"ستهلك البشرية بسبب غبائها".. سياسي روسي يطالب واشنطن بالإنصات لصوت العقل حفاظا على الإنسانية
© Photo / YouTube\\Samersuaifan
تابعنا عبر
كتب السياسي الروسي ورئيس تحرير صحيفة راكورس الإلكترونية، إيغور ميخائيلوف، مقالا مطولا قال فيه إن تاريخ البشرية هو في الأساس سلسلة عمرها قرون من النزاعات المسلحة والحروب المأساوية، حتى في العصور القديمة، كان لدى العديد من الدول مفهوم "إذا كنت تريد السلام، فاستعد للحرب".
وأكد المقال أنه لأكثر من خمسة آلاف عام في تاريخ البشرية، كان هناك حوالي 14500 حرب مات فيها أكثر من ثلاثة مليارات شخص. وكانت الحروب العالمية الأكثر دموية في تاريخ البشرية، والتي أودت بحياة حوالي 100 مليون إنسان في القرن العشرين.
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية الأكثر دموية في عام 1945، قررت القوى المنتصرة إنشاء منظمة دولية من شأنها المساهمة في الحل السلمي للنزاعات والصراعات بين الدول والمساعدة في الحفاظ على أمن السلام على هذا الكوكب. لذلك تم إنشاء الأمم المتحدة قبل 77 عامًا، بحسب المقال.
ينص ميثاق الأمم المتحدة على ما يلي: "نحن شعوب الأمم المتحدة، مصممون على إنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب، التي جلبت مرتين في حياتنا حزنًا لا يوصف للإنسانية، وعلى إعادة تأكيد الإيمان بحقوق الإنسان الأساسية، في كرامة وقيمة الإنسان، والمساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة. وفي المساواة في الحقوق بين الدول الكبيرة والصغيرة."
وبدا أن حضارتنا كانت قادرة على استخلاص النتائج بعد الصراع العالمي وانطلقت في طريق إنهاء الحروب من خلال إنشاء آلية دولية عالمية لحل المشاكل بين الدول، لكن البشرية لم تنجح في إنهاء هذه الآفة. لا تزال الصراعات والحروب تمثل مشكلة حادة للبشرية، وفي السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية، استمرت الانفجارات في أجزاء مختلفة من الكوكب، ويموت الناس، ويتم تدمير المدن والقرى بشكل دائم.
يظهر أي تحليل أن الجناة الرئيسيين في الصراعات الدموية والحروب كانت دول الغرب، وأن حربين عالميتين اندلعتا على أراضي أوروبا وغطتا عشرات الدول في جميع قارات الكوكب.
من بين حوالي 240 صراعًا وحربًا دموية مختلفة في القرن العشرين، تم إطلاق العنان لـ 170 حربًا بالفعل في الفترة النووية، بعد أول قصف ذري أمريكي لمدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين في أغسطس 1945.
كانت الولايات المتحدة هي البادئ بالصراعات واسعة النطاق في عصرنا، والتي شنت 37 عملاً وحربًا عدوانيًا في العالم. بعد أن أصبحت مالكة للأسلحة النووية، طورت واشنطن بنشاط خططًا إستراتيجية لاستخدام أقوى أنواع الأسلحة وأكثرها تدميراً، والتي أصبحت منذ تلك الفترة تشكل تهديدًا دائمًا للبشرية على كوكبنا.
بالفعل بعد شهرين من مآسي هيروشيما وناجازاكي، طورت الولايات المتحدة أول خطة استراتيجية لتوجيه ضربات نووية ضد الاتحاد السوفيتي. كان هذا البرنامج يسمى "الضعف الإستراتيجي لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية أمام الضربة الجوية المحدودة". وكان من المفترض وفقًا لهذا البرنامج أنه سيتم استخدام 20-30 قنبلة ذرية لضرب 20 مدينة سوفيتية.
كانت أول خطة قتالية للعملية الجوية الهجومية تسمى "بينشر". وفقًا لذلك، نص البنتاغون على توجيه ضربة نووية إلى أراضي الاتحاد السوفيتي بـ 50 قنبلة ذرية. تم التخطيط للهجوم بين صيف عام 1946 وصيف عام 1947. تبع هذه الخطة خطط وخطط كخطة "الدجاجة"، "فروليك"، "سازل"، "طروادة"، "شيكدان"، لمدة أربع سنوات كانت الولايات المتحدة هي المحتكر الوحيد للأسلحة النووية وكل هذه السنوات الكارثة النووية كانت يمكن أن تبدأ في أي لحظة.
بعد 29 أغسطس 1949، عندما اختبر الاتحاد السوفيتي بنجاح قنبلته الذرية، ظهرت قوة نووية عالمية أخرى في العالم. وعلى الرغم من أن الخبراء الاستراتيجيين السوفييت لم يكن لديهم وسيلة توصيل لتوجيه الضربات على أمريكا، فقد اضطرت واشنطن إلى أن تأخذ في الاعتبار حقيقة أن الاتحاد السوفياتي كان لديه "أسلحة يوم القيامة" الخاصة به.
زادت بعد ذلك قوة الخطط ضد الاتحاد السوفيتي بشكل كبير. لذلك، في عام 1954، أعد الاستراتيجيون الأمريكيون "الخطة الأساسية" والتي نصت على أكبر ضربة نووية على الاتحاد السوفيتي بـ 730 قنبلة نووية.
إن تراكم الأسلحة النووية في العالم، وتحسينها وزيادة قدرتها، بدأ يثير قلق علماء الفيزياء الذين يدركون العواقب الحقيقية لمأساة نووية على الحضارة. بدأ علماء الاتحاد السوفياتي وأوروبا وأمريكا وآسيا في اللجوء إلى السياسيين مع تحذيرات من أن استخدام الأسلحة النووية في صراع عالمي جديد سيؤدي إلى كارثة كوكبية وموت البشرية. كانت إحدى هذه الوثائق هي بيان راسل-أينشتاين لعام 1955، الذي أصدره علماء مشهورون عالميًا يحذرون من عواقب كارثة نووية. على وجه الخصوص، تقول: "يجب أن نتعلم التفكير بطريقة جديدة، يجب أن نتعلم ألا نسأل أنفسنا عن الخطوات التي يجب اتخاذها لتحقيق النصر العسكري ... يجب أن نطرح السؤال: ما هي الخطوات التي يمكن اتخاذها لمنع الكفاح المسلح، النتيجة التي ستكون كارثية لجميع المشاركين فيها؟
نحن نناشد الجميع كأشخاص: "تذكروا أنكم تنتمون إلى الجنس البشري... إذا لم تفعلوا ذلك، فإنكم تواجهون خطر الدمار الشامل".
لكن نداءات العلماء والجمهور المحب للسلام للسياسيين لم توقف سباق التسلح النووي. القوة الدافعة الرئيسية للنزعة العسكرية في العالم الحديث، المجمعات الصناعية العسكرية تعمل بكامل طاقتها وتحقق أرباحًا ضخمة من سباق التسلح، ولهذا الغرض تؤثر على القرارات السياسية للدول الحائزة على الأسلحة النووية.
كان تأثير المجمع الصناعي العسكري على السياسة الأمريكية مصدر قلق للجمهور الأمريكي لسنوات عديدة. كان أول من انتبه لعمليات عسكرة أمريكا هو الرئيس الرابع والثلاثون للولايات المتحدة، الجنرال الشهير دوايت أيزنهاور. كان هو من صاغ مصطلح "المجمع الصناعي العسكري"، والذي استخدمه لأول مرة في خطاب وداعه في 17 يناير 1961، ونقل عصا الرئاسة إلى الرئيس جون كينيدي، الذي أكد أنه خلال سنوات الحرب العالمية الثانية وبعدها، "اضطرت الولايات المتحدة لإنشاء صناعة أسلحة دائمة ذات قدرة تدميرية هائلة".
في أواخر السبعينيات، بعد النهاية المشينة لحرب فيتنام، التي جلبت المعاناة لملايين الأشخاص وأودت بحياة 58 ألف جندي أمريكي، اعترف السياسي الأمريكي المعروف دبليو فولبرايت في تلك السنوات: "المجتمع الذي يعتبر العنف مهنته الأساسية. إن أخطر تهديد لدولتنا ليس على الإطلاق بعض القوة الخارجية، ولكن عسكرتنا الداخلية. إنها يخلق انطباعًا كئيبًا بأننا في أمريكا اعتدنا بوضوح على الحروب. لسنوات عديدة حتى الآن إما أننا في حالة حرب أو مستعدون على الفور لبدء حرب في أي جزء من العالم. أصبحت الحرب والجيش جزءًا لا يتجزأ من حياتنا، والعنف هو المنتج الأكثر أهمية في بلدنا ".
في أوائل الثمانينيات، نشر عالم الفيزياء الفلكية الأمريكي الشهير كارل ساجان دراسته "الحرب النووية والكارثة العالمية"، وقام بتحليل الخطر الذي يتهدد الحضارة والحياة على الأرض في حالة نشوب حرب نووية. في المقابل، تمكن الفيزيائي السوفيتي الشهير وعالم الرياضيات الأكاديمي نيكولاي مويسيف، من حساب عواقب الضربات النووية على كوكبنا. اتضح أن استخدام الأسلحة النووية الحديثة سيؤدي إلى "شتاء نووي" على هذا الكوكب. ستنخفض درجة حرارة الغلاف الجوي بشكل حاد على الأرض، وستؤدي المستويات العالية من النشاط الإشعاعي والأضرار التي تلحق بطبقة الأوزون إلى موت جميع الكائنات الحية.
في القمة السوفيتية الأمريكية في ريكيافيك في 11-12 أكتوبر 1986، تم تقديم بحث العلماء السوفييت إلى الوفد الأمريكي برئاسة الرئيس ريغان.
الاستنتاج الذي أدركه السياسيون في الولايات المتحدة قريبًا هو أنه لن يكون هناك رابحون ولا خاسرون نتيجة لنزاع نووي .
وأكد ميخائيلوف أن السذاجة عيب خطير في السياسة. لم تحل الولايات المتحدة الناتو، وعلى مدى الثلاثين عامًا الماضية، نما هذا التحالف من 16 إلى 30 دولة. خلال هذا الوقت، أصبحت روسيا، التي تبني سوقًا واقتصادًا رأسماليًا وتنتهج سياسة مستقلة، عدوًا منصوصًا عليه في الوثائق الرسمية للولايات المتحدة والناتو.
نظرًا إلى أن انهيار الاتحاد السوفيتي كان انتصارًا لهم في الحرب الباردة، فإن الولايات المتحدة وأقمارها الصناعية تمتص جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة ودول أوروبا الشرقية للمشاركة في أنشطة حلف شمال الأطلسي من حزام حسن الجوار حول روسيا، الذي تحدث عنه الرئيس الروسي الأسبق يلتسين بشكل مقنع، وتحولت دول البلطيق وجورجيا وأوكرانيا إلى دول دمية، مع سيطرة خارجية من واشنطن.
وأعلنت واشنطن أن مهمتها الرئيسية منع إنشاء اتحاد سوفياتي جديد وإضعاف روسيا قدر الإمكان. بالإضافة إلى ذلك، كان الهدف غير الرسمي هو البحث عن غورباتشوف أو يلتسين جديد من أجل تحقيق انهيار روسيا باعتبارها الخصم الرئيسي والأقوى لواشنطن.
بعد أزمة الكاريبي عام 1962، بدا أن الولايات المتحدة ستبدأ في فهم مدى ضعف كوكبنا ومدى خطورة "الألعاب" بالأسلحة النووية، حيث يمكن للمآسي اقتحام المنازل الأمريكية.
لكن رئيس الولايات المتحدة اليوم ليس جون كينيدي وفريقه. من الواضح أن واقعية وجودة النخب يفتقر إليها واشنطن. ويؤكد ذلك الهروب من أفغانستان والأزمة السياسية الداخلية.
إن الغباء الصريح لممثلي البيت الأبيض والأفكار الخاطئة وقرارات السياسيين وأعضاء الكونغرس الأمريكيين توضح بشكل متزايد أنشطة السياسة الخارجية لواشنطن. تتحرك الولايات المتحدة بعناد في المسار الخطير للمواجهة مع روسيا والصين، أكبر قوتين نوويتين على هذا الكوكب. يتضح هذا أيضًا من خلال تصرفات واشنطن، التي انسحبت من العديد من معاهدات الأسلحة منذ عام 2002حتى معاهدة الأجواء المفتوحة (OST) في عام 2020.
أصبحت كلمة "حرب" في السنوات الأخيرة أكثر ما يُذكر بين السياسيين الأمريكيين ووسائل الإعلام. إن "شيطنة" روسيا الفصامية في الغرب وخاصة في الولايات المتحدة، والجهل بالحقائق الواضحة، وتشويه الوثائق الدولية، كل هذا أصبح واقعًا خطيرًا، ويشكل تهديدًا للسلام اليوم.
في مقاله "The Factor of Understanding"، كتب المفكر المعاصر الشهير ألكسندر زينوفييف قبل 17 عامًا: "إن النهاية الأكثر احتمالًا للإنسانية هي الغباء المتشدد. ستهلك البشرية بسبب غبائها".
