دراسة تكشف عن طوفان "غابر القدم" أدى لتشكل البحر المتوسط... فيديو
© Sputnik . Zhaklin Babieva
تابعنا عبر
طرحت دراسة أجريت عام 2009، حول وادٍ تحت الماء حُفر على طول مضيق جبل طارق، نظرية مفادها، أنه قبل ما يزيد قليلاً عن خمسة ملايين سنة، شقّت مياه المحيط الأطلسي طريقها عبر مضيق جبل طارق الحالي، بسرعة كبيرة، على منحدر ارتفاعه كيلومتر واحد نحو حوض البحر الأبيض المتوسط الخالي حينذاك، حافرةً في طريقها حوضًا عميقًا بعمق ناطحات السحاب.
وتفترض النظرية، أن البحر الأبيض المتوسط، في ذلك الوقت، كان حوضًا جافًا ومالحًا إلى حد كبير، ولكن تدفقت كميات كبيرة من المياه فيه لدرجة أنه امتلأ في غضون عامين فقط، ربما حتى بضعة أشهر فقط.
وإذا صحّت هذه النظرية (وبعض العلماء يشككون فيها)، فإن ما يُسمى بفيضان زانكلين الضخم سيكون أكبر فيضان منفرد مُسجَّل على وجه الأرض.
وأصدر الباحثان دانييل غارسيا، وبول كارلينغ، دراسة فحصوا خلالها الصخور الرسوبية من العصر الزانكلي، والتي يبدو أنها تُوثّق كيف اندفعت المياه عبر فجوةٍ بين صقلية الحديثة والبر الرئيسي لأفريقيا لإعادة ملء النصف الشرقي من البحر الأبيض المتوسط.
كيف تتبع العلماء الطوفان الهائل؟
يُمثّل الاكتشاف، أحدث تطور في قصةٍ بدأت في أواخر القرن التاسع عشر، ففي ذلك الوقت، ازداد إدراك الجيولوجيين الذين يدرسون النتوءات الصخرية الغنية بالملح حول البحر الأبيض المتوسط بأن شيئًا غير عادي قد حدث، منذ ما يقرب من 5 إلى 6 ملايين سنة، أي قبل فترات تجلد العصور الجليدية الأخيرة بوقتٍ طويل، وهو جفاف البحر.
وأطلقوا على ذلك العصر اسم "الميسيني"، وأصبح الجفاف يُعرف في النهاية بأزمة الملوحة الميسينية، وفي سبعينيات القرن العشرين، حفر العلماء لأول مرةٍ عميقًا تحت البحر الأبيض المتوسط في الصخور الرسوبية من العصر الميسيني، وتوصلوا إلى ثلاثة اكتشافاتٍ مثيرةٍ للدهشة.
أولاً، عثروا على طبقة ملحية ضخمة - يبلغ سمكها كيلومترات - تحت جزء كبير من قاع البحر، وأكد هذا حدوث تغير بيئي هائل قبل حوالي 6 ملايين سنة، في الوقت الذي تحركت فيه الصفائح التكتونية وأصبح البحر معزولاً إلى حد كبير عن المحيط الأطلسي.
ثانياً، فوق هذه الطبقة الملحية مباشرةً، عثروا على رواسب تحتوي على أحافير من بحيرات ضحلة قليلة الملوحة، ويشير هذا إلى أن البحر الأبيض المتوسط انخفض إلى أكثر من كيلومتر واحد عن مستواه الحالي، ومع تبخر معظم الماء، تخلف الملح.
ولا بد أن سلسلة من البحيرات بقيت في أدنى أجزاء الحوض، حيث انتعشت وحافظت عليها الجداول خالية من الملوحة نسبيًا، وقد دعم هذا التفسير أيضًا المسوحات الزلزالية لقاع البحر التي كشفت عن أنهار كانت تشق طريقها عبر منطقة جافة، حسبما نقلته مجلة "ساينس أليرت".
ثالثًا، عادت الطبقات الصخرية فوق الملح فجأةً إلى رواسب أعماق البحار الأكثر شيوعًا.
وصيغ مصطلح "فيضان زانكلين" في سبعينيات القرن الماضي للإشارة إلى نهاية الأزمة، دون أن يعرف العلماء حقًا مكوناته أو الإطار الزمني اللازم لإعادة ملء حوض البحر الأبيض المتوسط الجاف.
وجاء الاكتشاف التالي في عام 2009، عندما أشارت البيانات الجيوفيزيائية للنفق المخطط له، بين أفريقيا وأوروبا عبر جبل طارق، إلى أن خندقًا ضخمًا تحت الماء بين المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط قد نشأ، نتيجة فيضان مفاجئ وكارثي.
ويدعم البحث الجديد الأخير هذه الفرضية، كجزء من فريق بقيادة عالم قاع البحر المالطي آرون ميكاليف، استكشفنا المنطقة التي يُفترض أن تتدفق فيها مياه الفيضان التي تملأ الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط، إلى سلسلة من الأراضي المرتفعة التي تربط بين أفريقيا وإيطاليا الحديثة، والمعروفة باسم عتبة صقلية.
وتساءل العالمان، هل كان هناك أي دليل على حدوث فيضان ضخم ثانٍ مع امتلاء شرق البحر الأبيض المتوسط؟
ونشأ جيوفاني باريكا، أحد مؤلفي البحث الأخير، في جنوب صقلية، وأدرك منذ زمن بعيد أن التلال المنخفضة قرب الساحل هي امتداد لعتبة صقلية، التي لا بد أن الفيضان الهائل قد امتد فوقها من الغرب إلى الشرق، ورأى أن المنطقة قد تحتوي على أدلة.
وزار فريق البحث هذا الجزء من صقلية، ولاحظ أن التلال كانت بالفعل غير عادية، أشكالها المتراصة والانسيابية، التي تفصلها منخفضات شديدة التآكل، تشبه إلى حد كبير التلال الانسيابية في ولاية واشنطن بالولايات المتحدة، التي تشكلت بفعل فيضان هائل في نهاية العصر الجليدي الأخير، عندما سدّت بحيرة ميسولا الشاسعة خلف نهر جليدي، وفاضت بشكل كارثي.
إذا كانت هذه التلال والمنخفضات في صقلية قد تشكلت أيضًا بفعل فيضان هائل، فمن المفترض أن بقايا الصخور المتآكلة من قاعدة المنخفضات قد وُجدت ملقاة فوق التلال، بعد أكثر من 5 ملايين سنة.
وبالفعل، عثر الفريق على حطام صخري مختلط ومشوه بحجم صخرة كبيرة على طول قمة التلال. كانت هذه الصخور من نفس أنواع الصخور الموجودة داخل المنخفضات، وكذلك في المناطق الداخلية.
وللتحقق من صحة عملهم، قام الباحثون بتطوير محاكاة حاسوبية، لكيفية عبور مياه الفيضانات جزءًا من عتبة صقلية، وقد أظهرت المحاكاة أن تدفق الفيضان سيُحاكي بالفعل اتجاه التلال الانسيابية.
