أمين حزب الحركة الشعبية: المغرب يحافظ على علاقاته التاريخية ولا يخضع لإملاءات خارجية

قال الأمين العام لحزب الحركة الشعبية بالمغرب محمد أوزين، إن بلاده تحرص على المحافظة على علاقاتها التاريخية مع شركائها التقليديين من موقع الندية ومراعاة المصالح المشتركة، وعدم الخضوع لأي إملاءات خارجية مهما كان مصدرها.
Sputnik
وأضاف، في حواره مع "سبوتنيك"، أن "المغرب اختار بفضل الرؤية المتبصرة للملك محمد السادس، تنويع علاقاته وشراكاته من منطلق (النفع المتبادل) وخاصة انخراطه في مسار التعاون (جنوب - جنوب) خدمة للتنمية في القارة الأفريقية التي ينتمي إليها جغرافيا وتاريخيا".
وتحدث أوزين عن تطورات المشهد في الداخل والعلاقات مع فرنسا وكذلك ما يرتبط بالتوترات مع البرلمان الأوروبي.

إلى نص الحوار:

‎كيف ترى موقع المغرب في ظل تغير موازين القوى في الوقت الراهن وهل يحافظ على توازن علاقاته مع جميع الأطراف؟

‎المغرب هو دولة كاملة السيادة، واعتمد منذ الاستقلال سياسة خارجية مبنية على احترام سيادة الدول ووحدتها الترابية وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، مرتكزا بالأساس على مبادئ الشرعية الدولية وعدم الانحياز إلى أي قطبية كانت، وبالتالي يحرص المغرب على المحافظة على علاقاته التاريخية مع شركائه التقليديين من موقع الندية ومراعاة المصالح المشتركة، وعدم الخضوع لأي إملاءات خارجية مهما كان مصدرها.
ملك المغرب يوجه بإنشاء مركز لأبحاث الدفاع بمناسبة الذكرى الـ 67 لتأسيس القوات المسلحة المغربية
كما اختار المغرب، بفضل الرؤية المتبصرة للملك محمد السادس، تنويع علاقاته وشراكاته من منطلق النفع المتبادل، وخاصة انخراطه في مسار التعاون (جنوب - جنوب) خدمة للتنمية في القارة الأفريقية التي ينتمي إليها جغرافيا وتاريخيا وروحيا، وهذا ما شكل مصدر إزعاج لبعض الأطراف التي لم تتخلص من العقلية الاستعمارية حتى الآن، ولا تزال تختزل القارة السمراء وتعتبرها مجرد مصدر ومخزن للثروات والمعادن، التي هي ملكا لأبناء أفريقيا، القارة الأكثر احتياجا إلى تنمية حقيقية.

كيف تقيم العلاقات بين المغرب وروسيا؟

كانت العلاقات المغربية الروسية، ومنذ حقبة الاتحاد السوفياتي، علاقات جد ممتازة، وشملت العديد من أوجه التعاون الاقتصادي والثقافي والعلمي، لأنها كانت مبنية على الاحترام المتبادل ولم تتأثر بفترة الحرب الباردة بين القطبين الغربي والشرقي، وهذا مرده إلى اختيار المغرب التوازن في سياسته الخارجية.

في ظل تصفير الأزمات العربية… ما الدور الذي يمكن أن يقدمه المغرب في إطار التكامل العربي والسوق المشتركة؟

بداية، أود الإشارة من باب تقريب الفهم إلى القارئ المغربي، أن مصطلح "تصفير" وهو غير شائع في كل البلدان العربية يعني إمكانية بناء علاقات إقليمية تقوم على الاحترام المتبادل، والحوار، والتعاون الاقتصادي، وحل الخلافات بالطرق السلمية، واستيعاب التنوع العرقي والديني… فترى أين نحن من هذه المقاربة؟
ويكفي الاطلاع على العلاقات التجارية البينية بين الدول العربية لنكتشف أن التكامل العربي والسوق العربية هما حلمان بعيدا المنال، فعلى الرغم من إبرام المغرب مثلا لاتفاقية التبادل الحر (اتفاقية أكادير) مع كل من تونس ومصر والأردن، فإن الأرقام الخاصة بالتبادل بينها ضعيفة جدا.
معاناة ومطالب لم تتحقق.."قطاع التمريض" في المغرب يواجه جملة من التحديات.. صور وفيديو
كان المغرب دائما منسجما مع قناعاته بخصوص التعاون مع أشقائه، وآمن بالحلم المغاربي الذي كانت بداياته في مؤتمر طنجة سنة 1958 وتبلور في مراكش سنة 1989، لكن كان مصيره الجمود بسبب مواقف الجزائر المعادية لوحدتنا الترابية، وهو ما عطل مشروعا مغاربيا كان "حلم جيل الأمس" ولا يزال بمثابة "تطلع لجيل اليوم"، رغم أن تأخره فوت على المنطقة فرصا تنموية كبيرة، فهل لكم أن تتخيلوا حجم هدر الزمن التنموي بالمنطقة.
إنه أمر مؤسف لا يليق بفضاء تتقاسم شعوبه، أواصر تاريخية ثقافة ولسانا وتاريخا وعقيدة... فقد اتحدت أوروبا باختلاف ألسنها وثقافاتها ودياناتها وتفرق الأخوة العرب رغم رابطهم الحضاري المشترك.

بشأن القمة العربية المرتقبة… هل من المأمول أن تتخذ خطوات فارقة في إطار العمل العربي؟

‎أمام القمة العربية المرتقبة في المملكة العربية السعودية ملفات وقضايا معقدة جدا، منها ما هو مرتبط بتطور الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، ومنها ما هو مرتبط بالحرب التي تدور رحاها في السودان، وكذا بالوضع في اليمن ولبنان، علاوة على الوضع في ليبيا والعلاقات مع إيران.
‎من المؤكد أنه يصعب التنبؤ بما ستسفر عنه هذه القمة، لكن يكفي أن المواطن العربي قد سئم على مدى عقود طويلة من قمم تختزل في البيانات المشتركة، التي لا يتم تطبيقها على أرض الواقع.
مجتمع
أكثر 10 دول أفريقية امتلاكا لاحتياطيات الذهب
لنكن أكثر جرأة ونسمي الأشياء بمسمياتها، المطلوب حاليا هو مراجعة ميثاق جامعة الدول العربية الذي يحتاج إلى الاستفادة من تجارب التكتلات الإقليمية كالاتحاد الأوروبي الذي أرسى قواعد للتكامل بين قوميات مختلفة ولغات متعددة كما أسلفت.
في حين أن كل القواسم المشتركة متوفرة في أعضاء الجامعة العربية، لكن ثمة خلل ما يجب معالجته، والخلل البارز هو غياب إرادة سياسية تستحضر التكامل والتعاضد والتعاون، وليس التنافر أو الحياد السلبي كلما مست أو تعطلت مصلحة بلد شقيق.

كيف ينظر الحزب لمعالجة الحكومة للأوضاع الاقتصادية في المغرب وكيف تقيمون الأداء؟

‎أعتقد جازما أن الحكم الحقيقي والموضوعي على أداء الحكومة الحالية، يمكن استنباطه، بكل وضوح وجلاء، من تصريحات وردود فعل الناس العاديين الذين يفرغون حجم معاناتهم في الشارع، وعبر وسائط التواصل الاجتماعي، يدينون فيها سياسات الحكومة المتعارضة تماما مع الوعود التي أطلقتها مكونات الأغلبية الحكومية، قبيل انتخابات الثامن من سبتمبر/ أيلول 2021.
‎الحركة الشعبية كحزب وطني عريق ولد من رحم المعارضة في السنوات الأولى لاستقلال المغرب، رافعا شعار محاربة الفكر الأوحد والحزب الوحيد، وانتبه مبكرا إلى أن المقاربة التي اعتمدتها مكونات الائتلاف الحكومي، مباشرة بعد تصدرها انتخابات 2021، هي مقاربة تجسد إعادة إنتاج لمنطق الهيمنة التي تصدى لها حزب الحركة الشعبية في أواخر خمسينيات القرن الماضي.
تقرير: المغرب يسجل مستوى جفاف قياسيا لم يصله منذ 40 عاما
‎لقد تبين لنا منذ البداية أن انطلاقتها لم تكن في الاتجاه الصحيح، بحيث استندت إلى الاستقواء بالأغلبية العددية عوضا عن الارتكاز على البرامج من أجل تشكيل تحالفها، وفي خضم هذا، تبخرت الوعود واندثرت الالتزامات الانتخابية المعسولة.
‎نحن كحزب وفي إطار المعارضة المؤسساتية، قدمنا أكثر من بديل ومقترح من أجل التخفيف من تداعيات الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، لكن الحكومة تمادت في انتهاج منطق اللا مبالاة، مكتفية بترديد أسطوانة الانتشاء بما أفرزته انتخابات الثامن من سبتمبر/ أيلول 2021، متناسية أنه منذ ذلك التاريخ تغيرت مياه كثيرة في مجرى وادي السياسة.

هل يستعد الحزب للمشاركة في الحكومة المقبلة أو المنافسة على تشكيلها عبر الانتخابات؟

من الطبيعي أن هدف كل حزب سياسي هو الوصول إلى مواقع القرار من أجل تنفيذ برنامجه ومشروعه المجتمعي، وذلك عبر الآليات الديمقراطية المتمثلة في الانتخابات، لكن وعكس ما يعتقد البعض، نحن في الحركة الشعبية نشعر بالراحة لموقعنا في المعارضة، لأنه لا يمكننا بأي شكل من الأشكال المشاركة في تحالف حكومي يبحر عكس تيار الشعب ومصالح المواطنين.
ربما في الماضي، كنا نقبل بتنازلات، من منطلق إيثار مصلحة الوطن على مصلحة الحزب، وكنا نكتفي بمواقع لا ترقى إلى مستوى ما نستحق، لأننا كنا ولا نزال نعتقد أننا حزب مواقف لا حزب مواقع، وكانت لدينا الجرأة والشجاعة الكافيتين لتحمل المسؤولية كاملة عن مشاركاتنا للحكومات السابقة في نجاحاتها وإخفاقاتها، بل وحتى في حالات كنا فيها ضحية حيف وسوء تقدير.
مطالب حقوقية بتعديل القوانين للمساواة بين الجنسين في المغرب… لماذا لم تتحقق حتى الآن؟
لذلك، فإننا اليوم، وبعد المؤتمر الوطني الرابع عشر للحزب في نهاية السنة الماضية، نشتغل بكل أريحية وبنفس جديد وبنظرة متجددة ومبتكرة للعمل السياسي على الرغم من محدودية الإمكانيات، وحددنا أهدافنا بكل دقة، وهي أهداف مرتبطة أولا وقبل كل شيء بحسابات الوطن.
ونحن واثقون أن الأجيال الجديدة التي تفاعلت وتتفاعل مع خطابنا الجديد من موقع المعارضة ستحسن الاختيار في الاستحقاقات المقبلة.

كيف ترى الأزمة مع فرنسا وسيناريوهات العلاقة المستقبلية بين البلدين؟

الحديث عن الأزمة ربما هو تعبير مبالغ فيه، فالأمر يتعلق فقط بسحب وغيوم تظهر في سماء العلاقات (المغربية - الفرنسية) بين الحين والآخر.
هي علاقات ليست محكومة بالتاريخ أو الاقتصاد فحسب، بل هي أيضا علاقات إنسانية، وهذه العلاقات هي في حكم الثابت، أما المتغير فهو الذي أقصد به سحابة صيف مرتبطة بأجندات لجهات فرنسية رجعية لم تتخلص من عقلية المستعمر القديم، وما زالت ترى في المغرب تلك المحمية، وليس الدولة المستقلة كاملة السيادة التي تمارس حقها كاملا غير منقوص في اختيار شركائها شمالا وجنوبا وشرقا وغربا.
المغرب، وبفضل السياسة الخارجية التي يشرف عليها الملك محمد السادس، بشكل مباشر، لم يقطع ولن يقطع شعرة معاوية مع شريكه الفرنسي، ولا يزال يعطي الدروس، بذكاء، لجهات فرنسية فشلت في أساليب المساومة والابتزاز سواء كانت جهات سياسية أو إعلامية.

في ظل الهجوم المتكرر من البرلمان الأوروبي… برأيك كيف ترى هذه المواقف تجاه المغرب؟

المواقف المعادية للمغرب التي صادق عليها البرلمان الأوروبي لا تعبر عن أوروبا التي تربطها علاقات استراتيجية بالمغرب في العديد من المجالات وخاصة مكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للقارات.
في الحركة الشعبية وفي البرلمان الأوروبي عبرنا عن موقفنا من قرار البرلمان الأوروبي، وواجهنا الواقفين وراء القرار بالحجة والبرهان، وقدمنا تحية عرفان وتقدير لزملائنا البرلمانيين الأوروبيين الذين لم يشاركوا في هذا "القرار الهزلي".
عودة فرنسا إلى المغرب والجزائر.. ما الذي تبحث عنه باريس
كما كانت زيارتي مؤخرا لمقر البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ بصفتي رئيسا مشاركا ممثلا لأفريقيا داخل التكتل الليبرالي بالبرلمان الأوروبي مناسبة للتأكد من صواب حكمنا، وبأنه كما يقول المثل "لا يمكن وضع كل البيض في سلة واحدة".
ففي البرلمان الأوروبي أعضاء يمثلون فعلا أوروبا الأخلاق والقيم الإنسانية الكبرى المشتركة، إضافة إلى قلة تنصاع لمخططات الجهات المعادية للمغرب، وهي جهات غير أوروبية.

‎هل لدى الحزب مواقف من تشريعات بعينها داخل البرلمان في الوقت الراهن وما هي رؤيتكم؟

‎ليس في الأمر ثمة مبالغة، إذا قلت لكم أن فريق الحركة الشعبية بمجلس النواب قد حطم الأرقام القياسية في تقديم مقترحات القوانين حول عدد من القضايا والإشكاليات المهمة، التي تشغل بال الرأي العام الوطني، لكن هذه المبادرات التشريعية يتم مواجهتها بتعنت الحكومة وأغلبيتها، التي ترفض حتى الإصغاء إليها ومناقشتها، وتبرير رفضها.
وللحزب مواقف ثابتة من عدد من القضايا الكبرى، بناء على أسس مرجعية الحزب وأرضيته السياسية وبرنامجه الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي، ونعمل على استكمال صياغة مواقفنا من بعض القضايا المطروحة للنقاش والتعديل، ومنها مدونة الأسرة ومجموعة القانون الجنائي ومدونة الشغل، من منطلق التجاوب مع التحولات المتسارعة التي ما فتئ يعرفها المجتمع المغربي، والتي تتطلب تحديث "الترسانة القانونية"، فعملنا هذا لا ينطلق من فراغ، بل يستند إلى تشخيص موضوعي للواقع وإلى الإصغاء إلى نبض المجتمع.
ولن نعدم الجرأة والشجاعة في التعبير عن مواقفنا بكل وضوح وبما يخدم التماسك الاجتماعي ويرسخ القيم المغربية في المزج بين الأصالة والحداثة والانفتاح.
مناقشة