التصعيد الإسرائيلي ضد سوريا... إعادة تصدير ثالثة للفشل العسكري في غزة والضفة
© Sputnik . Ali Hashemآثار العدوان الإسرائيلي على وسط سوريا يقطع طريقا حيويا يربط محافظتي حماة وطرطوس
© Sputnik . Ali Hashem
تابعنا عبر
ذكر المحلل السياسي والعسكري الدكتور حسن أحمد حسن، أن قيام الجيش الإسرائيلي باستهداف البنى الخدمية في سوريا يشير إلى تصعيد واضح في عدوانيته، حيث تم استهداف أكثر من موقع، كما أن زمن العدوان امتد لبضعة ساعات وتم خلاله استهداف بعض سيارات الإسعاف بطائرات مسيرة.
وأوضح المحلل السوري أن العدوان على سوريا حلقة جديدة في سلسلة تصدير الفشل الإسرائيلي المستمر، برعاية أمريكية، بدءا من غزة، مرورا بالضفة الغربية، واليوم يسعى إلى إعادة تصدير ثالثة له، علّه يحصل على مبتغاه في إشعال حرب إقليمية قد تتمدد إلى ما فوق إقليمية.
العدوان يتساوق مع الإبادة الجماعية والتهجير القسري في غزة
وأضاف حسن في حديث خاص لسبوتنيك: يمكن من خلال بعض النقاط توضيح معالم الصورة العامة، ومنها أن االعدوان على الجغرافيا السورية يأتي ضمن سياق حرب الإبادة الجماعية والتهجير القسري التي تشنها تل أبيب على قطاع غزة منذ أكثر من أحد عشر شهراً، وانتقلت مؤخراً بنيرانها إلى الضفة الغربية مع استمرار التهديد تجاه لبنان وإمكانية إعادته إلى العصر الحجري، ورفع سقف الاعتداءات على بقية أقطاب محور المقاومة.
وأشار المحلل العسكري إلى حرص حكومة نتنياهو على تعطيل إمكانية التوصل إلى أي اتفاق لإطلاق النار في غزة، وإطلاق اليد لقتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، واستكمال ذلك بمنع دخول الماء والغذاء والدواء وحتى المساعدات الإنسانية الأممية، وهذا ما يؤكده يومياً المسؤولون في تلك المنظمات العاملة على الجغرافيا الفلسطينية.
الإسرائيلي يرتكب الإبادة متكئا إلى "وسادة أمريكية"
وأكد الدكتور حسن أن التصعيد الإسرائيلي محاولة مكشوفة الأهداف لجر المنطقة بكليتها إلى الاشتعال، ودفع الجميع إلى حافة توسع دائرة الحرب وإمكانية تحولها إلى حرب إقليمية أولاً، وما فوق إقليمية لاحقا،ً وكل ذلك ما كان له أن يحدث إلا بمباركة ومشاركة أمريكية، لافتاً إلى أنه لا يمكن لتل أبيب أن تستمر في تحدي الشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي إلا بحماية واشنطن التي تشكل واستمرار تعطيل مجلس الأمن وبقية المنظمات التابعة لهيئة الأمم المتحدة، وبالتالي من يرتكب المجازر والإبادة الجماعية، وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية يتكئون إلى وسادة حماية أمريكية قادرة على حمايتهم من أية مساءلة دولية.
وأوضح الدكتور حسن أن كل ما يمكن أن يتم تسويقه من أسباب وذرائع لمنع وصول السلاح إلى حزب الله وبقية الحركات المقاومة يبقى لغواً وحديثاً خالياً من الحقيقة والمصداقية، فقد ثبت فشل ما سموه "المعركة بين الحروب" وأعلن السيد حسن نصر الله أن كل ما يجب أن يصل إلى المقاومة قد وصل، ومعطيات الميدان المشتعل منذ السابع من تشرين الأول 2023م. خير شاهد على صحة ذلك.
العدوان عنوانه أن إسرائيل مستمرة بالتصعيد بشراكة أمريكية
وقال المحلل السياسي: لا شك هناك أكثر من هدف وراء هذا التصعيد الإسرائيلي غير المسبوق، وقد يكون من ضمن الأهداف غير المعلنة ما يطلق عليه بالمصطلحات العسكرية: "الاستطلاع بالنار" أو الاستطلاع بالقوة، ومحاولة معرفة حدود الرد السوري ومنظومات الدفاع الجوية المستخدمة وأماكن انتشارها وتوزعها ووضعها جميعاً ضمن بنك الأهداف، مشيراً إلى أن العنوان الأبرز لأهداف العدوان يقول: "إسرائيل" مستمرة في التصعيد، وأمريكا شريكة في أية تداعيات محتملة للحرب المحتملة القادمة سواء أكانت إقليمية أم أوسع من ذلك.
محاولة لتصدير الفشل الإسرائيلي بعد انتقاله من غزة إلى الضفة
وأضاف الدكتور حسن: العدوانية الإسرائيلية مستمرة زمانياً ومكانياً بسبب ومن دون سبب، وأهم ما أنجزته حكومة نتنياهو ينحصر في نجاحها بتحطيم سقوف العدوانية التي يمكن للعقل البشري تصورها مرة إثر أخرى، وهو النجاح العسكري الوحيد الذي تستطيع حكومة الثلاثي العنصري: نتنياهو ــ بن غفير ــ سموتريتش أن تسوقه لجمهور المستوطنين، مشيراً إلى أن توقيت التصعيد العدواني على الداخل السوري له دلالته ورسائله، وهنا أيضاً يمكن التذكير ببعض العناوين الرئيسية، ومنها: العجز عن الحسم الميداني في قطاع غزة رغم تدمير كل مظاهر الحياة، وارتقاء أكثر من أربعين ألف شهيد وقرابة مئة ألف جريح فلسطيني غالبيتهم من الأطفال والنساء.
وتابع المحلل العسكري: ومن دلالات توقيت العدوان تكرار المماطلة والتسويف في إمكانية التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، وكلما لاحت في الأفق بادرة أمل يسارع نتنياهو لوضع العصي في العجلات، وإضافة شروط تعجيزية تمنع التوصل إلى أي اتفاق ممكن، ومنها أيضاً انتقال الفشل الميداني من غزة إلى الضفة الغربية، حيث استطاعت حركات المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية أن تواجه جحافل الجيش الإسرائيلي بشجاعة نادرة، ولم يفلح في تحقيق أي من أهدافه، إلا القتل والتدمير وتجريف الأحياء السكنية، وزيادة الحقد على هذا الكيان العنصري المتوحش.
(البطل) ماهر الجازي أفتى بشرعية التطبيع
وأشار الدكتور حسن إلى أن عملية جسر الكرامة التي نفذها البطل ماهر الجازي ابن عشيرة الحويطات العربية الأردنية الأصيلة أوصلت رسالة مفادها أن كل سنوات التطبيع لم تغير قناعة أبناء المنطقة وشعوبها، وأن الجميع مقتنع بأن السماح للسلطات الإسرائيلية بكسر إرادة المقاومة الفلسطينية في غزة يعني الخطوة الأولى في اجتثاث الوجود العربي الفلسطيني من الضفة الغربية، وهذه ستكون مقدمة لفرض الإرادة على دول المنطقة وشعوبها، وواقع الحال يقول باستحالة ذلك.
رسائل إسرائيل: بإمكاننا إشعال المنطقة في أي لحظة
وأكد المحلل السياسي: وجود نصف مليون متظاهر إسرائيلي في الشوارع وداخل المدن والبلدات بما في ذلك تل أبيب، وازدياد تمرد العسكريين ورفضهم تلبية الدعوات الاحتياطية الجديدة، إضافة الى ازدياد الانقسام الداخلي الإسرائيلي، وتبادل الاتهامات بين مسؤولي الصف يؤكد هشاشة الوضع الداخلي الإسرائيلي.
وقال الدكتور حسن: في ضوء كل ما تقدم يمكن أن يفهم من التصعيد العدواني الإسرائيلي ضد الدولة السورية، على أنه محاولة لتنفيس الاحتقان في الداخل الإسرائيلي من جهة، ومن جهة أخرى هو تحفيز لأهمية التماسك الداخلي لتلافي الأخطار الوجودية التي تهدد الكيان بكل مكوناته، موضحاً أن التصعيد غير المسبوق يحمل رسالة مباشرة للقوى الكبرى الفاعلة والمؤثرة مضمونها: بإمكان "إسرائيل" إشعال المنطقة في أية لحظة.
الوجود الروسي سد الأفق أمام الحماقات الأمريكية
وقال الدكتور حسن: إن اتضاح الرؤية الشاملة لدى القيادة الروسية عامل مهم ورئيس في ضمان الأمن والاستقرار إقليمياً ودولياً، ومنذ القمة الثنائية التي جمعت الرئيسين الأسد وبوتين في موسكو 25/7/2024م. كان واضحاً لدى موسكو أن القادم من الأيام يحمل "مخاطر تصعيد التوتر في منطقة الشرق الأوسط، وتأثير ذلك "بشكل مباشر" على سورية"، وتصريحات الوزير لافروف تأتي في هذا السياق أيضا، مشيراً إلى أن الوجود العسكري الروسي المباشر على الجغرافيا بطلب من الدولة السورية منذ نهاية تموز 2015 قد ترك آثاره النوعية وما يزال، وفي مقدمة ذلك انسداد الأفق أمام العسكرة الأمريكية التي كان بإمكانها التفكير بالعديد من الحماقات والمغامرات العسكرية الميدانية لولا الوجود الروسي المباشر.
وأضاف المحلل العسكري: النقطة الأخرى الجديرة بالذكر هنا تتعلق بأن أهمية الدور الروسي لا تقتصر على الجانب العسكري المكرس لمحاربة داعش وبقية التنظيمات الإرهابية المسلحة على الجغرافيا السورية، بل هناك الدور الدبلوماسي المهم جداً، ومنع واشنطن من تحويل مجلس الأمن إلى منصة متقدمة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول المستقلة، كما أن العلاقات الجيدة بين أنقرة وموسكو خففت جداً من جموح أردوغان، ونجحت في تدوير الزوايا في الكثير من المنعطفات الحادة والخطيرة، مشيراً إلى أن علاقات روسيا بـ "إسرائيل" جيدة، وهذا يمنح موسكو قدرة إضافية على التدخل، ومنع الأمور من الذهاب إلى الهاوية، بغض النظر عن الموقف الإسرائيلي الداعم للنازية الأوكرانية، فروسيا دولة عظمى تتعامل وفق محددات السياسة الخارجية للدولة العظمى، وليس وفق أي محددات أخرى، ولا بردود الأفعال التي لا تثمر إلا المزيد من الاحتقان والتوتر والاضطراب والتصعيد وبما يهدد الأمن والاستقرار إقليمياً ودوليا،
الدور الروسي الوحيد الصالح لتجنيب المنطقة ويلات توسع الحروب
وأكد الدكتور حسن أن الدور الروسي مهم جداً، ويعول عليه الكثير، بل قد يكون الوحيد الصالح لبناء أمل حقيقي بتجنيب المنطقة ويلات وكوارث توسع ألسن اللهب واشتعال حرب واسعة لا تستثني أي طرف من تداعياتها الكارثية.
وأشار المحلل السياسي إلى أنه في ما يتعلق بدور المجتمع الدولي فقد بدأ العالم يتلمس معالم تغيير ما يزال خجولاً بسبب الخوف من العصا الأمريكية، ومع ذلك وافقت/143/ دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار يقضي بوقف إطلاق النار، وضرورة إدخال المساعدات الإنسانية للسكان في قطاع غزة المحاصر والمفروض عليه مواجهة حرب إبادة منظمة بمشاركة واشنطن، كما أقدمت عدة دول على الاعتراف بالدولة الفلسطينية قبل إعلانها، وللمرة الأولى تنظر محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية بالجرائم التي يرتكبها الكيان الإسرائيلي، ويحال رئيس الوزراء ووزير الحرب إلى تلك المحكمة، موضحاً أن المظاهرات التي عمت العديد من المدن والجامعات الأمريكية والأطلسية ما هي إلا الدليل على بداية تغير حقيقي في العلاقات الدولية، لكنه ما يزال خجولاً، ولا شك أن وجود روسيا الاتحادية القوية ومعها الصين وبقية دول العالم الرافضة لكل أشكال استمرار الأحادية القطبية من شأنه أن يساهم بشكل جدي وفاعل في إرساء أسس الأمن والاستقرار في هذه المنطقة الجيوستراتيجية من العالم.