كشف تقرير حديث لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" بتونس وجود فوارق اجتماعية ومعرفية حادة بين الأطفال، ناجمة عن "عدم التوصل إلى تحقيق الأهداف المرسومة في منوال التنمية المستدامة لأفق 2030 في مجال مقاومة الفقر والصحة والتعليم وغيرها من المجالات الحياتية الأخرى".
خمس الأطفال فقراء
ويبيّن التقرير الأممي الذي حمل عنوان "تحليل وضعية الأطفال في تونس"، أن ما يزيد عن خمس الأطفال في البلاد يعانون الفقر والخصاصة. وتبلغ نسبة هؤلاء 21.2 بالمائة من مجموع الأطفال في دولة تجاوز فيها منسوب الفقر العام الـ 15 بالمائة.
وحذرت المنظمة من تسبب جائحة كورونا في توسيع دائرة الأطفال الفقراء وتنامي ظواهر استغلالهم، مرجحة ارتفاع أعدادهم من 688 ألف طفل قبل بدء الجائحة إلى 900 ألف طفل أثناءها.
كما لاحظ التقرير تزايد ممارسات العنف الجسدي والنفسي والاستغلال الاقتصادي للأطفال التونسيين، مشيرا إلى ارتفاع منسوب العنف الجسدي بثلاثة أضعاف خلال 6 سنوات، حيث شهدت سنة 2018 تسجيل نحو 17500 حالة تبليغ عن العنف الجسدي المسلط على الأطفال، مقابل 6 آلاف حالة تبليغ سنة 2011.
ونبهت المنظمة من ارتفاع مؤشر الأمراض النفسية والعقلية لدى الأطفال، محذرة أيضا من مخاطر استمرار الانقطاع المدرسي خاصة في المناطق المحرومة ومن تراجع المستوى التعليمي، حيث بينت الدراسة أن "72 بالمائة من الأطفال لا يمتلكون مهارات أساسية في العمليات الحسابية، وأن 34 بالمائة منهم لا يمتلكون المهارة في القراءة".
خلل تشريعي
وقال رئيس الجمعية التونسية لحماية حقوق الطفل والطبيب في علم نفس الطفل، معز الشريف، في حديثه لـ "سبوتنيك"، إن هذا التقرير غير مفاجئ ولا يعكس الواقع الحقيقي للطفولة في تونس، موضحا "منسوب التراجع يتجاوز ما كشفه التقرير الذي تعتمد فيه منظمة اليونيسيف على ما تقدمه السلطات التونسية من معطيات وأرقام لا تطابق واقع الطفل التونسي".
وذكر الشريف أن الدولة التونسية لها من القوانين والتشريعات التقدمية ما يجعلها رائدة في مجال حماية حقوق الطفل على مستوى شمال أفريقيا والشرق الأوسط، لكن هذه التشريعات عرجاء إذ ينقصها التحيين.
وأشار إلى أن مجلة حماية الطفولة التي أسست لاحترام حقوق الطفل عبر المؤسسات لم يقع تحيينها منذ إصدارها قبل 25 سنة، رغم أنها تنص في بنودها على التقييم والمراجعة الدورية.
وقال إن هذه المجلة الأساسية لم تعد قادرة على مواكبة التهديدات التي تمس الطفولة خاصة في العالم الافتراضي، نظرا لعدم توفر إجراءات تمكن المتدخلين من الآليات اللازمة لحماية الطفل من هذه التهديدات.
ولفت الشريف إلى أن مشاريع مراجعة قوانين حماية الطفولة لم تخرج من رفوف وزارة العدل منذ ما يزيد عن العشر سنوات، مضيفا أن القانون الأساسي الحالي يتجاهل تماما الإحاطة بالطفل الضحية وتمكينه من آليات الحماية والرعاية على المدى البعيد، أو التعويض في حال لحقت بالطفل أضرار تؤثر على نموه أو حياته داخل المجتمع مستقبلا.
كورونا تفاقم معاناة الأطفال
وقال الشريف إن من بين النواقص الفادحة الأخرى آلية التبليغ عن الاعتداءات ضد الأطفال بالرقم الأخضر، الذي أبرز التقرير الأخير لمندوبية حماية الطفولة أن أغلبية الإشعارات تصل حضوريا وليس باستعمال وسائل الاستشعار عن بعد.
وأكد المختص النفسي أن جائحة كورونا فاقمت من معاناة الأطفال التونسيين، وبيّن أن عدد الاشعارات في الفترة الحالية التي يصعب فيها على المواطنين التواصل والتنقل بسبب الجائحة انخفض إلى أكثر من 60 بالمائة، في وقت يؤكد فيه مختلف المتدخلين أن الجائحة ستفاقم منسوب التهديدات التي تمس الأطفال، بالنظر إلى حالة التوتر الاجتماعي والضغط الاقتصادي المسلط على العائلة التي تمثل المصدر الأول لانتهاكات حقوق الطفل.
وأشار إلى أنه "في كنف الحجر الصحي وجد الطفل نفسه أمام من يعنفه دون أي وسيلة للإشعار أو الحماية". وأضاف أن جميع الإجراءات التي اتخذتها السلطات التونسية ذات العلاقة بجائحة كورونا أضرت بالطفل، نتيجة تعطل التعليم لأكثر من 6 أشهر وهو ما أسهم في تدني نوعية التعليم وإقرار برامج بديلة بشكل متأخر.
غياب ثقافة الطفولة
من جانبه، قال المختص في علم الاجتماع، محمد الجويلي لـ "سبوتنيك"، إن الفارق بين التشريعات والواقع كبير جدا، معتبرا أن الأرقام والمعطيات الواردة بتقرير منظمة اليونيسيف ليست إلا نتائج لواقع متأزم للطفولة، لافتا إلى أن السبب الأساسي لتنامي التهديدات التي تمس بحقوق الأطفال في تونس هو عدم إيلاء مؤسسات الدولة الأهمية المطلوبة للطفولة وتركيزها بالأساس على المسائل الاقتصادية والتنموية.
وأضاف أن السبب الثاني والأساسي يتعلق بعقلية الأفراد والمجتمع التونسي الذي تغيب عنه ثقافة الطفولة، قائلا "مجتمعنا لم يفقه إلى اليوم أن الطفولة هي مرحلة عمرية مهمة جدا، وأن الطفل هو مواطن يحتاج في مرحلة عمرية معينة إلى اهتمام وإلى رعاية خاصة في جل المجالات".
وتابع "ينظر المجتمع للطفولة على أنها مرحلة عابرة وليست ذات أهمية، وأن الأهمية تكمن في بلوغ الطفل مرحلة الرشد التي يصبح فيها نافعا، في حين أن الأطفال من أكثر الفئات الاجتماعية التي تحتاج رعاية مادية ونفسية وصحية وتربوية داخل العائلة وبقية فضاءات المجتمع".
وشدد الجويني أنه في ظل غياب الثقافة التي تكرس لحقوق الطفل، سواء على مستوى الأسرة أو مؤسسات الدولة، فإن مسلسل تهميش الأطفال واستغلالهم سيبقى مستمرا.
وتضمن تقرير اليونيسيف، توصيات موجهة للجهات التونسية الرسمية، من بينها الترفيع في اعتمادات المجالات ذات العلاقة بالطفل على غرار مؤسسات التعليم ما قبل المدرسة وتحسين منظمتيْ الرعاية الصحية والحماية الاجتماعية، والحرص على التوزيع العادل للنفقات خاصة في المناطق المحرومة التي تزداد فيها نسب الانقطاع المدرسي والعمالة.