أزمة سيولة وانهيار كبير في سعر صرف الريال أمام الدولار... إلى أين يتجه الاقتصاد اليمني؟

أزمات متوالية يعيشها الشعب اليمني منذ ما يقارب السنوات العشر، لكن ازدادت حدتها في السنوات الأخيرة نظرا لانهيار سعر صرف الريال مقابل الدولار بشكل كبير في مناطق الشرعية وبفارق كبير بينه وبين المناطق التي تسيطر عليها "أنصار الله"، بالإضافة إلى تدهور الخدمات والبنى التحتية.
Sputnik
ما الأسباب التي أدت إلى تلك الحالة المخيفة التي يعيشها اليمن، وهل الانقسامات النقدية والحرب هي من أوصلت البلاد إلى تلك الحالة، أم أن هناك عوامل أخرى تكمن خلف الكواليس؟
بداية، يقول الدكتور محمد جمال الشعيبي، أستاذ المالية العامة والاقتصاد السياسي في جامعة عدن:، إن ما يحدث اليوم هو تفاقم وتيرة تداعيات الانقسام النقدي بين الجنوب والشمال والذي تم وفق إجراءات فرضها الحوثي (أنصار الله)، لكن في الفترة الأخيرة زادت قساوة وحدة تلك التداعيات وظهرت بشكل خطير من خلال الانهيار المتسارع في أسعار الصرف للريال اليمني أمام الدولار.
انهيار متسارع
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "إن تداعيات الانقسام النقدي ظاهرة للعلن اليوم وما يحدث اليوم هو زيادة في حدتها وتأثيراتها على الساحة، فمنذ فرض جماعة الحوثي قرار منع تداول الطبعات الصغيرة من العملة المحلية نهاية 2019، وقبلها منع توريد الإيرادات العامة إلى البنك المركزي في المركز الرئيسي بعدن بعد قرار نقل البنك من صنعاء في سبتمبر/أيلول 2016".
وتابع الشعيبي: "ما يحدث اليوم هو تفاقم وتيرة تلك التداعيات وزيادة قساوتها من خلال الانهيار المتسارع في أسعار الصرف للريال اليمني أمام الدولار، حيث بلغ سعر صرف الدولار الواحد أكثر من 1725 ريال يمني في المناطق المحررة وأكثر من 531 ريال في المناطق الواقعة تحت سلطة جماعة الحوثي، رغم فرض الجماعة سياسة مالية ونقدية مغلقة، إلا أن الأسعار هناك تنهار بشكل متتالي".
البنك المركزي اليمني يحمل "أنصار الله" مسؤولية تدهور الريال ويطالب الإمارات بدعمه
مهلة البنك المركزي
وأشار الشعيبي إلى أن هذا الانقسام يتفاقم في الآونة الأخيرة مع اقتراب انتهاء المهلة التي حددها البنك المركزي في عدن للبنوك التجارية لنقل مراكزها من المحافظات الشمالية الواقعة تحت سيطرة الحوثي إلى العاصمة عدن، والامتثال لقرارات ولوائح وتوجيهات البنك المركزي في عدن المعترف به دوليا إلا أن المؤشرات والدلالات تشير إلى احتمال تعثر عمليات النقل وعدم امتثال البنوك التجارية لهذا التوجيه خصوصا في ظل طرح جماعة الحوثي شرط تسليم هذه البنوك كافة الودائع لديها الخاصة بالعملاء في المناطق الشمالية والبالغة قرابة 4.5 مليار دولار".
وأكد الشعيبي "أن اشتراطات الحوثيين على البنوك تعجيزية ويصعب تنفيذها، خاصة وأن هذه البنوك لا تملك القدرة على دفع هذه الأموال، حيث أن سياسة استثمار ودائع العملاء في البنوك قبل اندلاع الحرب كانت تتم من خلال استثمارات في أذونات الخزانة (دين عام)، ما يعني أن هذه البنوك لا تمتلك القدرة على استعادتها أو سحبها من المقترضين، علاوة على عجز السيولة في المناطق المحررة وعدم قدرة البنك المركزي في عدن على سداد ديون هذه البنوك حتى تتمكن من النقل".
ولفت الشعيبي إلى أن كل التداعيات السابقة تزيد من أزمة السيولة وتسارع انهيار أسعار الصرف في ظل توقف صادرات النفط منذ منتصف العام 2022، وتراجع حجم الدعم الخارجي.
أبو الغيط يلتقي رشاد العليمي في نيويورك ويبحثان تطورات الأزمة اليمنية
أزمة السيولة
من جانبه يقول الباحث والمحلل الاقتصادي اليمني، وحيد الفودعي: "بدأت أزمة السيولة وانهيار سعر صرف الريال اليمني تظهر للعلن من وقت مبكر، بمجرد ما انتقل البنك المركزي إلى عدن واحتفظ الحوثيين ببنك في صنعاء موازي كبنك مركزي لهم، هنا بدأ الانقسام النقدي يظهر للعلم في عام 2016، واستمر هذا الانقسام من خلال الممارسات، بمعنى أن البنك المركزي في عدن يتخذ إجراء أو أدوات خاصة بالسياسة النقدية،في المقابل يتخذ المركزي في صنعاء أدوات مضادة لما قام به مركزي عدن التابع للشرعية".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "شهد العام 2019 أقوى مراحل الانقسام عندما قام الحوثيين بإصدار قرار بمنع تداول الطبعة الحديثة من الأوراق النقدية التي أصدرها البنك المركزي في عدن في مناطق سيطرته، تلك كانت القشة التي قسمت ظهر البعير، وهنا بدأ الانقسام النقدي يظهر بشكل خطير جدا وأثر بشكل جوهري على كثير من المؤشرات الاقتصادية وعلى أهم مؤشر اقتصادي وهو سعر الصرف".
الكتلة النقدية
ويكمل الفودعي: "بعد الطبعة الحديثة من الريال اليمني التي أصدرتها حكومة الشرعية في العام 2019 ومنعها الحوثيين، هنا بدأ التباين يظهر في سعر الصرف ما بين صنعاء وعدن، نظرا لأن الكتلة النقدية الكبيرة انتقلت إلى مناطق سيطرة الحكومة الشرعية التي أصدرت الطبعة الحديثة من الأوراق المالية، بينما في مناطق الحوثيين انتقلت الطبعة القديمة وهي شحيحة جدا، لذلك أصبح سعر الصرف في صنعاء للريال اليمني أقوى من سعر الصرف في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية".
وأشار المحلل الاقتصادي، إلى أن "هناك أزمة سيولة وهي موجودة منذ أن منع الحوثيين الطبعة الحديثة من أوراق النقد، لكنها اليوم بدأت تتفاقم الآن بشكل كبير، وبدأت تلك الأزمة تظهر للعلن في ظل احتجاجات المواطنين أمام البنوك بسبب قانون الحوثيين الخاص بمنع التعامل بالفوائد الربوية لدى البنوك، ما أدى إلى تجميد حسابات البنوك لدى البنك المركزي المسيطر عليه من قبل الحوثيين في صنعاء، وعدم قدرة البنوك على إعطاء المواطنين ودائعهم وحساباتهم الجارية وأدى ذلك إلى مشاكل كبيرة".
وأكد الفودعي "أن الأزمة موجودة والانقسام النقدي موجود أيضا، منذ وقت سابق، لكن تعمق الآن بشكل كبير ولا زال وإلى الآن يتعمق الانقسام بشكل أكبر من خلال القرارات التي يصدرها كلا الطرفين سواء في عدن الشرعي، أو قرارات البنك المركزي في صنعاء المسيطر عليه من قبل الحوثيين والغير معترف به دوليا".
كوارث اقتصادية
ولفت المحلل الاقتصادي إلى أن"أسباب انهيار سعر صرف الريال اليمني متراكمة، من بينها الحرب الدائرة في البلاد وما خلفته من كوارث اقتصادية، غير أن هجوم جماعة الحوثي على موانئ تصدير النفط نهاية العام 2022 كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، حيث توقف تماما تصدير الحكومة الشرعية للنفط، ما أفقدها أهم مورد في موازنتها والذي يتعدى نسبة الـ 70% بحسب تقديرات حكومية، وبحسب تقديرات حكومية تفقد الحكومة الشرعية شهريا 120 مليون دولار كانت تأتي من عوائد صادرات النفط".
وأوضح الفودعي إلى أن حكومة الشرعية تخسر في الوقت الراهن ما يعادل 50 مليون دولار شهريا نتيجة تحويل مسار السفن من ميناء عدن إلى ميناء الحديدة بموجب تفاهمات الهدنة بين الشرعية والحوثيين، الأمر الذي أثر على قدرة البنك المركزي على التدخل في سوق الصرف وإدارته بشكل فعال، واستمراريته في بيع المزادات بالشكل الذي سار عليه سابقا".
اليمن... احتجاجات في عدن على انقطاع الكهرباء
ويشهد اليمن تهدئة هشة منذ إعلان الأمم المتحدة، في الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول 2022، وعدم توصل الحكومة اليمنية وجماعة "ًأنصار الله" إلى اتفاق لتمديد وتوسيع الهدنة، التي استمرت 6 أشهر.
ويعاني اليمن للعام العاشر توالياً، صراعاً مستمراً على السلطة بين الحكومة المعترف بها دولياً وجماعة "أنصار الله"، انعكست تداعياته على مختلف النواحي، إذ تسبب في أزمة إنسانية تصفها الأمم المتحدة بالأسوأ على مستوى العالم.
وتسيطر جماعة "أنصار الله"، منذ سبتمبر/ أيلول 2014، على غالبية المحافظات وسط وشمالي اليمن، بينها العاصمة صنعاء، فيما أطلق تحالف عربي بقيادة السعودية، في 26 مارس 2015، عمليات عسكرية دعماً للجيش اليمني لاستعادة تلك المناطق من قبضة الجماعة.
وأودت الحرب الدائرة في اليمن، حتى أواخر 2021، بحياة 377 ألف شخص، كما ألحقت بالاقتصاد اليمني خسائر تراكمية تقدر بـ126 مليار دولار، في حين بات 80% من الشعب اليمني بحاجة إلى مساعدات إنسانية، حسب الأمم المتحدة.
مناقشة