الأطفال من جوانب عدة على غرار التجارة الجنسية وبيع الأعضاء والتشغيل الهش".
واعتبر المتحدث أن الدولة التونسية فشلت فشلا ذريعا في الإحاطة بهؤلاء وفي ضمان مستقبل لائق يحمي كرامتهم ويؤمّن لهم المستوى الأدنى من العيش الكريم، مشيرا إلى أن حالة الإحباط وعدم ثقة التي يشعر بها المهاجرون تجاه دولتهم قادت العديد منهم إلى تعريض أبنائهم للخطر في سبيل تأمين مستقبل لهم.
وبيّن أن صعوبة الحصول على التأشيرة دفعت العديد من الشباب والأطفال إلى تحدي القوانين وركوب قوارب الموت طمعا في الحلم الأوروبي، داعيا السلطات التونسية إلى التحرك سريعا لحل هذه الأزمة والابتعاد عن الحلول أحادية المصلحة.