تحالف "جنين" كشف بأزمة الغواصات الفرنسية لكسر عملاق الاقتصاد له "وجه عربي"
19:45 GMT 25.09.2021 (تم التحديث: 10:44 GMT 21.10.2021)
© Photo / pixabay/miguelgraficoرسم لغواصة مجهولة الهوية في أعماق المحيط
© Photo / pixabay/miguelgrafico
تابعنا عبر
تسبب قرار أستراليا إلغاء صفقة الغواصات مع الجانب الفرنسي بأزمة دولية بين عدد من الأقطاب الدولية الكبرى على رأسها أمريكا وفرنسا وأستراليا، وهزَّ مفاصل أكبر تحالف عسكري عالمي "حلف الناتو". لكن الصفقة لها أبعاد أخرى بعيدة عن قيمتها المالية الضخمة التي خسرتها باريس (50 مليار دولار)، حيث تتجه الأنظار مؤخرا إلى "عملاق الاقتصاد العالمي"، أي الصين، بلا منازع.
تتزايد أوجه وحدة الصراع بين أمريكا والصين ومن خلفهم حلفائهم الاستراتيجيين، حيث طفت في الأعوام الأخيرة، تحديدا منذ بداية أزمة فيروس كورونا المستجد، أوجه مختلفة لهذا الصراع، على رأسها الصراع الاقتصادي وأزمة "أشباه الموصلات" التي تتبعها أزمات فرعية متعلقة بالتكنولوجيا المقدمة، التي نتج عنها محاولة "كبح جماح" عدة شركات صينة، كان منها شركة "هواوي" على سبيل المثال لا الحصر، ليصل الصراع إلى أبعد الحدود الممكنة، أي في الفضاء الخارجي، حيث وصلت بعثة صينية إلى المريخ بعد أسابيع من البعثة الأمريكية.
بطبيعة الحال، وكمال هو معروف للجميع، "الحاجات والمنافسات الاقتصادية تحرك المدرعات الحربية"، ولا يمكن إخفاء الدور والبعد الاقتصادي للحروب الكبرى في أي وقت من الأوقات، على سبيل المثال، أتت الحرب العالمية الثانية عام 1939 بعد أزمة الكساد الكبير عام 1929، أو على سبيل المثال، "حرب الأفيون" التي بدأت عند مصادرة الصين شحنات أفيون البريطانية من السوق الصينية بعد إدمان الشعب الصيني وظهور علامات المرض، حيث أرسلت بريطانيا وفرنسا أسطولا بهدف "معاقبة الصين" وأجبروها على توقيع اتفاقية غير عادلة بعد حرب الأفيون الأولى (1840 -1842) وحرب الأفيون الثانية (1856 -1860).
كتب فكتور هوغو عن هذه الحرب قائلا: "دخلت العصابتان البريطانية والفرنسية كاتدرائية آسيا.. أحدهما قام بالنهب والآخر قام بالحرق.. وأحد هذان المنتصران مليء جيوبه والثاني مليء صناديقه ورجعوا إلي أوروبا يدهم في يد بعض ضاحكين.. إن الحكومات تتحول أحيانا إلي لصوص ولكن الشعوب لا تفعل ذلك".
أما اليوم، لدينا أزمة أخرى في العالم، تتمثل بتبعات أزمة تفشي وباء فيروس كورونا العالمية، وهي أزمة كبيرة جدا لها تبعاتها الاقتصادية والسياسية التي ظهرت بشكل واضح وطفت على السطح على شكل بتوتر كبير بين الصين وأمريكا.
أشارت بعض المصادر إلى أن السياق الاستراتيجي لاتفاقية "أوكوس" التي وقعتها كل من بريطانيا وأمريكا واستراليا، ما هي إلا محاولة من قبل هذه الحكومات "للرد على قدرة الصين العسكرية المتزايدة، البحرية بشكل أساسي، بما في ذلك أسطول الغواصات الكبير".
وعلى الرغم من هذا التصريح، لا يمكن إخفاء البعد الاقتصادي لهذه الاتفاقية، حيث بدأت الصين مؤخرا تتربع وبقوة على عرش الصناعة والاقتصاد العالمي ودخلت صناعاتها التكنولوجية بجميع مستوياتها من "اشباه الموصلات" إلى السيارات والأسلحة، وعلى الرغم من أن التصريحات تركز على الجانب العسكري، لكن الجانب الاقتصادي هو الهدف، حيث قد يقدم الضغط العسكري تنازلات اقتصادية، تماما، كما حدث في "حرب الأفيون".
نوه الكاتب والمحلل، فينيس كابيل، في مقال كتبه مؤخرا نشر على "yahoo"، إلى أن هذه الاتفاقية تنتظر ولادة حلف وصف بـ"الجنين" يتضمن تحالف عسكري يضم كل من اليابان والهند، معتبرا أن، الرئيس الأمريكي، جو بايدن، يحاول توزيع المسؤوليات والمهمات لمواجهة الصين بن حلفاء إقليميين.
وهو الأمر الذي يفسر منح أستراليا غواصات أمريكية من نوع "فرجينيا" قادرة على تنفيذ دوريات في بحر الصين الجنوبي لمدة 77 يوم دون التزود بالوقود، مع سرعة تصل إلى 40 كيلومترا في الساعة، وبطارية ننوية تضمن تشيلها لمدة 30 عاما، بعكس الغواصة الفرنسية "باراكودا" التي ينتهي وقودها بعد 80 يوما من الإبحار، وهو أمري ضروري جدا وخطير في عصر تراجع الطاقة العالمي.
واعتبر كابيل أن هذا الطموح يغذي التوتر المتزايد اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، مؤكدا أن إطلاق اتفاقية "أوكوس" لم يشكل سوى "كارثة سياسية" منذ الإعلان عنه، خصوصا أن الفرنسيون يرونه "ازدواجية في العمل وأكاذيب".
حلف بدأ بـ"طعنة في الظهر" هزت "الناتو"
تسبب الإعلان عن الحلف الجديد وإلغاء صفقة الغواصات الفرنسية بأزمة كبيرة داخل أركان حلف الناتو، حيث اعتبرته فرنسا "طعنة في الظهر"، بينما حذرت ألمانيا من أن هذا الإجراء "يهدد تماسك الغرب ووحدته"، منوهة إلى أنه سيضعف "الناتو" لصالح تعزيز الحلف الآخر.
وعلى الرغم من الترويج الكبير الذي رافق الإعلان عن الحلف، إلا أن الخارطة على أرض الواقع مختلفة، حيث يبحث الكثير الأوربيين لبناء شركات مع الصين، خصوصا من الناحية الاقتصادية، وعلى الرغم من ترحيب اليابان بالحلف، إلا أن البيانات تشير إلى أن اليابان تسعي لبناء تشابك اقتصادي قوي مع الصين، أما كوريا الجنوبية، ليس لديها الوقت أو الإمكانية لمحاربة الصين، خصوصا أن لديها مشكلتها الخاصة "المستعصية" مع كوريا الشمالية.
تطرقت بعض المصادر إلى وجود مشكلة فرنسية أمريكية في العراق، حيث تؤكد جميع المؤشرات انسحاب أمريكا القريب من الأراضي العراقية، بينما تعمل فرنسا جاهدة على تعزيز تواجدها، معززة موقفها بحجة "عدم مشاركتها بحرب الخليج من جهة، كما أن رفض فرنسا خروج أمريكا من الاتفاق النوي مع إيران منحها قبول الإيرانيين الذي يملكون نفوذا كبيرا في العراق"، بحسب مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية "csis"، وهو الأمر الذي "ربما" جعل أمريكا تحييد فرنسا.
لكن الخبراء الفرنسيين اعتبروا أن وجود فرنسا في العراق "سيخلق منطقة عازلة وعقبة في طريق الزحف الصيني، والذي أصبح مقلقًا بشكل متزايد بالنسبة للغرب مع الاتفاق الاستراتيجي الصيني الإيراني العام الماضي". بالإضافة إلى ذلك، فإن "انسحاب القوات الأمريكية من العراق يخلق ضرورة لترتيبات دولية بديلة لضمان استمرار الأموال ودعم مكافحة الإرهاب، الذي لا يزال يهدد المنطقة والعالم"، لكن هذه التوقعات لم تترجم بالطريقة التى رغبت بها باريس داخل أروقة البيت الأبيض، الأمر الذي خلق أزمة لا زالت تتفعال نتائجها حتى اليوم.
المقال يعبر عن رأي كاتبه فقط.