ما السر وراء استمرار الصراعات الدموية في إقليم "دارفور" بالسودان؟
© AFP 2023 / ASHRAF SHAZLYسكان بجنوب دارفور يعودون إلى منازلهم بعد اتفاق السلام بين الحكومة السودانية ومتمردين
© AFP 2023 / ASHRAF SHAZLY
تابعنا عبر
لا تكاد تجف الدماء في إحدى ولايات دارفور بالسودان، حتى تسيل دماء في ولاية أخرى، تكاثرت الأقاويل حول الأسباب التي أدت لتلك الصراعات، البعض يستخدمها في الخصومات السياسية، وآخرون يرجعونها إلى الجهل وليس الفقر، أما الفريق الآخر ويعزي ذلك إلى انتشار السلاح الناري وغياب الدولة نظرا لبعد المسافات.. فما هى الأسباب الحقيقية لصراعات إقليم دارفور؟
بداية يقول الرئيس السابق لشرطة ولاية جنوب دارفور، الفريق فتح الرحمن عثمان، أن الأحداث المتكررة في ولايات دارفور تعود إلى المشاكل القبلية القديمة علاوة على انتشار الجهل، فهى تنشأ أو تندلع لأسباب تافهة لا يمكن أن تراق من أجلها أي قطرة دم.
الجهل لا الفقر
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، إن معظم الأحداث التي شهدتها وتشهدها ولايات دارفور هى في الأساس مشاكل قبلية نتيجة الجهل وليس الفقر كما يروج البعض، لأن دارفور تعد من الولايات المستقرة اقتصاديا نظرا لما بها من الثروة الحيوانية والزراعية، ولا تتأثر كثيرا بالأوضاع السائدة في البلاد".
وتابع: "لذلك نرى المواجهات القبلية تندلع نتيجة مشاكل سرقات أو تعدي على ماشية طرف من الطرف الآخر؛ هنا يتم استنفار أبناء القبائل واستعراض قوتهم وأسلحتهم لمواجهة الطرف الآخر الذي يفعل نفس الشيء، يحدث هذا الأمر أيضا بالنسبة لمناطق الرعي والمناطق الزراعية، فلو دخلت إحدى حيوانات طرف إلى زراعة الطرف الآخر، قد يقوم بقتلها وهنا تبدأ الأزمة".
وأوضح عثمان، أن المشاكل القبلية في دارفور ليست وليدة اليوم، بل هي صاحبة تاريخ طويل، لكن الجديد فيها هو "السلاح"، حيث كانت المشاكل القبلية تحدث في السابق ولا تحدث تلك المجازر الكبيرة، لأن السلاح الأبيض كان هو المستخدم، أما اليوم فالسلاح الناري دخل إلى دارفور من كل الاتجاهات، وأصبح هو العامل الرئيسي والأساسي في كل النزاعات بصورة مزعجة، تلك هى المشكلة الأساسية في الإقليم، ولا علاقة للسياسة أو الصراع مع الحكومة بما يحدث.
لا علاقة للأعراق
ونفى الرئيس السابق أن تكون الصراعات في دارفور "عرقية"، مشيرا إلى أن النزاعات تنشأ نتيجة الرعي والزراعة والتعديات التي لا علاقة لها بالعرق، فتارة تجد تلك الاشتباكات بين قبائل عربية-عربية، وتارة بين عربية وغير عربية، وأيضا بين القبائل غير العربية، هي نعرات الانتصار للذات، كما أن عمليات استدعاء الأقارب والأنصار تشعل الأوضاع حيث يقوم المناصرون بارتكاب المجازر حتى دون السؤال عن الأسباب التي أدت إليها، ونظرا لغياب التنمية والتواجد الحكومي في تلك المناطق البعيدة تجد الصراعات مستمرة، وهذه المناطق ليست فقيرة بل تزخر بالثروات الزراعية والحيوانية وحتى المعادن الثمينة.
حلول غير تقليدية
ويتفق المراقب الميداني والمحلل السياسي في دارفور، عبد المنعم العسيل، مع الرأي السابق أن "الفقر والجهل والبطالة هما أهم أسباب الصراعات في الإقليم، ولكي يتم التقليل من تلك الصراعات، يجب أن تكون هناك خطط متوازية للحل، تجمع بين الحلول الاقتصادية والاجتماعية".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، كما أن "هناك رواسب تتجدد من وقت إلى آخر في الإقليم نتيجة الحروب التي شهدتها وتشهدها ولايات إقليم دارفور على العموم ، ورغم ما يعرف عن دارفور من التدين".
وتابع: "إلا أن الأجيال الجديدة التي نشأت في عهد الحروب وحكومة الإنقاذ، حملت الكثير من العادات والأفعال الغريبة على أهل الإقليم، كما أن الحركات المسلحة وبعض الأيادي السياسية الخفية تريد العبث بأمن واستقرار الإقليم، هذا بجانب التدخلات الخارجية".
الترتيبات الأمنية
وأشار العسيل إلى أن "الحركات المسلحة كانت تعيش خارج الإقليم ولا يستطيعون فعل شيء في هذا الوقت، علاوة على أن تأخر تنفيذ الترتيبات الأمنية يعد أحد الأسباب التي كان بإمكانها المساعدة في تخفيف حدة الضغط على شرطة الولايات، فعندما تنفذ الترتيبات الأمنية على الأرض وتستقر البلاد، سيكون هناك نوع من الردع لمن يرتكبون تلك الأفعال".
أزمة متجذرة
وفي تصريحات سابقة لـ"سبوتنيك"، يقول رئيس الحركة الشعبية بالسودان الدكتور محمد مصطفي، أعتقد أن الأزمة في دارفور ما زالت متجذرة مجسدة أزمة السودان لأسباب معروفة ولم تكن عصية على الحل إذا وجدت الجدية والإرادة الوطنية والإنسانية والأخلاقية، وتعود أسباب الصراع إلى أن هنالك قبائل لديها أراضي واسعة "حواكير" وزاخرة بموارد ضخمة وهنالك قبائل وافدة ووجدت استضافة في حواكير تلك القبائل صاحبة الأرض وعندما حدث انقلاب الإنقاذ المشؤوم سنة 1989 ولأن الجبهة الإسلامية وحكومتها كانتا تبحثان عن شعبية وموطئ قدم في أي مكان منحته للقبائل الوافدة في أراضي حواكير القبائل المستضيفة، لتنفجر الأزمة القبلية وتفجرت ثورة التحرير لتقاوم ظلم نظام البشير العنصري، وبالمقابل أقدمت حكومة الإنقاذ "الفاسدة" على تسليح "الجنجويد، لتقتل وتغتصب وتنهب وتسلب، وتحرق وتطرد القبائل صاحبة الحواكير"الأراضي ومناطق السيطرة" من حواكيرها لتسكن معسكرات النازحين واللاجئين، والآن قد امتلأت دارفور بكل أنواع الأسلحة".
وأضاف مصطفى: " الأزمة الرئيسية هنالك بعض مشاكل الحدود بين القبائل صاحبة الحواكير، لذلك تجد بعض النزاعات في جنوب وشرق دارفور، على سبيل المثال بين قبيلتي الفلاتة والتعايشة في جنوب دارفور، وقبيلتي الرزيقات والمعاليا في شرق دارفور، لكن مشاكل الحدود مقدور عليها بإعمال أعراف وتقاليد أهل دارفور عبر عملية المصالحة التي تمشي جنبا إلى جنب مع عملية العدالة الانتقالية".
ولفت رئيس الحركة الشعبية، إلى أنه "من الأمور المستفزة والمهينة، أن يرى ضحايا العنف في دارفور المتهم الأكبر في قضيتهم، يحاكم في قضايا هامشية ولم يتم تسليمه حتى الآن ليحاكم على جرائمه الكبرى أمام الجنائية الدولية".
أعلن مسؤول في دارفور، أمس الجمعة، أن مواجهات قبلية جديدة اندلعت في المنطقة الواقعة غرب السودان والتي تشهد نزاعات سابقة على المراعي والمياه، قتل خلالها 17 مدنيا في يوم واحد، وبذلك يرتفع العدد إلى نحو أربعين قتيلا خلال أسبوع من المعارك بين قبائل في دارفور.
وبدأت المواجهات الأخيرة يوم الخميس الماضي، في منطقة جبل مون الجبلية في ولاية غرب دارفور المحاذية لتشاد، ما أدى إلى وقوع عشرات القتلى والجرحى والمفقودين، وفق الناطق باسم المنسقية العامة لمعسكرات النازحين واللاجئين آدم رجال الذي أشار إلى أنه "تم حرق أربع قرى بالكامل".
وبين السبت والاثنين الماضيين قتل 16 شخصا في اشتباكات بين قبيلة عربية وأفراد من مجموعة عرقية أفريقية في جبل مون، حسب نقابة الأطباء المركزية.