البوظة الدمشقية.. سفيرة المذاق التراثي الفريد إلى العالم
11:07 GMT 24.06.2024 (تم التحديث: 14:27 GMT 24.06.2024)
© Shams Melhem البوظة الدمشقية.. سفيرة المذاق التراثي الفريد إلى العالم
© Shams Melhem
تابعنا عبر
حصري
مع اشتداد موجة الحر المخيم فوق العاصمة السورية دمشق، بدأت متاجر البوظة الدمشقية بعرض أفخر ما لديها من مثلجات عربية مفعمة بتقاليد عريقة تحاكي مئات السنين.
متاجر البوظة الدمشقية التي يقصدها السياح القادمين إلى سوريا، تتركز في (سوق الحميدية) الأثري الشهير وسط دمشق، ويصح القول بأن معظم من زار سوريا خبر جيداً طعم البوظة الدمشقية الشهيرة التي يقدمها.
يتحدث أبو تيسير الافغاني، أحد قدماء صناع البوظة الدمشقية ورمزا من رموز توارثها، لـ "سبوتنيك" كيف يتم إرسال البوظة إلى العديد من البلدان العربية والأجنبية لتكون سفيراً سورياً بجدارة"، مضيفا: البوظة التي تصنع في دمشق تصدر إلى لبنان والأردن والعراق والخليج وروسيا ورومانيا حيث يتم وضعها ضمن حافظات خاصة لتحافظ على برودتها ليتم شحنها براً إلى الجوار أو جواً إلى المناطق البعيدة.
ما قبل الحرب، لطالما كان فصل الصيف موسما غزير الخير لصناع البوظة الدمشيقة، فإلى جانب الزبائن المحليين، كان السياح يشكلون مصدرا أساسيا للعائدات، وما أن دخلت الحرب، وما تخللها من إمطار المجموعات المسلحة للعاصمة دمشق بالقذائف الصاروخية حتى أصبح الوصول إلى هذه المتاجر رحلة محفوفة بالمخاطر، ناهيك عن تقلص أعداد السياح إلى حدود قياسية.
© Shams Melhem البوظة الدمشقية.. سفيرة المذاق التراثي الفريد إلى العالم
البوظة الدمشقية.. سفيرة المذاق التراثي الفريد إلى العالم
© Shams Melhem
اليوم، وبعدما استبشر صناع البوظة الدمشقية بطرد المجموعات المسلحة من محيط العاصمة، جاء الحصار الغربي الذي أودى بقدرة السوريين على تلبية احتياجاتهم الأساسية، لتتحول البوظة الدمشقية إلى رفاهية عند الكثيرين.
تعد صناعة البوظة الدمشقية مهنة عائلية لدى آل الأفغاني في دمشق، كما يؤكد الرجل التسعيني: "توارثنا هذه المهنة من آبائنا وأجدادنا الذين بدؤوا العمل في محالٍ صغيرة ضمن أحياء دمشق القديمة ما قبل الاحتلال الفرنسي، لم تكن دمشق في تلك الآونة تعرف البوظة المدقوقة إلا على نطاقٍ ضيق، بل كانت تُعرف في تلك الآونة بالـ (دانديرما).
لا تقتصر منغصات المهنة على منعطسات الحرب والحصار الغربي، فثمة معوقات أخرى ولدتها هجرة الخبرات المرتبطة بها، ما يضطر أصحابها إلى دمج الفتيات في هذه الصناعة التي لطالما كانت حكرا على الرجال.
يلخص أبو تيسير أهم الصعوبات التي تواجه عمله بـ "ندرة اليد العاملة الخبيرة بهذه الحرفة القديمة" مستدركا قوله: "وذلك ليس بالعقبة الكبيرة، فنحن ما زلنا وسنبقى نعلِم نخرج أجيالاً جديدة خبيرة بصناعة البوظة الدمشقية، وبتنا نعلم الفتيات طريقة صنعها وكيفية دقها بالمطرقة ، كي لا نفقد هذه التركة أو يندثر هذا التقليد الذي أصبح أحد العقود الاجتماعية في المدينة".
© Shams Melhem البوظة الدمشقية.. سفيرة المذاق التراثي الفريد إلى العالم
البوظة الدمشقية.. سفيرة المذاق التراثي الفريد إلى العالم
© Shams Melhem
ويضيف أبو تيسير: كانت هذه الصناعة في البداية بحاجة إلى مهنيين نادرين، نظرا للمشاق التي ارتبطت بها من صعوبة حفظ الثلج ونقله في وقت لم تكن فيه الكهرباء قد دخلت سوريا بعد، ولذلك فقد كانوا يستخدمون آلة قام بتصنيعها جدي الأكبر وأطلق عليها اسم (الطرنبة)، وهي عبارة عن وعاء خشبي كبير الحجم على شكل طبقات يوجد بينها فواصل لوضع الملح والثلج الطبيعي الذي كان يحافظ على برودة البوظة العربية، كونها صناعة بحاجة إلى مكونات تُجلب من مناطق بعيدة عن دمشق، كنبتة السحلب التي كان مصدرها المناطق الشمالية في سوريا.
وللبوظة العربية التي تصنع في محال دمشق القديمة أسرار يمتزج فيها الإبداع بالصنعة المتوارثة، قصص يرويها حرفيون عشقوا ما يصنعون، فأصبحت بين أيديهم سفيراً لروعة الطعم إلى العالم.
عن المكونات التي تدخل في تكوين البوظة العربية الدمشقية يقول أبو تيسير الأفغاني: نعتمد على الحليب الطازج، والقشطة الطازجة التي كانت تأتينا فيما مضى من غوطة دمشق، والسحلب الطازج المستخرج من المزارع الجبلية، والمسكة والفستق الحلبي، وماء الزهر الصافي المستخرج من زهر الليمون، وماء الورد المستخرج من الزهور الدمشقية، والفواكه الدمشقية الطازجة كلٌ بحسب موسمه.
© Shams Melhem البوظة الدمشقية.. سفيرة المذاق التراثي الفريد إلى العالم
البوظة الدمشقية.. سفيرة المذاق التراثي الفريد إلى العالم
© Shams Melhem
يؤكد أبو تيسير أن البوظة الشامية لا يدخل في تركيبتها أي من المواد الكيمائية أو الملونات أو المنكهات، كما هو الحال مع البوظة الغربية، أو (الإفرنجية) كما يحلو للقدماء هنا في العاصمة تسميتها.
ويذكر أن ألمانيا أول من حاول نقل حرفة البوظة العربية، تلتها فرنسا، ومن ثم روسيا ودول شمال أفريقيا، وفي العقدين الأخيرين، افتتحت بعض المدارس لتعليم البوظة العربية الدمشقية في الولايات المتحدة الأمريكية، وتحديدا في نيويورك وشيكاغو ولوس انجلوس، كما افتتحت في فرنسا مدرسة لها.
وبحسب الإحصائيات الرسمية، فإن حوالي 100 طن من البوظة العربية الدمشقية يتم شحنها عبر المنافذ البرية إلى دول الجوار في الوقت الراهن.